لطالما كانت الدورة الشهرية لدى النساء موضوعًا حاضرًا في النقاشات المجتمعية، وكثيرًا ما تعرضت لانتقادات ذكورية بسبب ما يرافقها من تغيرات هرمونية. هذا الأمر يثير في الغالب تنمّرًا ذكوريًا بدلاً من محاولة للفهم.
ولكن هناك فريق من العلماء من يرى أن الرجال أيضًا يمرون بتغيرات هرمونية قد تؤثر على حياتهم اليومية، وإن كانت تختلف جذريًا عن الدورة الشهرية لدى النساء.
فماذا نعرف عن ذلك؟
يلعب هذا الهرمون دورًا أساسيًا في تطوير السمات الجنسية الثانوية، مثل نمو العضلات، وشعر الجسم، وخشونة الصوت لدى الرجال. كما يساهم في الحفاظ على كتلة العظام، والرغبة الجنسية، وإنتاج الحيوانات المنوية.
وعلى الرغم من أن الرجال لا يمرون بدورة شهرية بالمعنى التقليدي، إلا أن بعض الدراسات العلمية تؤكد وجود دورة هرمونية تتمثل في تقلبات مستويات هرمون التستوستيرون بشكل يومي.
وقد أُطلق على هذه الحالة اسم “متلازمة الرجل العصبي”، وهو مصطلح بدأ تداوله والبحث فيه منذ بداية الألفية الثالثة، لكنه حتى اليوم لا يزال غير معترف به من قِبَل منظمة الصحة العالمية.
استنادًا إلى 35 عامًا من الأبحاث السريرية، شملت استجابات ما يقارب 10,000 رجل، عرض الباحث جِد دياموند مفهوم “متلازمة الرجل العصبي”، موضحًا أنها تفسر التغيرات المزاجية التي تطرأ على الرجل طوال الشهر.
وعلى الرغم من الاعتراف بوجود تقلبات هرمونية لدى الرجال، لا يزال مفهوم “متلازمة الرجل العصبي” (IMS) موضوعًا للجدل بين العلماء. إذ يشكك بعض الباحثين في وجود هذه المتلازمة كحالة طبية حقيقية، معتبرين أن الأعراض المرتبطة بها قد تكون نتيجة لعوامل نفسية أو بيئية أخرى، وليس بالضرورة لتقلبات هرمونية.
في المقابل، يرى آخرون أن هذه المتلازمة تعكس تأثيرات حقيقية لانخفاض مستويات هرمون التستوستيرون على الحالة المزاجية والسلوكية للرجال.
ومن المهم التمييز بين الدورات الهرمونية لدى الرجال والنساء. فالدورة الشهرية لدى النساء هي عملية فيزيولوجية منتظمة ومتكررة تحدث كل 28 يومًا تقريبًا، وتلعب دوراً حاسماً في الصحة الإنجابية.
كل مرحلة من مراحل الدورة الشهرية تؤثر بشكل مباشر على إمكانية الحمل والإنجاب، حيث تتضمن تحضير الرحم للإباضة واستقبال البويضة المخصبة.
من المهم التمييز بين الدورات الهرمونية لدى الرجال والنساء. فالدورة الشهرية لدى النساء هي عملية فيزيولوجية منتظمة ومتكررة تحدث كل 28 يومًا تقريبًا، وتلعب دورًا حاسمًا في الصحة الإنجابية.
كل مرحلة من مراحل الدورة الشهرية تؤثر بشكل مباشر على إمكانية الحمل والإنجاب، حيث تتضمن تحضير الرحم للإباضة واستقبال البويضة المخصبة. وبالتالي، فإن انتظام هذه الدورة وصحتها مرتبطان بقدرة المرأة على الإنجاب.
في المقابل، تختلف التغيرات الهرمونية لدى الرجال جذريًا.
هذه التقلبات اليومية لا ترتبط مباشرة بالصحة الإنجابية للرجال، ولا تؤثر على قدرتهم على الإنجاب بالطريقة التي تؤثر بها الدورة الشهرية على النساء.
بمعنى آخر، يمكن القول إنه بينما تلعب الدورة الشهرية لدى النساء دورًا محوريًا في الإنجاب، فإن التغيرات الهرمونية لدى الرجال ليست لها نفس التأثير المباشر.
هذا الاختلاف الجوهري يبرز أهمية فهم السياق البيولوجي لكل جنس، والاعتراف بأن التغيرات الهرمونية لدى الرجال والنساء لها طبيعة وأدوار مختلفة تمامًا.
“التغيرات الهرمونية قد تحدث بشكل يومي، حيث تكون مستويات التستوستيرون عادةً في أعلى مستوياتها في الصباح، ثم تنخفض تدريجيًا مع مرور اليوم”.
ويضيف الدكتور التل أن هذه التقلبات يمكن أن تُستغل لتحسين الأداء الشخصي عبر ما يُعرف علميًا بـ “الاختراق الحيوي”، قائلاً: “إذا فهم الرجل كيف يعمل جسده، يمكنه استغلال ارتفاع الهرمونات لتحقيق أقصى إنتاجية”.
على سبيل المثال، يشير الدكتور إلى أن الأداء الجنسي قد يكون أفضل في الصباح، عندما تكون مستويات التستوستيرون في ذروتها.
ويتابع الدكتور التل: “ما يؤثر بشكل كبير على الرجل أيضًا هو هرمون التوتر المعروف بالكورتيزول. التستوستيرون والكورتيزول يُصنَّعان من الكوليسترول في الجسم. إذا كان الرجل يعيش في دائرة توتر دائمة، ويدخن، ويسهر لساعات متأخرة، فإن معظم الكوليسترول يتحول إلى كورتيزول، ما يؤدي إلى انخفاض التستوستيرون”.
وعلى الرغم من عدم اعتراف غالبية الباحثين بـ”متلازمة الرجل العصبي”، إلا أن البعض يتحدث عن أعراض مرتبطة بالتغيرات الهرمونية لدى الرجال، سواء اليومية أو المرتبطة بالتقدم في العمر. وتشمل هذه الأعراض مجموعة واسعة من الأعراض الجسدية والنفسية، مثل: التقلبات المزاجية، الإرهاق العام، انخفاض الرغبة الجنسية، صعوبة التركيز، والتغيرات الجسدية مثل احتباس الماء أو زيادة طفيفة في الوزن.
“الأندربوز”
أحد أبرز الموضوعات المرتبطة بالدورة الهرمونية لدى الرجال هو ما يسمى بالأندربوز (Andropause)
يُستخدم هذا المصطلح للإشارة إلى مجموعة من الأعراض الجسدية والنفسية التي قد تصيب الرجال في أواخر الأربعينيات أو أوائل الخمسينيات.
وفقًا لموقع نظام الرعاية الصحية الوطني في المملكة المتحدة (NHS)، يشير مصطلح “الأندروبوز” إلى حالة يتم تداولها إعلاميًا بوصفها تغيرًا هرمونيًا مشابهًا لانقطاع الطمث لدى النساء، وهو ما يؤدي إلى مفاهيم خاطئة.
هذا المصطلح يُعتبر مضللًا، حيث يوحي بأن الأعراض التي يعاني منها الرجال في منتصف العمر ناتجة عن انخفاض مفاجئ في هرمون التستوستيرون، بينما الحقيقة ليست كذلك.
على عكس انقطاع الطمث لدى النساء، فإن التغيرات الهرمونية لدى الرجال لا ترتبط بانخفاض مفاجئ في هرمون التستوستيرون، بل يحدث انخفاض تدريجي بمعدل 1% سنويًا بدءًا من سن الثلاثين.
غالبًا ما تكون الأعراض التي يُشار إليها على أنها متعلقة بالأندربوز لدى الرجال، مثل: الاكتئاب، انخفاض الرغبة الجنسية، ضعف الانتصاب، تقلبات المزاج، وفقدان كتلة العضلات، نتيجة لعوامل نفسية مثل التوتر والقلق، أو لأنماط حياة غير صحية تشمل التدخين وسوء التغذية.
وفي بعض الحالات النادرة، قد ترتبط هذه الأعراض باضطراب طبي يُعرف بـ”قصور الغدد التناسلية المتأخر”، حيث ينخفض إنتاج التستوستيرون بشكل ملحوظ.
يعلق الدكتور يمان التل قائلاً: “مع إعطاء الرجل هرمون التستوستيرون (عند الحاجة) عبر المكملات، تتحسن حالته بشكل كبير”.
وأضاف أن السبب الرئيسي لهذه المشاكل يعود إلى نمط الحياة السائد حاليًا: “الوجبات السريعة، الزيوت المهدرجة، السكر والملح العالي، التدخين، والسهر لساعات متأخرة كلها عوامل تُسرّع من تدهور الصحة الهرمونية للرجال”.
وأشار الدكتور إلى أن العديد من الرجال ينتبهون إلى هذه المشكلة بعد بلوغ الأربعينيات، لكن المحاولات الناجحة لتحسين الصحة يجب أن تبدأ في العشرينيات.