قليل من الناس يُعير اهتماماً للباركود أو الشِفرة الموجودة على مشترياتهم، لكن هذا لا ينفي أنه منذ ابتكاره قبل 75 عاماً، ساهم في إنقاذ الأرواح، بل وغاص في الفضاء وأثار مخاوف تتعلق بظهور المسيح الدجال.
أشعة الليزر هي كل ما يحتاجه موظفو المتاجر، كما قال بول ماكنرو، الذي صمّم الباركود مع زملائه من شركة “آي بي إم”. ما عليهم سوى استخدام أجهزة المسح الضوئي عند نقاط إتمام عمليات الشراء “الكاشير” بمسدسات صغيرة. عليهم التصويب وإطلاق الأشعة ومن ثم البيع!
في عام 1969، كانت رؤية المستقبل غريبة: أشعة ليزر تقوم بمسح خطوط صغيرة غريبة بالأبيض والأسود على المنتجات.
وقال ماكنرو والحماس يبدو عليه إن هذا من شأنه أن يزيد من سرعة سير طوابير الانتظار في المتاجر الكبرى. وأصبح هذا الحل معروفاً باسم “الباركود”.
قرود لتجارب الليزر
لذا، لجأ ماكنرو إلى قرود الريسوس المستوردة من أفريقيا، التي لا يتذكر عددها الآن، قائلاً “أعتقد أنها كانت ستة. لا أستطيع أن أجزم بذلك”. وبعد أن أثبتت التجارب في مختبر قريب أن التعرض لأشعة بسيطة من الليزر لم تضر أعين الحيوانات، تراجع المحامون عن موقفهم وسلّموا بالأمر.
وفي تطور غير متوقع، أبلغ المختبر الذي استخدمه ماكنرو أنه سيرسل إليه القردة التي استخدمها في التجارب! لقد باتت مشكلته الآن. قال ذلك وهو يتذكر ضاحكاً: “لقد كان الأمر جنونياً. لقد أسّست حديقة حيوانات في ولاية نورث كارولينا”.
يستحق كل عضو في فريق ماكنرو في “آي بي إم” الثناء على ابتكار رمز المنتج العالمي (UPC)، حيث أصبحت نسختهم من الباركود معروفة رسمياً. الشكر موصولٌ بالطبع للقردة أيضاً.
جو وودلاند كان من بين الفريق، وهو المهندس صاحب الفضل في ابتكار مفهوم الباركود قبل عقود من الزمان، عندما رسم بأصابعه رؤيته للباركود خطوطاً على رمال الشاطئ. كان هو ومهندس آخر من تقدموا بطلب الحصول على براءة اختراع للفكرة الأساسية للرموز الشريطية “الباركود” في أكتوبر/تشرين الأول عام 1949.
ومن الأهمية بمكان أن جورج لورير وأعضاء آخرين من فريق “آي بي إم” أخذوا هذا الاقتراح الموجود مسبقاً للرموز على غرار الرموز الشريطية، وطوروها إلى مستطيل أنيق من الخطوط السوداء الرأسية المطابقة لأرقام يمكنها تحديد أي سلعة تتخيلها؛ من علب الحساء إلى معلبات حبوب الإفطار.
تبنت المتاجر رسمياً الرموز الشريطية عام 1973. وجرى مسح أول منتج يحمل “الباركود” في متجر مارش في أوهايو عام 1974. ومن ذاك الحين، غزى “الباركود” العالم.
وسرعان ما تبع ذلك ظهور أنواع أخرى من الباركود التي مهّدت لابتكارها “يو بي سي” UPC، ومنها ما يسمى “الباركود ثنائي الأبعاد” كأكواد الاستجابة السريعة “الكيو آر كود”، التي يمكنها تشفير المزيد من المعلومات.
ومع ذلك، فإن تاريخ هذه العلامات الصغيرة بالأبيض والأسود أكثر غرابة وصعوبة مما قد تتخيله. بل ويمكننا أن نقول إن الأمر بدأ مع وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية.
يشرح ماكنرو قائلاً: “كنت أجري عمليات مسح لصالح وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية. لخرائط كبيرة رائعة”. كانت هذه واحدة من أولى وظائفه في شركة “آي بي إم”، التي تضمنت أجهزة مسح الصور.
كان ماكنرو يعلم أن طوابير الخروج في المتاجر سوف تتحرك بسرعة أكبر إذا كان باستطاعة الموظفين مسح السلع على جهاز كمبيوتر، بدلاً من الاضطرار إلى قراءة الأسعار المختومة على كل عنصر ثم معالجة البيع يدوياً.
وفي سبيل نيل القبول لاستخدام مثل هذا النظام لمسح الرموز، لابد أن يعمل في كل مرة، وأن يقرأ الرمز بشكل صحيح، حتى إذا جرى سحب المنتج عبر الماسح الضوئي بسرعات تصل إلى 100 بوصة في الثانية (2.5 متر/ثانية).
وشرع فريق “آي بي إم” في العمل، مستفيداً من التصميم الذي حصل وودلاند وزميله على براءة اختراعه، لكن مع اختلاف مهم. فقد اعتمد النهج الأصلي على قراءة سُمك الخطوط السوداء. وكان أحد المفاهيم التي اقترحوها في براءة الاختراع رمز شريطي مستدير على شكل عين الثور، يتكون من دوائر متحدة المركز، طورته مجموعة منافسة. ولكن ثبت أن طباعته كانت صعبة، بل ومن الصعب وضعه بدقة على غلاف المنتجات.
وبهذه الطريقة، لم يعد من المهم إن كانت طابعة الملصقات بها الكثير من الحبر أو إن كانت ترسم خطوطاً أسمك من المفترض، فستظل عملية المسح الضوئي تعمل في كل مرة تقريباً.
وعلى الرغم من بيع أول منتج يحمل علامة الباركود في أحد المتاجر الكبرى في الولايات المتحدة في عام 1974، إلا أن الأمر استغرق خمس سنوات أخرى قبل أن تصل الباركودات إلى المتاجر الكبرى البريطانية. ومع وصولها، كان أول مُنتج جرى مسحه هناك هو صندوق من أكياس الشاي.
ويتذكر قائلاً: “لم يفتح متجرنا الأول أبوابه”، فقد كان هناك أناس في الخارج يحتجون على أن الأسعار لن تكون مختومة على كل منتج، بل فقط على الأرفف حيث توضع المنتجات في المتجر.
في نهاية المطاف، بدأت بعض النقابات العمالية في ذلك الوقت تشعر بأن تقنية المسح الضوئي تهدد بعض وظائف المتاجر.
وكانت هناك أيضاً مخاوف من إمكان استخدام الباركود لإخفاء الأسعار.
يتذكر ماكنرو نفسه كيف كان المتسوقون في الماضي يبحثون أحياناً عن سلع قديمة في المتاجر، فلربما لا تزال تحمل ختماً قديماً بسعر أقل. وإذا انتشر استخدام الباركود، فإن فرص البحث عن مثل هذه الأمور ستختفي.
سرعان ما تلاشت هذه المخاوف، لكن الباركود ظل يزعج بعض الناس، وبالنسبة لقلة متعصبة، فهي تمثل لهم الشر بعينه.
نشر جوردان فريث، أستاذ الإعلام في جامعة كليمسون في ساوث كارولينا، في عام 2023، كتاباً عن تاريخ الباركود. وعثر خلال بحثه، على مقالة تعود إلى عام 1975 في مطبوعة تسمى “غوسبيل كول” وتعني “نداء الإنجيل”، تشير إلى أن الباركود يمكن أن يكون “رمز الوحش”، في إشارة إلى نبوءة من سفر الرؤيا في الكتاب المقدس حول نهاية العالم.
ويشير المقطع المذكور في العهد الجديد إلى وحش، يُفسَّر أحياناً على أنه المسيح الدجال، يجبر كل شخص على وضع وسم على يده اليمنى أو جبهته. وفي النبوءة، يُسمح فقط للذين يقبلون مثل هذا الوسم بالشراء أو البيع.
وذكرت المقالة المنشورة عام 1975 أنه في النهاية، سيجرى “وشم الباركود بالليزر” على جبهة الجميع أو ظهر أيديهم، استعداداً للعرض عند نقاط الخروج من المتاجر.
وقد ساهم كتاب صدر عام 1982 بعنوان “نظام النقود الجديد” للكاتبة الإنجيلية ماري ستيوارت ريلف، في ترويج الرابط الافتراضي بين رموز الباركود الموحدة للمنتجات و”رمز الوحش”، بعد أن زعمت أن الرقم 666 “مخفي” داخل الخطوط الموجودة في كل طرف وفي منتصف كل رمز باركود.
في الواقع، تعمل هذه الخطوط، كنقطة مرجعية لمساعدة الماسح الضوئي بالليزر في تحديد بداية ونهاية كل تسلسل من رموز الباركود الموحدة للمنتجات.
وأصر لورير في فريق “آي بي إم”، الذي يُعد أحد المشاركين في اختراع رمز الباركود الموحد للمنتجات، في وقت لاحق على أنه لا يوجد ما هو شرير في هذا، وأن التشابه مع النمط المستخدم في ترميز الرقم ستة كان محض مصادفة.
ومع ذلك، يظل لهذه النظرية الغريبة شعبية بين بعض رواد الإنترنت في زوايا معينة.
ويتخذ البعض خطوات متطرفة لتجنب رموز الباركود، ومنهم أعضاء مجموعة مسيحية روسية أرثوذكسية تُعرف باسم “المؤمنين القدامى”.