ختان الذكور: شهادات رجال عن أثره النفسي وجدل وجوبه من عدمه

“مجرد اقتراح إعادة التفكير في موضوع ختان الذكور يعد انتحاراً اجتماعياً، قد يؤدي إلى تكفيرك”. هكذا يخبرنا أحد الأطباء في صعيد مصر ويدعى الدكتور أحمد.

“ما زلنا نُحارِب لمنع ممارسات يجرّمها القانون، كختان الإناث الذي حرّمه كثير من العلماء. فكيف بالحديث عن إعادة النظر في أمر يراه البعض سنة محببة ويتمسك به آخرون لاعتقاد خاطئ بأنه فريضة؟”، يضيف أحمد.

منذ قرون وفي ديانات وثقافات مختلفة، يُمارس ختان الذكور كعبادة أو طقس للدخول في “عالم الرجولة” عند بعض القبائل الأفريقية جنوب الصحراء ولدى مجموعات عرقية أخرى حول العالم. كما يُمارس كإجراء صحي لتقليل احتمالات الإصابة ببعض الأمراض المرتبطة بالقضيب.

ويمارسه بعضهم أيضاً ببساطة للتماهي مع المجموعة المحيطة.

وامتد التقليد إلى المسيحية، حسب العهد القديم. إذ يحتفل طيف من المسيحيين في عيد الختان بـ”طهارة” المسيح ثمانية أيام بعد ولادته. ولم يعد الختان فرضاً على المسيحيين في العهد الجديد، لكن الكنيسة لا تعارضه.

“لن أسمح لأحد بالتدخل في شأن خاص بابني”

ما فعله محمد ليس بالأمر السهل بالنسبة لكثيرين في مجتمعنا.

كانت تجربة عبد الله، البالغ من العمر 35 عاماً، مع الختان في سن الخامسة مؤلمة. وهو اليوم “سعيد جداً لأنه لم ينجب أولاداً”، كما قال لبي بي سي. فقد كان الأمر سيسبب أزمة عائلية لأن مجرد الحديث مع زوجته عن رفضه ختان الذكور يقابل بسخرية واستنكار منها.

“الخديعة والألم هما ما علق في ذاكرتي”

طارق، البالغ من العمر الآن 48 عاما، ليس متأكداً في أي سن بالتحديد ختن، لكنه يتذكر أنه كان تلميذا في السنوات الأولى من المرحلة الابتدائية حينها وكان واعياً لما حدث. يقول طارق إن “ذكرى الألم طغت على باقي التفاصيل”.

على غير العادة وقتها، تأخر ختان طارق، ويبدو أن والده لم يرد له ختاناً، فظل يماطل لكنه استسلم في النهاية، أو على الأقل هكذا يفسر طارق تأخير ختانه.

لم يكن طارق الصغير يعلم يومها أن الطبيب الذي تعود أن يعالجه من أعراض البرد وآلام الحلق سيسبب له هذه المرة ألماً سيرافقه لأسابيع. يرجح طارق أن يكون الألم ناتجًا عن مضاعفات تبعت الختان، لكنه لا يستطيع الجزم بذلك.

“اختلط الألم بالصدمة” يقول طارق الذي لم يفهم وقتها لماذا اقتطعوا جزءا من جسمه. لم يعرف غير ما قاله سائق العائلة له، أن “ذلك سيسهّل عليه الحفاظ على نظافة ذلك الجزء من جسمه”.

كان حديث طارق معي عن تجربة ختانه وتبعاته الجسدية والنفسية عليه أقرب للتفكير بصوت عال.

في بعض المجتمعات، يصاحب الختان حفلات وذبائح وموائد قد تكون مكلفة، مما يدفع بعض العائلات إلى تأجيله حتى توفر المال. بينما تفضل عائلات أخرى تنظيم حفلة لعدة أطفال في نفس الوقت، مما يؤدي إلى تأخر بعضهم في إتمام الختان. لذا، فإن ما يرتبط بالختان من ألم ومشاعر يظل عالقًا في ذاكرتهم.

في تركيا، ينصح بتجنب الختان بين سن الثانية والسادسة

في تركيا، يُحتفى بالختان كحدث مميز وهام، ويعد إلى جانب صبغته الدينية، عبوراً إلى مرحلة الرجولة. وينصح بالختان في تركيا قبل سن الثانية أو بين السادسة والعاشرة وبتجنبه بين سن الثانية والسادسة، لما قد يسببه من صدمة نفسية أو اضطراب لدى الأطفال.

ويقول ديمير، التركي البالغ من العمر 38 عاماً، لبي بي سي إنه ختن عندما في الصف الأول الابتدائي.

“في ثقافتنا، وبسبب الطريقة التي يتم بها تخويف الأطفال تخلق عملية الختان جواً من الذعر لديهم. لو شُرحت فوائد الختان وتأثيراته المستقبلية للأطفال، لما تأثروا نفسياً بهذا الشكل.” يقول ديمير الذي سيطرت على ذكرياته مع الختان صور الاحتفال. “لم أشعر بالكثير أثناء العملية. بعد ذلك، كنت أرتدي لباساً يشبه الفستان وأتنقل بينما أمسك به من الأمام. لكن أجمل ما في الأمر كان الحلويات والهدايا والنقود والذهب التي حصلت عليها بعد الختان.” يقول ديمير.

ومع ذلك يفضل ديمير أن يترك الخيار للأفراد بشأن ختانهم من عدمه بما أنه ليس فرضاً.

تقول الدكتورة جيدا الحكيم، وهي دكتورة معالجة نفسية وتدرس في جامعة سانت جورج، جامعة لندن، لبي بي سي إنه “من منظور نفسي ينبغي أن يتم أي تدخل جراحي لغير الضرورة الطبية بموافقه الشخص المعني. وإن للختان الذي يجري في مرحلة الطفولة المتأخرة أو مرحلة البلوغ تأثيراً نفسياً أكبر نظراً لإحساس الأفراد في هذه المرحلة باستقلالية أجسادهم، مما قد يجعلهم يشعرون بالضيق خاصه إذا تم الإجراء بدون موافقتهم”.

خُتن سالم في سن صغيرة جداً، حتى أنه لا يذكر شيئاً من تجربته، لكنه غاضب من أهله ومصمم على أن لا أن يجري ختاناً لولده، إن أنجب.

“لست أدري ما إذا كان صواباً أم لا لكن أريد أن تترك لي حرية القرار في جسدي”، هكذا اختصر سالم رأيه في الختان: “إنه جسدي الذي خلقت فيه ولا يحق لأحد أن يأخذ منه جزءاً من دون إذني ما لم تكن هنالك ضرورة طبية أو خطر على حياتي لا يمكن منعه إلا بالختان”.

“لا أريد أن يكون ابني مختلفا عن باقي الأولاد في محيطه”

أغلب المتمسكين بالختان في مجتمعنا يؤمنون بضرورته الدينية أو كـ”طهارة” للجسد و”تقليل لخطر تلوث أو تعفن منطقة حساسة كالعضو الذكري الذي يستوجب عناية وتنظيفاً خاصاً”.

وقد تحدثت إلى رجال عرب من خلفية مسلمة يعيشون في دول غربية ذات أغلبية غير مختونة، ليسوا متدينين لكنهم يختنون أولادهم لأنهم يرون في ذلك ارتباطاً وتمسكاً ولو رمزياً بأصولهم وثقافات آبائهم الأصلية، بغض النظر عن اختلاف الأولاد عن محيطهم المباشر.

وتقول الدكتورة جيدا الحكيم إن “في الثقافات التي يعتبر فيها الختان المعيار قد يشعر الأفراد غير المختونين بالعزلة أو الوصمة. كما قد يتساءل الأفراد المختونون في مجتمعات لا تمارس الختان بشكل شائع عن سلامة جسدهم وحقوقهم في اتخاذ قراراتهم الجسدية”.

نور، المسيحي المصري، له تجربة فريدة في هذا الأمر. يقول إنه من المفترض أنه مختون كباقي إخوته لكنه لسبب لا يعلمه مازال عضوه الذكري يحتفظ بالقلفة كأنما لم يختن. ويعتبر نور نفسه محظوظاً بما حدث له.

فهو رافض تماماً لعملية الختان، ويعتقد أن علاقاته الجنسية أفضل من أصدقائه المختونين، حسب ما يدور بينهم من نقاشات.

في السبعينات من القرن الماضي، ختن الدكتور أحمد، في صعيد مصر مع مجموعة من الذكور في عائلته الموسعة. لم يكن قد بلغ السنتين لكنه يعرف كيف تحدث عملية الختان هناك.

“يُمَدَّد الأطفال على دكة بجانب بعضهم ويمر “حلاق الصحة” بموسه على أعضائهم، يقطع منها بدون تخدير. لم يكن هناك تعقيم، نفس المشرط يمرر على المجموعة. لك أن تتخيلي ما قد ينتج عن ذلك”، يقول أحمد الذي يذكر أن الختان بهذه الطريقة استمر حتى التسعينات في قريته عندما بدأ الأهل يلجأون إلى أطباء أو جراحين لإجرائه.

في عصرنا هذا يشجع المختصون على إجراء عمليات الختان لدى أطباء جراحين مختصين وفي سن مبكرة.

وقد يستسهل البعض عملية الختان لانتشارها والتعود على إجرائها منذ قرون فيكتفون بإسناد المهمة لطبيب قد لا يكون جراحاً مختصاً.

ولا ينكر الأطباء احتمال حدوث مضاعفات صحية لعملية الختان كالنزيف والعدوى والأخطاء الجراحية.

ومازالت عمليات الختان الجماعية التي يستفيد منها في الغالب أفراد الطبقات الاجتماعية الضعيفة عادة متبعة في كثير من الأوساط، تنظمها جمعيات خيرية في أغلب الأحيان. لكن الأمور لا تسير فيها دائما كما يتوقع.

 

المصدر: BBC
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments