عاشت سوريا أسبوعاً دموياً من القتل والانتقامات الطائفية، وُصف بأنه الأسوأ منذ سقوط النظام. لكن وسط هذا الدمار، كان السوريون يواجهون معركة إضافية من نوع آخر – معركة الشائعات والأخبار المضللة على منصات التواصل الاجتماعي.
إذ وجد سوريون أنفسهم ضحايا لتيار هائل من الصور المفبركة، والفيديوهات القديمة التي أُعيد نشرها وكأنها توثق أحداثاً تجري الآن. حتى أن بعض الأشخاص شاهدوا صورهم تُتداول مرفقة بعبارات نعي، معلنين وفاتهم وهم لا يزالون على قيد الحياة، فكيف تحولت مأساة الساحل السوري إلى أداة تضليل إعلامي؟
منصات سورية في مواجهة سيل التضليل
مع بدء الأحداث الدامية في الساحل السوري، وجد سوريون كثر أنفسهم في حالة ارتباك وضياع، غير قادرين على الوصول إلى معلومات دقيقة وموثوقة. الروايات كانت تتغير بالكامل بحسب هوية من ينقل الخبر: فهناك من أصرّ على أن مرتكبي مجازر الساحل هم فصائل تابعة للحكومة الجديدة، بينما ألقى آخرون باللوم الكامل على فلول نظام الأسد. وبين هذا وذاك، سيطر الانحياز واللغة التحريضية على المشهد الإعلامي.
“ما زلت على قيد الحياة!”
ليث عبيدو، صحفي من إدلب، وجد نفسه فجأة بين “ضحايا” الحرب. وفي حديث مع بي بي سي، قال ليث إنه كان يتصفح المجموعات الإعلامية التي يتابعها كجزء من عمله، ليصدم بصورة له منشورة في قناة على منصة “تلغرام” تحمل اسماً وصفه بالـ “طائفي”، ويتابعها أكثر من 15 ألف شخص. وتحت صورته كُتب: “مقتل الشاب ليث من قرية السلمية بسبب رفضه السماح للمسلحين بدخول منزله”.
ويقول ليث: “أنا أصلاً لست من السلمية، أنا من إدلب، الصورة صورتي، والاسم اسمي، لكن كل شيء حولها كان خاطئاً”، ويرى ليث أن الهدف من ضخ الأخبار الكاذبة هو بشكل رئيسي “محاولة للتأثير في الرأي العام وإثارة الكراهية الطائفية، كانوا يريدون نشر الرعب، وتقديم الثورة وكأنها حملة انتقامية ضد فئات معينة”.
ليث حاول الوصول إلى القناة للرد أو التصحيح، لكنه اصطدم بجدار الصمت، “قنوات تلغرام مغلقة، لا مجال للتواصل معها، فقط ماكينة نشر دون مسؤولية”، يقول ليث.
ويضيف أنه رأى لاحقاً نفس الصورة منشورة على فيسبوك، فقرر حينها مواجهة الأكذوبة بسخرية، وكتب تعليقاً ساخراً تحت صورته: “الله يرحمه”. ويقول:”المدهش أن أحدا لم ينتبه أن صاحب التعليق هو نفسه أنا “الميّت” في الصورة”، وبرأيه كان ذلك “أكبر دليل على انتشار الأكاذيب دون أن يسأل أحد عن مصدرها أو يدقق في صحتها”.
الصور المضللة لم تقتصر على ليث، بل تعرض كثيرون من جنسيات متعددة لمواقف مشابهة، خاصة على منصة إكس (تويتر سابقا)، ومنهم سحر، التي هددت باتخاذ إجراءات قانونية ضد كل من يعيد نشر صورتها، وقالت عبر حسابها:
“أنا سحر شبعى، مواطنة أمريكية مقيمة في ولاية نيفادا. أحذر رسمياً، وبموجب القانون الأمريكي، من نشر معلومات زائفة عني أو استخدام صورتي دون إذن. وأطالب بحذف هذه المنشورات فوراً، وإلا فسوف أتابع المسؤولين قانونياً”.
اليمين الأمريكي ورواية “المجازر ضد المسيحيين”
وفي خضم الفوضى الدامية التي اجتاحت الساحل السوري، لم تبقَ ساحة التضليل محصورة داخل حدود البلاد، بل سرعان ما عبرت إلى الخارج، لتجد طريقها إلى مؤثرين عالميين أعادوا صياغة المأساة وفق رواياتهم الخاصة.
الإعلامي الأمريكي تاكر كارلسون بدوره قدم القصة على أنها حملة إبادة ضد المسيحيين، مخاطباً أكثر من 15 مليون متابع.
وفي الوقت نفسه، حاولت الكنائس السورية بث رسائل التهدئة، ونشر بيانات تدعو إلى الوحدة والمصالحة الوطنية، رافضة “أي محاولات لتحويل الأزمة إلى نزاع ديني أو طائفي”.
تحتوي هذه الصفحة على محتوى من موقع Facebook. موافقتكم مطلوبة قبل عرض أي مواد لأنها قد تتضمن ملفات ارتباط (كوكيز) وغيرها من الأدوات التقنية. قد تفضلون الاطلاع على سياسة ملفات الارتباط الخاصة بموقع Facebook وسياسة الخصوصية قبل الموافقة. لعرض المحتوى، اختر “موافقة وإكمال”
تحذير: بي بي سي غير مسؤولة عن محتوى المواقع الخارجية
نهاية Facebook مشاركة
المحتوى غير متاح
Facebook اطلع على المزيد فيبي بي سي ليست مسؤولة عن محتوى المواقع الخارجية.
وفي محاولة لنشر روايات دقيقة، أطلق ناشطون وسم FactCheckSyria#، الذي أصبح مساحة يتجمع فيها الناس للرد على التغريدات الأكثر انتشاراً والتي تروّج لمعلومات خاطئة، في محاولة جماعية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من المصداقية.
أما منصة “تأكد” التي بدأت بجهود بسيطة في حلب، قأصبحت اليوم شريكاً موثوقاً لمنصة “ميتا” في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ومن خلال هذه الشراكة، يعتمد موقعي “فيسبوك” و”إنستغرام” بشكل مباشر على منصات كهذه في عمليات التحقق من الأخبار المتداولة، حيث يتم إنشاء رابط مباشر بين المحتوى المشكوك فيه وبين فرق التحقق المحلية، ويتم مراجعة الأخبار وتحليلها، ثم تزوّد الشركة بنتائج موثقة تظهر لاحقاً للمستخدمين عبر إشعارات توضّح صحة الخبر.
ويصف أحمد بريمو، مؤسس “تأكد”، المشهد بقوله: “اليوم قوام أي كارثة هو المعلومات المضللة. التحريض على العنف لا يمكن أن يحصل من دون روايات كاذبة، وخطاب الكراهية بدوره يستند دائماً إلى أكاذيب وتلاعب بالحقائق. هذه الأخبار الزائفة قد تبدو مجرد منشور عابر، لكنها قد تتحول إلى شرارة تبيح دماء الناس، خاصة في بلد السلم الأهلي فيه هش، كما هو الحال في سوريا”.