ماذا بعد الانقلاب العسكري في غينيا بيساو؟

شهدت غينيا بيساو في نوفمبر/تشرين الثاني 2025 حدثا مفصليا حين أطاح الجيش بالحكومة قبل إعلان نتائج انتخابات شديدة التنافس.

هذا التطور المفاجئ أثار جدلا واسعا في غرب أفريقيا، حيث اعتبر بعض القادة أن الانقلاب كان مُدبَّرا ومخططا له مسبقا.

البلد الصغير، الذي يعتمد معظم سكانه على زراعة الكاجو كمصدر رئيسي للعيش، يجد نفسه اليوم في قلب أزمة سياسية وأمنية معقدة، تتداخل فيها المصالح المحلية مع شبكات تهريب المخدرات العالمية.

غينيا بيساو Men flee the scene as gunfire rings out near the Presidential Palace in Bissau on November 26, 2025. Gunfire was heard Wednesday outside Guinea-Bissau's presidential palace just three days after the country's presidential and legislative elections, with both major candidates have claimed victory, an AFP journalist on the scene witnessed. People were seen running in a crowd gathered outside the palace as the shots were heard. (Photo by Patrick MEINHARDT / AFP)
فرار المارة بعد سماع دوي إطلاق نار قرب القصر الرئاسي في بيساو يوم 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2025 (الفرنسية)

غينيا بيساو تُعرف منذ سنوات بأنها “أول دولة مخدرات في أفريقيا”، إذ تحولت إلى محطة رئيسية لتهريب الكوكايين من أميركا اللاتينية إلى أوروبا.

هذا الواقع جعلها عرضة لتدخلات خارجية وضغوط إقليمية، كما ساهم في إضعاف مؤسسات الدولة وتعزيز نفوذ شبكات غير شرعية داخل الجيش والسياسة.

الانقلاب الأخير يعكس هشاشة النظام السياسي، ويطرح تساؤلات عن قدرة البلاد على استعادة الاستقرار في ظل هذه التحديات.

CALI, COLOMBIA - OCTOBER 29: President Úmaro Sissoco of Guinea-Bissau speaks during the high level sessions at day 9 as part of the 'COP16:Peace With Nature' at Valle Del Pacífico Event Center on October 29, 2024 in Cali, Colombia. (Photo by Gabriel Aponte/Getty Images)
الرئيس غينيا بيساو المخلوع عمر سيسوكو فر إلى الكونغو الديمقراطية (غيتي إيميجز)

من الناحية الاقتصادية، يعتمد السكان بشكل شبه كامل على محصول الكاجو، الذي يمثل المصدر الأساسي للدخل القومي.

لكن هذا القطاع الزراعي لا يكفي لمواجهة الفقر المنتشر أو لتوفير فرص عمل للشباب.

ومع استمرار تهريب المخدرات، يظل الاقتصاد الرسمي ضعيفا، في حين يزداد اعتماد بعض الفئات على الأنشطة غير المشروعة.

هذا التناقض بين الزراعة التقليدية والاقتصاد الموازي القائم على المخدرات يضعف قدرة الدولة على بناء مستقبل مستدام.

إقليميا، يثير الانقلاب مخاوف لدى دول غرب أفريقيا، خاصة أن المنطقة شهدت سلسلة انقلابات في السنوات الأخيرة.

منظمة الإيكواس تواجه تحديا جديدا في كيفية التعامل مع الوضع، بين فرض العقوبات أو محاولة الوساطة.

إعلان

بعض القادة يرون أن الانقلاب يهدد الأمن الجماعي ويزيد من هشاشة المنطقة أمام الإرهاب والجريمة المنظمة.

غينيا بيساو Brigadier General Denis N'Canha (C), head of the military office of the presidency gives a press conference at the General Staff of the Armed Forces on November 26, 2025. Gunfire was heard Wednesday outside Guinea-Bissau's presidential palace just three days after the country's presidential and legislative elections, with both major candidates have claimed victory, an AFP journalist on the scene witnessed. People were seen running in a crowd gathered outside the palace as the shots were heard.
اللواء دينيس نكانها (وسط)، رئيس المكتب العسكري للرئاسة، في مؤتمر صحفي في قيادة الجيش في 26 نوفمبر 2025 (الفرنسية)

على المستوى الشعبي، يعيش المواطنون حالة من القلق وعدم اليقين. فالتجارب السابقة أظهرت أن الانقلابات لا تؤدي غالبا إلى تحسين الأوضاع المعيشية، بل إلى مزيد من الاضطراب.

ومع ذلك، هناك من يرى أن التغيير قد يفتح الباب أمام إصلاحات إذا ما تمكن الجيش من إدارة مرحلة انتقالية شفافة تؤدي إلى انتخابات نزيهة.

تصميم خاص خريطة غينيا بيساو
خريطة غينيا بيساو (الجزيرة)

المستقبل إذن يظل غامضا: هل ستتمكن غينيا بيساو من الخروج من دائرة الانقلابات والفساد لتبني مؤسسات قوية واقتصادا مستقرا؟ أم أن نفوذ شبكات المخدرات سيظل يطغى على المشهد، مما يجعلها رهينة لمصالح خارجية ويكرس لقبها كـ“دولة مخدرات”؟

الإجابة ستعتمد على قدرة القوى السياسية والمدنية على مواجهة التحديات، وعلى مدى استعداد المجتمع الدولي لدعم مسار إصلاحي حقيقي.

 

المصدر: الجزيرة