عبد الحكيم عامر: قصة صديق عبد الناصر الذي “انتحر بالسم”

في 14 سبتمبر/ أيلول من عام 1967 توفي المشير عبد الحكيم عامر، الرجل الثاني لفترة طويلة خلال حكم جمال عبد الناصر، والذي كان قيد الإقامة الجبرية بعد هزيمة 1967 أمام إسرائيل. وذكرت الرواية الرسمية أن عامر انتحر بالسم لكن هذا الادعاء أثار الكثير من الجدل والتكهنات حول إمكانية وجود مؤامرة للتخلص منه. فمن هو عبد الحكيم عامر؟

تقول عنه دائرة المعارف البريطانية إنه كان كان مسؤولاً عسكرياً مصرياً ساعد في تأسيس جمهورية مصر العربية في عام 1952، وبصفته قائداً للجيش، كان أحد أقوى الشخصيات في مصر حتى وفاته، وقد قاد القوات المصرية إلى الهزيمة في حرب يونيو/ حزيران من عام 1967.

البدايات وعبد الناصر

الجمهورية العربية المتحدة

عندما شكلت مصر وسوريا الجمهورية العربية المتحدة في عام 1958، تم تعيين عامر مشيراً ووزيراً للحربية ونائباً لرئيس الجمهورية، وفي العام التالي تم تعيينه حاكماً لسوريا.

غير أن هيمنة مصر المتزايدة على الاتحاد أدت إلى اضطرابات في سوريا، وفي عام 1961 طُرد عامر من البلاد، وانهار الاتحاد بين مصر وسوريا في وقت لاحق من ذلك العام.

وبعد عودته إلى مصر، عُيِّن عامر نائباً ثانياً لرئيس الجمهورية العربية المتحدة في عام 1961 (احتفظت مصر بهذا الاسم حتى عام 1971).

ومع ذلك، بدأ الخلاف يدب بين ناصر وعامر، ففي عام 1962 حاول ناصر انتزاع السيطرة على الجيش منه، لكن نفوذ الأخير داخل المؤسسة العسكرية جعل ناصر يتخلى عن خططه.

هزيمة 1967 والوفاة

في 5 يونيو/ حزيران من عام 1967 اندلعت الحرب بين مصر وإسرائيل، وبسبب سوء الاستعداد، عانت مصر من هزيمة كارثية.

وتقول دائرة المعارف البريطانية إن إسرائيل شنت في وقت مبكر من صباح يوم 5 يونيو/حزيران هجوما جويا استباقيا مفاجئا دمر أكثر من 90 في المئة من سلاح الجو المصري على مدارج المطارات.

وقد أدى هجوم جوي مماثل إلى إعاقة سلاح الجو السوري. وقد تعرض الجيش المصري للهجوم بدون غطاء من الجو، وفي غضون 3 أيام حقق الإسرائيليون انتصارا ساحقا على الأرض واستولوا على قطاع غزة وكل شبه جزيرة سيناء حتى الضفة الشرقية لقناة السويس.

وقد أدت تلك الهزيمة إلى إحباط معنويات كل من الجمهور العربي والنخب السياسية. وأعلن عبد الناصر تنحيه في 9 يونيو/حزيران، لكنه سرعان ما استسلم لتظاهرات حاشدة تطالبه بالبقاء في منصبه. وسادت حالة من النشوة في إسرائيل التي أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أنها القوة العسكرية البارزة في المنطقة.

لقد كانت هزيمة عام 1967 (النكسة) نقطة تحول حاسمة في مسيرة عبد الحكيم عامر حيث حُملت القيادة العسكرية المسؤولية الكاملة عن ذلك الانهيار الكارثي، فتم إعفاء عامر من مناصبه العسكرية والسياسية في 9 يونيو/ حزيران من عام 1967.

وفي 5 سبتمبر/أيلول، ألقي القبض على عبد الحكيم عامر ووُضع قيد الإقامة الجبرية في منزله حيث اتهم بمحاولة قيادة انقلاب للإطاحة بالحكومة، ثم نُقل بناء على أوامر عبد الناصر من بيته إلى استراحة تابعة للمخابرات في منطقة المريوطية في الجيزة.

وكان من المقرر بالفعل أن يمثل أمام محكمة عسكرية للتحقيق في أسباب هزيمة يونيو/ حزيران.

وفي ظل ذلك الضغط الكبير، وُجد عامر ميتاً في ظروف غامضة في استراحة المريوطة في 14 سبتمبر/ أيلول من عام 1967. وتقول الرواية الرسمية للحكومة المصرية إن عامر قد انتحر باستخدام السم، لكن هذا الادعاء أثار الكثير من الجدل والتكهنات حول إمكانية وجود مؤامرة للتخلص منه حيث تقول أسرته إن نظام عبد الناصر قتله لإخفاء الأسرار الحقيقية للهزيمة.

ووصف عمرو عبد الحكيم عامر التقرير الرسمي في الستينيات من القرن الماضي عن انتحار والده بـ “الساذج”، مشيراً إلى أن أي طفل صغير يستطيع اكتشاف “فبركته”، مضيفاً أن: “الذين يعرفون شجاعة والدي ورجولته يعلمون جيداً أنه لا يمكن أن ينتحر”.

من المسؤول عن الهزيمة؟

ورفض عمرو عبد الحكيم عامر تحميل والده مسؤولية هزيمة مصر في حرب يونيو/ حزيران، مؤكداً أن هناك 3 أسئلة تقود الإجابة عليها إلى تحميل عبد الناصر كامل المسئولية عنها.

وقال إن السؤال الأول هو: “لماذا حاربنا؟ والثاني: هل كان الجيش مستعداً أم لا؟ والثالث: من الذي أمر بصرف قوات الطوارئ الدولية من سيناء قبل الحرب؟”

وعن السؤال الأول أجاب بأن الحرب قامت “لأن عبد الناصر استعدى إسرائيل بإغلاق خليج العقبة، وهو شريان الحياة بالنسبة لها، أما عن الثاني فجيشنا لم يكن مستعدًا لأن نصفه كان باليمن، والنصف الآخر أنهك هناك، والجميع يعلم أن أول بدايات الخلاف بين المشير وعبد الناصر كانت عندما طلب منه المشير الانسحاب من اليمن، والسؤال الثالث إجابته معلومة، فعبد الناصر هو من أمر بصرف هذه القوات لتصبح سيناء بعدها منطقة مكشوفة”.

وأضاف: “كان الخيار الذي وضعنا فيه عبد الناصر هو الانتظار حتى نتلقى نحن الضربة الأولى من إسرائيل، وهي الضربة التي كان يتوقعها المشير والفريق صدقي محمود الذي قال للرئيس وقتها إننا لن نستطيع تحملها”.

وأبدى نجل المشير حزنه من الشائعات التي طالت والده مثل علاقاته النسائية وسهره مع الفنانات ليلة هزيمة يونيو/ حزيران، مشيرًا إلى أن هذه الشائعات “تدخل في إطار لعبة السياسة القذرة، والتي تنص على أنك إذا أردت أن تحرق شخصًا فشوه سمعته وتاريخه”.

وتعجّب في السياق ذاته من القول بأن عبد الناصر لم يكن يعرف بزواج عامر من والدته الممثلة المعتزلة الراحلة برلنتي عبد الحميد، وأضاف ساخراً: “هل هذا كلام يعقل، عبد الناصر كان يملك أجهزة مخابرات قوية، ألم تقل له هذه الأجهزة إن نائبه متزوج؟”.

 

المصدر: BBC
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments