ليس سرّاً أن قطاع الاتصالات في لبنان يعاني من أزمات متراكمة، نتيجة هشاشة البنية التحتية، والأوضاع الاقتصادية المتدهورة، والخضّات الأمنية المتلاحقة. وفي هذا السياق، أثار إعلان رجل الأعمال الأمريكي إيلون ماسك اهتمامه بإطلاق خدمات شركته “ستارلينك” للإنترنت الفضائي في لبنان اهتماً واسعاً.
وكان ماسك قد أجرى اتصالاً هاتفياً مع رئيس الجمهورية اللبنانية، جوزاف عون، أعرب خلاله عن رغبته في دخول السوق اللبنانية، بينما أبدى الرئيس استعداداً لتوفير التسهيلات الممكنة في إطار القوانين المرعية.
وقد قوبل الإعلان بترحيب من بعض الجهات الرسمية، في مقابل قلق واضح أبدته شركات خاصة مزوّدة لخدمات الإنترنت، إضافة إلى منظمات معنية بالحقوق الرقمية، أبدت مخاوفها من مدى قانونية إدخال “ستارلينك” إلى السوق اللبنانية، ومن إمكانية التزامها بحماية خصوصية المستخدمين، واحترام سيادة الدولة في المجال التقني.
وتُعدّ “ستارلينك” شبكة إنترنت فضائي تديرها شركة “سبيس إكس” التي أسّسها ماسك، وتعتمد على آلاف الأقمار الصناعية المنخفضة المدار لتوفير إنترنت عالي السرعة، لا سيّما في المناطق التي تعاني من ضعف في البنية التحتية التقليدية. وقد سبق تشغيل الشبكة في عدد من الدول، أبرزها أوكرانيا، حيث فُعّلت خلال الحرب لتأمين الاتصال في حالات الطوارئ.
من جهتها، أكدت وزارة الاتصالات لبي بي سي عربي، عبر مكتبها الإعلامي، أن الاجتماعات ستُكثّف خلال الأسبوع الحالي لمتابعة الملف مع الجانب الأميركي واتخاذ الإجراءات اللازمة.
لكن ثمة عقبات قانونية قد تعرقل تنفيذ المشروع. فبموجب القانون رقم 431 الصادر عام 2002، تُعدّ “الهيئة المنظمة للاتصالات” الجهة الوحيدة المخوّلة بمنح تراخيص تشغيل شركات الإنترنت في لبنان. إلا أن الهيئة لا تزال غير فاعلة منذ عام 2012، بعد انتهاء ولاية مجلس إدارتها وعدم تعيين بديل بسبب خلافات سياسية.
وبحسب تحقيق أعدته منظمة “سمكس SMEX” المعنية بالحقوق الرقمية، فإن منح أي ترخيص جديد من دون المرور بالهيئة التنظيمية يُعدّ مخالفة للقانون. كما يشير التحقيق إلى أن استقدام سعات الإنترنت الدولية عبر شركة أجنبية مثل “ستارلينك” يجب أن يتم حصراً عبر وزارة الاتصالات وهيئة “أوجيرو” وهي الشبكة الرسميّة المقدّمة لخدمات الاتصالات والهاتف في لبنان، وفقاً للمرسوم رقم 9288 الصادر عام 1996.
قلق في القطاع الخاص
في موازاة التحركات الرسمية، أعربت شركات لبنانية خاصة عاملة في قطاع خدمات الإنترنت عن مخاوفها من أن يؤدي دخول “ستارلينك” إلى السوق المحلية، من دون تنظيم واضح، إلى خسارة شريحة من زبائنها، لا سيما من المؤسسات الكبرى، ما قد ينعكس سلباً على مداخيلها وعلى العائدات العامة للدولة.
من جانبها، أوضحت وزارة الاتصالات، في ردها على أسئلة بي بي سي عربي، أن الكلفة المرتفعة لاشتراك “ستارلينك” مقارنة بالتعرفة المحلية، تجعلها غير منافسة للخدمات القائمة، مشيرة إلى أن استخدامها سيكون محصورًا بحالات الطوارئ أو تعطل الشبكات.
وشدّدت الوزارة على أن دخول أي خدمة خارجية إلى السوق لن يتم بشكل عشوائي، بل سيخضع لإطار قانوني يضمن حقوق الشركات المرخصة ويكفل استمرارية الخدمة وفق المعايير الوطنية.
السيادة الرقمية وتضارب المصالح
ومع تصاعد الحديث عن إمكانية التعاون مع “ستارلينك”، أُثيرت تساؤلات حول قدرة الدولة اللبنانية على حماية سيادتها الرقمية، في ظل دخول مزوّد خارجي إلى سوق الإنترنت المحلي.
بدورها، أكدت وزارة الاتصالات لبي بي سي عربي أن حماية السيادة الرقمية تُعد من أولويات المرحلة، وأنها تعمل بالتنسيق مع الجهات الفنية والأمنية على إعداد إطار قانوني ورقابي ينظّم هذه العملية ويضمن حماية البيانات.
وأشار تقرير “سمكس” إلى احتمال وجود تضارب مصالح، إذ يُعتقد أن وزير الاتصالات شارل الحاج كان يملك في السابق أسهماً في شركتين لبنانيتين تشاركان في توزيع خدمات “ستارلينك”. وقد نفت الوزارة هذا الادعاء “نفياً قاطعاً”، مؤكدة أن جميع الإجراءات المتعلقة بالخدمة جرت بشفافية ووفق الأصول القانونية وبعلم الجهات المعنية.
تجدر الإشارة إلى أن بي بي سي لم تتمكن من التحقق بشكل مستقل من صحة هذه المعلومات.
بحسب تقارير منظمة “سمكس” وعدد من الصحف المحلية، من المتوقع أن تقتصر خدمات “ستارلينك” في المرحلة الأولى على الشركات والمؤسسات الكبرى، وليس الأفراد. وتشير المعلومات إلى أن كلفة الاشتراك الشهري تتراوح بين 42 و56 دولاراً فيما يبلغ اشتراك الشركات 111 دولاراً مقابل سعة تصل إلى 500 غيغابايت، بالإضافة إلى كلفة الجهاز الأساسي التي تتراوح بين 350 و500 دولار.
وتواجه خدمة الإنترنت في لبنان تحديات كبيرة، من أبرزها البطء والتقطّع، خصوصاً خارج المدن الكبرى. وعلى الرغم من ارتفاع كلفة الخدمة، لا يضمن المستخدمون استقراراً أو سرعة تتوافق مع المعايير العالمية. وفي هذا السياق، يرى البعض أن “ستارلينك” قد تسهم في سدّ الفجوة الرقمية، لا سيما في المناطق المحرومة، شرط أن تدرج ضمن خطة وطنية متكاملة.