شهدت غينيا بيساو في نوفمبر/تشرين الثاني 2025 حدثا مفصليا حين أطاح الجيش بالحكومة قبل إعلان نتائج انتخابات شديدة التنافس.
هذا التطور المفاجئ أثار جدلا واسعا في غرب أفريقيا، حيث اعتبر بعض القادة أن الانقلاب كان مُدبَّرا ومخططا له مسبقا.
البلد الصغير، الذي يعتمد معظم سكانه على زراعة الكاجو كمصدر رئيسي للعيش، يجد نفسه اليوم في قلب أزمة سياسية وأمنية معقدة، تتداخل فيها المصالح المحلية مع شبكات تهريب المخدرات العالمية.

غينيا بيساو تُعرف منذ سنوات بأنها “أول دولة مخدرات في أفريقيا”، إذ تحولت إلى محطة رئيسية لتهريب الكوكايين من أميركا اللاتينية إلى أوروبا.
هذا الواقع جعلها عرضة لتدخلات خارجية وضغوط إقليمية، كما ساهم في إضعاف مؤسسات الدولة وتعزيز نفوذ شبكات غير شرعية داخل الجيش والسياسة.
الانقلاب الأخير يعكس هشاشة النظام السياسي، ويطرح تساؤلات عن قدرة البلاد على استعادة الاستقرار في ظل هذه التحديات.

من الناحية الاقتصادية، يعتمد السكان بشكل شبه كامل على محصول الكاجو، الذي يمثل المصدر الأساسي للدخل القومي.
لكن هذا القطاع الزراعي لا يكفي لمواجهة الفقر المنتشر أو لتوفير فرص عمل للشباب.
ومع استمرار تهريب المخدرات، يظل الاقتصاد الرسمي ضعيفا، في حين يزداد اعتماد بعض الفئات على الأنشطة غير المشروعة.
هذا التناقض بين الزراعة التقليدية والاقتصاد الموازي القائم على المخدرات يضعف قدرة الدولة على بناء مستقبل مستدام.
إقليميا، يثير الانقلاب مخاوف لدى دول غرب أفريقيا، خاصة أن المنطقة شهدت سلسلة انقلابات في السنوات الأخيرة.
منظمة الإيكواس تواجه تحديا جديدا في كيفية التعامل مع الوضع، بين فرض العقوبات أو محاولة الوساطة.
بعض القادة يرون أن الانقلاب يهدد الأمن الجماعي ويزيد من هشاشة المنطقة أمام الإرهاب والجريمة المنظمة.

على المستوى الشعبي، يعيش المواطنون حالة من القلق وعدم اليقين. فالتجارب السابقة أظهرت أن الانقلابات لا تؤدي غالبا إلى تحسين الأوضاع المعيشية، بل إلى مزيد من الاضطراب.
ومع ذلك، هناك من يرى أن التغيير قد يفتح الباب أمام إصلاحات إذا ما تمكن الجيش من إدارة مرحلة انتقالية شفافة تؤدي إلى انتخابات نزيهة.

المستقبل إذن يظل غامضا: هل ستتمكن غينيا بيساو من الخروج من دائرة الانقلابات والفساد لتبني مؤسسات قوية واقتصادا مستقرا؟ أم أن نفوذ شبكات المخدرات سيظل يطغى على المشهد، مما يجعلها رهينة لمصالح خارجية ويكرس لقبها كـ“دولة مخدرات”؟
الإجابة ستعتمد على قدرة القوى السياسية والمدنية على مواجهة التحديات، وعلى مدى استعداد المجتمع الدولي لدعم مسار إصلاحي حقيقي.
المصدر: الجزيرة