المهاتما غاندي: قصة الرجل الذي قال “إن العين بالعين لا تؤدي إلا إلى جعل العالم كله أعمى”

في مساء يوم 30 يناير/كانون الثاني 1948، أطلق ناثورام فيناياك غودسي ثلاث رصاصات من مسافة قريبة على موهانداس كارامشاند غاندي وأرداه قتيلاً، بينما كان الزعيم الذي يوصف بالأب الروحي للهند، خارجاً من الصلاة في العاصمة نيودلهي.

وكان غودسي، الهندوسي المتعصب البالغ من العمر 38 عاماً، والعضو في منظمة هندو ماهاسابها الهندوسية، وهي حزب يميني قومي هندوسي متعصب، قد اتهم غاندي بخيانة الهندوس بسبب احترامه حقوق الأقلية المسلمة وموقفه التصالحي تجاه باكستان، حتى أنه ألقى باللوم على غاندي في المواجهات الدامية التي ترافقت مع تقسيم الهند وإنشاء دولتي الهند وباكستان المنفصلتين بعد الاستقلال عن بريطانيا عام 1947.

وهكذا، ذهب الرجل الذي كرس حياته للمقاومة السلمية ورفض العنف، ضحية للعنف. وكان غاندي يقول: “إن العين بالعين لن تؤدي إلاّ إلى جعل العالم كله أعمى”، ورغم سجنه عدة مرات بين عامي 1922 و1942، تمسك بمبدأ “عدم إلحاق الأذى” الذي جعله أداة لمحاربة الحكم الاستعماري البريطاني، والشرور الاجتماعية مثل التمييز العنصري، ومن بين الأساليب التي استخدمها في المقاومة; المظاهرات السلمية، والإضراب عن الطعام، والعصيان المدني، فما هي قصة المهاتما غاندي؟

تزوج غاندي في سن الـ 13 عاماً من كاستوربا، وهي فتاة هندية كانت تبلغ من العمر 14 عاماً.

وكتب لاحقاً: “وقعت بين فكّي الخطيئة، لكن الله برحمته الواسعة حماني من نفسي”.

وعلى الرغم من ذلك كان غاندي مهتماً بإصلاح نفسه، وكان يحاول التوبة بعد كل فعل مارسه في “الرذيلة”.

وعندما كان والده على فراش الموت، غادرغاندي لممارسة الجنس مع زوجته وغاب عن لحظة وفاة والده.

وكتب غاندي في سيرته الذاتية عن مدى شعوره بالذنب بسبب هذا التصرف: “شعرت بالخجل الشديد والبؤس، ركضت إلى غرفة والدي، ولولا الشهوة الحيوانية التي أعمتني، لكان (والدي) قد مات بين ذراعي”.

في عام 1887، نجح بصعوبة في اجتياز امتحان القبول في جامعة بومباي (جامعة مومباي حاليًا)، وفي الوقت نفسه، كانت أسرته تناقش مستقبله حيث أرادت أن يحافظ على التقليد العائلي المتمثل في تولي منصب رفيع المستوى في إحدى الولايات، لذلك كان يتعين عليه أن يكون محامياً، وهذا يعني التوجه لإنجلترا للدراسة.

وقد سارع غاندي، الذي لم يكن سعيداً في جامعة بومباي، إلى التعلق بفكرة السفر حيث تصور خياله في شبابه إنجلترا باعتبارها “أرض الفلاسفة والشعراء، ومركز الحضارة”.

كان والده قد ترك للأسرة ممتلكات قليلة، فضلاً عن ذلك، كانت والدته مترددة في تعريض أصغر أبنائها لإغراءات ومخاطر مجهولة في أرض بعيدة، لكنه كان عازماً على زيارة إنجلترا، وقد قام أحد إخوته بجمع المال اللازم، وتبددت شكوك والدته عندما تعهد لها أنه أثناء غيابه عن الوطن لن يلمس الخمر أو النساء أو اللحوم.

نذر العزوبية

التقى غاندي، عندما كان طالباً يدرس القانون في لندن، أعضاء الجمعية الثيوصوفية، الذين شجعوه على التعمق في قراءة النصوص الهندوسية، لاسيما البهاغافاد غيتا، حيث وصف فيما بعد النص الهندي القديم بأنه راحة له.

ونما تقديره للهندوسية، وبدأ يتعمق أيضاً في الديانات الأخرى، متأثراً بشكل خاص بموعظة يسوع المسيح على الجبل، كما تأثر كثيراً بالكاتب ليو تولستوي.

وساعدته هذه التجارب على العودة إلى المبادئ الهندوسية التقليدية التي عرفها في طفولته، مثل تناول الطعام النباتي، والامتناع عن تناول الكحول، وعدم ممارسة الجنس.

وفي تجربة مثيرة للجدل، طلب غاندي من ابنة أخته مانو ونساء أخريات الانضمام إليه في السرير وهو ينام عارياً “لاختبار، انتصاره على الرغبة الجنسية”، على حد تعبيره في سيرته الذاتية.

وعلى الرغم من عدم وجود ما يشير إلى أنه مارس الجنس مع أي منهن، استمرت التجربة بالكاد أسبوعين، وأثارت انتقادات واسعة النطاق.

مكافحة التمييز في جنوب أفريقيا

كانت المفاجآت المؤلمة في انتظار غاندي عندما عاد إلى الهند في يوليو/تموز 1891. فقد توفيت والدته في غيابه، واكتشف لدهشته أن شهادة المحاماة لم تكن ضماناً لمهنة مربحة، كما خسر قضيته الأولى، وطُرد من مكتب مسؤول بريطاني.

وقَبِلَ غاندي، بعد أن تعرض للإذلال، وظيفة في جنوب أفريقيا التي أبحر إليها في أبريل/نيسان 1893، ليقضي فيها 21 عاماً.

وأثناء سفره في جنوب أفريقيا، طُرد من عربة قطار الدرجة الأولى بسبب لون بشرته.

ولم يكن غاندي، حتى سن الثامنة عشرة، يقرأ الصحف قط. ولم يُبد أيّ اهتمام بالسياسة سواء عندما كان طالباً في إنجلترا أو عندما كان محامياً مبتدئاً في الهند بل كان يصاب برعب شديد من الوقوف على خشبة المسرح كلما وقف ليلقي خطاباً في تجمع أو ليدافع عن موكله في المحكمة. ومع ذلك، في يوليو/تموز 1894، عندما كان في الخامسة والعشرين من عمره، أصبح ناشطاً سياسياً ليتصدى لسوء معاملة المهاجرين الهنود في جنوب أفريقيا.

وأنشأ غاندي الكونغرس الهندي في ناتال في جنوب أفريقيا لمحاربة التمييز وتطوير فكرة التطهير الذاتي والاحتجاج المدني اللاعنفي، وصاغ عرائض إلى الهيئة التشريعية في ناتال والحكومة البريطانية، ونجح في الحصول على توقيع مئات من المهاجرين الهنود عليها.

ثم أُلقي القبض عليه بسبب تنظيم إضراب ومسيرة للاحتجاج على فرض ضريبة على المنحدرين من أصول هندية، بيد أن البريطانيين اضطروا إلى إسقاط الضريبة والإفراج عن غاندي.

اتهام بالتحريض وإثارة الفتنة

قرر غاندي مغادرة جنوب أفريقيا في صيف عام 1914، قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى مباشرة. فذهب هو وعائلته أولاً إلى لندن، حيث مكثوا هناك لعدة أشهر. وأخيراً، غادروا إنجلترا في ديسمبر/ كانون الأول، ووصلوا إلى بومباي في أوائل يناير/كانون الثاني 1915.

وبعد العودة إلى الهند، بدأ في حملته من أجل استقلال بلاده في أعقاب مذبحة مدينة أمريستار السيخية المقدسة، عندما أطلق البريطانيون النار على تظاهرة، مما أسفر عن مقتل نحو 400 شخص وإصابة 1300 آخرين.

ورداً على ذلك، اعتقل البريطانيون غاندي بتهمة التحريض وإثارة الفتنة وسجنوه لعامين.

وطبّق البريطانيون قانون مكافحة التحريض المثير للجدل، الذي يعود إلى سبعينيات القرن التاسع عشر، للرد على الحركات المناهضة للاستعمار.

وقال غاندي جملته الشهيرة إن القانون “صُمم لقمع حرية المواطن”، ولا يزال القانون معمولاً به في قانون العقوبات الهندي وتستخدمه الحكومات المتعاقبة ضد طلاب وصحفيين ومثقفين ونشطاء اجتماعيين ومعارضين للحكومة.

فشل المحادثات

سافر غاندي إلى العاصمة البريطانية لندن في عام 1931 لحضور مؤتمر الطاولة المستديرة كممثل وحيد للمؤتمر الوطني الهندي. وقدم صورة قوية وهو يرتدي ملابسه الهندية التقليدية، وفشل المؤتمر بالنسبة لغاندي، الذي كان يبلغ من العمر في ذلك الوقت 62 عاماً.

 

المصدر: BBC