سلطان باشا الأطرش: قائد الثورة السورية الكبرى ورمز الكفاح ضد الاستعمار

مع تدهور الوضع في السويداء، وهي المنطقة التي يتركز فيها الدروز بجنوب سوريا، بعد التصعيد بين قوات الحكومة السورية وعشائر بدوية من جهة وعناصر درزية من جهة أخرى، برز اسم سلطان باشا الأطرش على الساحة من جديد، فقد خرج من كتب التاريخ ليذكر الجميع بالدور الذي لعبه في تاريخ سوريا.

وتقول دائرة المعارف البريطانية إن الزعيم الدرزي سلطان الأطرش قاد في عام 1925 ثورةً ضد الحكم الفرنسي، وبعد نجاحها المحلي، انضم إليها قوميون سوريون من خارج الطائفة الدرزية، فانتشرت الثورة في جميع أنحاء المنطقة وصولاً إلى دمشق قبل إخمادها عام 1927، ويعتبر السوريون هذه الثورة أول انتفاضة وطنية في تاريخ البلاد.

وسرعان ما انتهت المملكة السورية في 24 يوليو/ تموز من عام 1920، ففي ذلك اليوم وقعت معركة ميسلون بين الجيش العربي بقيادة يوسف العظمة، وزير الدفاع، والقوات الفرنسية. وكان سلطان الأطرش قد جهز قوات لنجدة العظمة، لكنه وصل بعد هزيمة الجيش العربي ومقتل العظمة.

عمل الانتداب الفرنسي على تقسيم سوريا لدويلات على أساس طائفي عام 1921 ، وتوصل الفرنسيون لمعاهدة مع زعماء الدروز قضت بإنشاء وحدة إدارية مستقلة خاصة للجبل، مقابل اعتراف الدروز بالانتداب الفرنسي، وعُيِّن سليم الأطرش حاكماً للجبل بموجب هذا الاتفاق.

وفي عام 1922، تصاعدت التوترات مع الفرنسيين بعد اعتقالهم للمقاوم اللبناني أدهم خنجر، الذي أراد أن يحتمي بدار سلطان الأطرش، فقاد سلطان معركة تل الحديد ضد القوات الفرنسية، محققاً انتصاراً وآسراً جنوداً فرنسيين، وقد وافق الفرنسيون على إطلاق سراح خنجر مقابل الأسرى، لكنهم أعدموه لاحقاً ودمروا منزل سلطان في القريا.

ورداً على ذلك، قاد الأطرش حرب عصابات ضد الفرنسيين، فكانت هذه انتفاضته الأولى التي دامت 9 أشهر خلال عام 1922 وذلك رفضاً للاستعمار وتكريساً لتقاليد العرب في حماية الضيف، فحكم عليه الفرنسيون بالإعدام، فلجأ إلى الأردن. ولما عجز الفرنسيون عن القبض عليه، أصدروا عفواً عنه وعن جماعته، فعاد إلى السويداء في 5 أبريل/ نيسان من عام 1923 حيث استُقبِلَ استقبالاً شعبياً كبيراً، وذلك بحسب مقال حفيدته ريم منصور المنشور في موقع مؤسسة الدراسات العلمية.

ولكن لم تهدأ الأوضاع بعد عودته، فبعد وفاة سليم الأطرش مسموماً في دمشق عام 1924، خالف الفرنسيون اتفاقهم السابق بتعيين درزي حاكماً للجبل، وعيّنوا الكابتن كاربييه حاكماً للجبل، الذي مارس سياسة قمعية ضد الأهالي. وفي كتاب “مذكرات الكابتن كاربييه في جبل العرب” يصف كاربييه سلطان باشا بأنه الرجل الوحيد القادر إما على تهدئة جبل العرب أو إشعاله، مشيراً إلى أن الفرنسيين اعتبروا جبل الدروز المكان الوحيد في سوريا الذي قد يفتح لهم أزمة حقيقية

الثورة السورية الكبرى

وكان الدروز قد قدموا وثيقة في 6 يونيو/ حزيران من عام 1925 يطالبون فيها بتعيين حاكم درزي، لكن المفوض الفرنسي ساراي طرد الوفد، مما أشعل الثورة.

وفي 23 يوليو/ تموز من عام 1925 انتصر الثوار بقيادة سلطان باشا على الفرنسيين في معركة الكفر. وحول هذه المعركة، قال فلاديمير لوتسكي في كتابه “الحرب الوطنية التحررية في سوريا 1925-1927”: “في معركة الكفر قاد سلطان باشا الأطرش هجوماً خاطفاً ضد الحملة الفرنسية بقيادة الكابتن نورمان، ورغم التفوق العددي الفرنسي، نجح الأطرش وثواره، وعددهم لا يتجاوز 200، في إلحاق هزيمة ساحقة بالفرنسيين، وقُتل نورمان وعدد كبير من جنوده، وعندها أدرك الفرنسيون أن مقاومة الثوار في جبل العرب لا يُستهان بها”.

وبعد هذا النصر، تصاعد الزخم الشعبي بالتعاطف مع الثورة، وكانت معركة المزرعة في 2 أغسطس/ آب من عام 1925 حيث واجه حوالي 500 ثائر بزعامة الأطرش حملة فرنسية ضخمة قوامها 3.500 جندي، ورغم الفارق الكبير في العدد والعتاد، تمكن الثوار من تحقيق انتصار كبير وصل صداه إلى البرلمان الفرنسي.

وفي كتابه “الثورة السورية الوطنية: مذكرات الدكتور عبد الرحمن شهبندر” يقول في أعقاب معركة المزرعة في صيف عام 1925، اجتمعت مع القائد العام سلطان باشا الأطرش وعدد من الزعماء الوطنيين في جبل العرب، لبحث توسيع نطاق المقاومة وتحويلها إلى ثورة وطنية شاملة ضد الاستعمار الفرنسي”.

“ورفع سلطان باشا صوته قائلاً: لن أقبل أن تبقى الثورة حكراً على الجبل، سوريا واحدة وثورتها واحدة، إن لم يتحرك إخواننا في دمشق وحلب، فنحن من سيسير إليهم، فكان ذلك الإعلان لحظة فاصل بين مقاومة محلية وثورة وطنية”.

وفي هذا الاجتماع صدر نداء رسمي إلى الشعب السوري، يدعو فيه السوريين في كل المدن للالتحاق بالثورة، والتأكيد على أن ما بدأه أبناء جبل العرب يجب أن يعمّ كامل البلاد.

وقد شكل هذا الحدث لحظة مفصلية في تاريخ سوريا الحديث، حيث تحوّل الحراك من ثورة محلية في جبل العرب إلى ثورة وطنية جامعة ضد الاستعمار، بقيادة سلطان باشا الأطرش.

وأظهر سلطان باشا قدرة عالية على الحشد والتنظيم العسكري، حيث شكّل كتائب مقاتلة اعتمدت على حرب العصابات، واستفاد من تضاريس الجبل في التصدي لحملات الفرنسيين، وكان لشخصيته الكاريزمية دور كبير في جذب المتطوعين من مختلف المناطق السورية، ما جعل الثورة تمثّل وحدة وطنية نادرة بين الطوائف والمذاهب والمناطق.

لكن أدى ضعف تسليح الثوار في النهاية إلى هزيمتهم، وأصدر الفرنسيون حكم إعدام بحق سلطان، مما اضطره للجوء إلى شرق الأردن وشمال الجزيرة العربية عام 1927.

وفي عام 1929 نظم سلطان الأطرش مؤتمر الصحراء لمناقشة القضية السورية، مواصلاً التنسيق مع الوطنيين.

وقد عاد سلطان إلى سوريا في عام 1937 بعد العفو الفرنسي الذي أعقب توقيع معاهدة 1936 التي نصت على استقلال سوريا،، واستُقبل استقبال الأبطال في دمشق، حيث اصطف آلاف المواطنين لتحيته.

استمرار النضال

وبعد الاستقلال في عام 1946، اعتبر السوريون سلطان باشا الأطرش أحد رموز النضال الوطني، لكنه لم يطمح لأي منصب حكومي أو حزبي، وفضّل الحياة الريفية البسيطة في مسقط رأسه، حيث بقي على اتصال دائم بالشأن العام من خلال زياراته إلى دمشق ولقاءاته مع المسؤولين والفعاليات الوطنية.

وفي عام 1948، دعا سلطان إلى تشكيل جيش عربي موحد لتحرير فلسطين فتطوع المئات من الدروز ولقي 80 منهم حتفهم في الحرب.

ولم يخفِ سلطان باشا مواقفه المعارضة للانقلابات العسكرية التي شهدتها سوريا، بدءاً من انقلاب حسني الزعيم عام 1949، وتعرض خلال حكم أديب الشيشكلي في الخمسينيات من القرن العشرين لمضايقات بسبب معارضته للديكتاتورية، مما دفعه للجوء إلى الأردن عام 1954.

وعاد إلى سوريا بعد سقوط الشيشكلي، مواصلاً دعمه للوحدة العربية حيث بارك الوحدة بين سوريا ومصر، ووقف ضد الانفصال عام 1961، وقد رفض سلطان عروض السلطة، مؤمنًا بمبدأ “الدين لله والوطن للجميع”، مما جعله رمزاً للزهد في السلطة.

الوفاة والإرث

 

المصدر: BBC
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments