حرب غزة: قصة الطفلة جوليا التي التقطتها عيون الكاميرا بين حشد من المحتجزين الغزيين في نقطة تفتيش إسرائيلية

يصعب رؤيتها وسط هذا الحشد من الرجال؛ إنها تلك الطفلة الصغيرة في خلفية الصورة.

كان الجنود الإسرائيليون قد أصدروا أوامرهم للرجال الذين احتجزوهم بخلع ملابسهم باستثناء الملابس الداخلية. الأوامر لم تستثن حتى كبار السن.

عيون المحتجَزين كانت تتطلع إلى مَن يقوم بتصويرهم، ولابد أنه كان جنديا إسرائيليا.

ظهرت هذه الصورة لأول مرة على حساب عبر منصة تليغرام لصحفيّ لديه مصادر موثوقة داخل الجيش الإسرائيلي.

هذا الأسبوع، قَتل فيه الجنود الإسرائيليون مئات الغزيين وأصابوا مئات آخرين، وشرّدوا الآلاف من ديارهم.

في هذا الأسبوع، دُفن أطفال غزيون تحت أنقاض بيوتهم التي قصفتها الطائرات الإسرائيلية. أو ربما قُتل هؤلاء الأطفال لأنه لم يكن هناك دواء أو أطباء يعالجونهم من إصابات الحرب.

ولا تسمح إسرائيل سواء لبي بي سي أو غيرها من المحطات الإعلامية بالدخول إلى غزة لعمل تقارير إعلامية مستقلة، ولذلك تعتمد بي بي سي على شبكة موثوقة من الصحفيين المستقلين.

وبالفعل، تواصل زملاؤنا في برنامج غزة اليوم مع وكالات إغاثية في شمال قطاع غزة، واعتمدوا على الصورة للاستدلال على مكان التقاطها ومن ثم الاستدلال على المحتجزين.

وفي غضون 48 ساعة، تم التقاط الخيط الأول، عبر رسالة على الهاتف تقول: “لقد وجدنا البنت!”.

جوليا أبو وردة، تبلغ من العمر ثلاث سنوات، ولا تزال على قيد الحياة.

كانت جوليا تشاهد فيلم كارتون لدجاجات تغنّي. وكان السماعُ صعباً بسبب أزيز الطائرات المسيرة الإسرائيلية التي تحوّم فوق الرؤوس.

اندهشت جوليا عندما اكتشفت أنها أصابت اهتمام شخص غريب.

“مَن أنتِ؟” سألها أبوها مداعباً.

“جوليااااا”، هكذا أجابت البنت أباها، بمدّ الألِف على سبيل التأكيد.

لكن تعابير عينيها بات يسكُنها الحذر.

ثم بدأ محمد، والد جوليا، يسرد قصة الصورة، قائلا: “لقد نزحنا خمس مرّات في غضون 21 يوما. في كل مرّة كنا نهرول هرباً من الموت بنيران الغارات والمدافع الإسرائيلية.

وفي يوم التقاط الصورة، سمعنا صوتاً مصدره طائرة مسيّرة إسرائيلية يحذّرنا بضرورة إخلاء أماكننا.

“كان هناك قصف عشوائي. اتجهنا إلى قلب مخيم جباليا للاجئين، على طريق مؤديّة إلى نقطة تفتيش”.

“كنّا نحمل معنا ملابسنا، وبعض المُعلّبات الغذائية، وما تيسّر من مقتنياتنا الشخصية.

وفي البداية كان أفراد عائلتنا يتحركون معا جنبا إلى جنب، أنا ووالدة جوليا آمال، وابننا حمزة الذي لم يتجاوز عمره 15 شهرا، ووالدي واثنان من أعمامي، فضلاً عن أحد أبناء عمومتي.

“كانت رائحة الموت تفوح من كل شيء في الشوارع … الدمار والجُثث ملقاة في على الأرض”.

“لم يكن هناك مجال للحيلولة دون أن ترى جوليا بعضاً من هذه المناظر”.

وبعد مرور أكثر من سنة كاملة على الحرب في غزة، أصبح الأطفال معتادين على رؤية الجثث.

وها قد وصلت عائلة جوليا إلى نقطة تفتيش إسرائيلية.

يتابع والد جوليا قائلا: “كان هناك جنود يركبون المدرّعات، وجنود آخرون يسيرون على الأرض، وقد اقترب هؤلاء الجنود الإسرائيليون من الناس وبدأوا في إطلاق النار فوق الرؤوس. وتحت القصف، كان هؤلاء الناس يتدافعون فيما بينهم بحثا عن ملاذ من الموت”.

وصدرت أوامر الجنود الإسرائيليين للرجال بخلع ملابسهم باستثناء الملابس الداخلية. وهذا إجراء روتيني ينتهجه الجيش الإسرائيلي بحثاً عن أسلحة أو أحزمة انتحارية.

لحظة التقاط الصورة، كانت جوليا تبدو هادئة. لكن هذا الهدوء لم يستمر بعدها بعد ذلك، كما يقول والدها.

“بدأت في الصراخ تريد والدتها”.

ثم التأم شمل العائلة مجددا، وتمّ حشد هؤلاء النازحين في مكان ضيق. وفي ظل أواصر العائلة القوية، سرعان ما انتشر الخبر في مدينة غزة أنّ أقارب من جباليا قد وصلوا. ووجدت جوليا أناساً يحبونها … وكانت هناك الحلوى ورقائق البطاطس، وغيرها مما كان مُخبّأً في مكان بعيد.

ثم بدأ الوالد يقصّ على صحفي البي بي سي، معاناة ابنته جوليا من آثار صدمة عميقة، تعرضّت لها الطفلة قبل النزوح من جباليا إلى مدينة غزة.

يضيف والد جوليا: “منذ ذلك اليوم، كلّما سمعتْ جوليا دويّ قصف، تشيرُ بيديها الصغيرتين وتقول: ‘’طائرة!’’، وعندما كنا محاصَرين وفي لحظة التقاط الصورة كانت عينَا جوليا مُثبّتة على طائرة مسيّرة تحوم في المكان”.

تقول منظمة الأمم المتحدة للطفولة، اليونيسيف، إن نحو 14 ألف طفل غزاويّ قد قُتل في هذه الحرب.

جوناثان كريكس، المتحدث باسم المنظمة، يقول: “الأطفال في كل يوم يدفعون ثمن حرب لم يشعلوا نيرانها”.

ويضيف كريكس: “معظم الأطفال الذين قابلتهم قد فقدوا عزيزا لديهم في ظروف مرعبة”.

وتقول الأمم المتحدة إن كل أطفال غزة تقريبا -حوالي مليون طفل- يحتاجون إلى دعم نفسي.

 

المصدر: BBC
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments