ينتشر فيروس غرب النيل في الولايات المتحدة وأوروبا، وهو مرض فتاك ومعروف من عشرات السنين، لكن لا يوجد له لقاح، كما لا يوجد علاج للمصابين به .
وبعد مسيرة متميزة وشهرة عالمية في بحوث فيروس نقص المناعة المكتسب (الإيدز)، ثم قيادة الجهود الأمريكية لمواجهة فيروس كورونا، أحيل الدكتور، أنتوني فاوتشي، إلى المستشفى لإصابته بفيروس مختلف تماما.
فقد ظهرت الشهر الماضي، على الطبيب، البالغ من العمر 83 عاما، أعراض الحمى، والارتعاش من البرد، والإعياء، بعد إصابته بفيروس غرب النيل. وهو فيروس ينتقل عن طريق البعوض، واكتشف في أوعندا عام 1930.
لكن إصابة فاوتشي لم تحدث في شرق أفريقيا، بل يعتقد أنه تعرض إلى لدغة من بعوضة تحمل الفيروس في حديقة منزله. وهو الأمر الذي أصبح يتكرر كثيرا في الولايات المتحدة.
ولا أحد يعرف كيف وصل الفيروس إلى الولايات المتحدة، من أفريقيا والشرق الأوسط وجنوب أوروبا وروسيا، حيث كان منتشرا منذ عقود. لكن البحوث كشفت أن الطيور، هي التي تحمل الفيروس. فالبعوض يصاب بالفيروس بعدما يتغذى على الطيور المصابة، ثم ينقله إلى الإنسان.
وتقول ماري إن “الأشخاص الذين يعانون من ضعف المناعة، وتجازوا الستين من العمر، ويعانون من السكري أو ارتفاع الضغط، هم الأكثر عرضة للمرض”.
واعتمادا على متابعتها للمرضى المصابين بحالات خطيرة من فيروس غرب النيل لسنوات عديدة، وتقول ماري إن الالتهابات قد تؤدي إلى حالات ضمور في الدماغ، تشبه في صور الأشعة حالات الصدمات الدماغية.
وتقول: “بالنسبة للمصابين في حالات خطيرة، فإن 10 في المئة منهم يموتون من التهابات حادة، و70 إلى 80 في المئة يتعرضون لإصابات عصبية طويلة الأمد. أما الناجون فلا يعني ذلك أن حالتهم تتحسن بالضرورة، بل إنها غالبا ما تسير إلى الأسوأ. فالناس يتحدثون عن اكتئاب وتغير في الشخصية، وغيرها من الحالات”.
وعلى الرغم من هذه المخاطر، فإنه لا يوجد تطعيم ولا حتى علاج يخفف من معاناة المصابين بالمرض. وتقول ماري إن “المرض أصبح مهملا”.
والغريب في الأمر أن الوقاية من فيروس غرب النيل متوفرة للأحصنة منذ 20 عاما.
وخلال الفترة بين عامي 2004 و2016، أجريت 9 تجارب سريرية لعدد من التطعيمات البشرية، اثنان منها لشركة سانوفي الفرنسية، والثالث من تمويل شركات وجامعات ومؤسسات حكومية أمريكية. وعلى الرغم من أنها كلها منحت نوعا من المناعة، فإنها لم تصل إلى المرحلة الثالثة من التجريب.
وهذه هي المرحلة الحاسمة قبل الترخيص باستعمال التطعيم، وتتضمن تجريب فاعلية العلاج. ولم تتجاوز التجربة الأخيرة، التي مولها المعهد الأمريكي للحساسية والأمراض المعدية، المرحلة الأولى، التي تتأكد من سلامة استعمال التطعيم.
وتقول كارولين غولد، من قسم الأمراض المتنقلة عن طريق الحشرات في فورت كوليز، كولورادو، إن طبيعة تفشي فيروس غرب النيل المتغيرة وغير المتوقعة، كانت أهم العراقيل أمام الباحثين، “فلابد للفيروس أن يكون منتشرا، في ذلك الوقت تحديدا، لإثبات أن التطعيم فعال”.
فبعض التجارب أجريت في فترة عدم انتشار الفيروس، دون وجود الكثير من الحالات. ثم تفشى الفيروس في 2022 بشكل واسع، وسجلت 2000 إصابة في تكساس وحدها، 800 منها حالات خطيرة. فلو أنهم انتظروا بضع سنوات، حسب ماري، لحصلوا على كل الحالات التي يريدونها.
لكن طُرحت العديد من البدائل في الأعوام الأخيرة. فقد اقترح بعض العلماء برنامج تطعيم خاص بمن تجاوزوا الستين من العمر، وهم الأكثر عرضة للإصابة بالفيروس. أما كارولين فتقترح برامج خاصة بجهات معينة في الولايات المتحدة، تعرف انتشارا واسعا للبعوض الحامل للفيروس.
وتضيف أن تزايد الأدلة على التأثيرات طويلة المدى للفيروس على الأعصاب قد يجعل تمويل البحوث لتطوير التطيعمات أكثر جذبا. فالتقديرات الأخيرة تشير إلى أن العبء الاقتصادي على المستشفيات المتكفلة بمرضى فيروس غرب النيل بلغت 56 مليون دولار، وأن التكلفة على المديين القصير والطويل قد تصل إلى 700 ألف دولار للمريض الواحد.
وبالنظر إلى تزايد عدد الوفيات والإعاقات العصبية، التي يتسبب فيها فيروس غرب النيل، يصف بول تامبيا، رئيس الجمعية الدولية للأمراض المعدية، عدم القدرة الحالية على إيجاد حل، بأنها نتيجة “افتقار في التخيل”.
ويقول تامبيا: “جميع الناس يرون أن نجري هذه المراحل الثلاث في الولايات المتحدة، وهو أمر صعب بالنسبة لمرض يظهر لمدة شهر واحد ونصف في العام، وبشكل غير متوقع. ففي بعض الأعوام يتفشى بشكل واسع، وفي أعوام أخرى بدرجة أقل”.
ويقترح تامبيا تجارب دولية واسعة تشمل مئات المواقع، ليس في الولايات المتحدة فحسب، بل في مناطق من أفريقيا أيضا، حيث يتحول الفيروس إلى وباء. وهذه طريقة أنجع لجمع الأدلة المطلوبة. وتتطلب هذه المبادرات ملايين الدولارات. لكن إنجازها ممكن بفضل الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
وبالنسبة إلى الحاجة الماسة لإيجاد علاجات أكثر فاعلية لمن يعانون من حالات خطيرة ناجمة عن الإصابة بفيروس غرب النيل، تقول ماري إنه تم تجريب عقارين بأجسام مضادة مصطنعة، لكنها لم تتجاوز مرحلة التجريب على القوارض. ويواجه المطورون العراقيل نفسها التي واجهتها التطعيمات.
وتعتقد ماري أن الحاجة عاجلة إلى عقار لا يقضي على الفيروس فحسب، وإنما يستعمل أيضا للتحفيف من الالتهابات في الدماغ، التي تتسبب في العديد من التعقيدات. وترى أن الفيروس في بعض الحالات يتمركز أحيانا في الخلايا العصبية في الدماغ، حيث لا يمكن مهاجمته.
وتقول: “يعبر الفيروس الحاجز بين الدم والدماغ، ويتمركز في الدماغ. وهذا ما يتسبب في الالتهابات الدماغية. والمشكلة أن الكثير من مضادات الفيروسات الموجودة لا تستطيع الوصول إلى الدماغ، فلا تصل إلى المكان الذي ينبغي لها أن تكون فعالة فيه”.
لكن قد تكون هناك إمكانات بديلة، إذ يعقتد تامبيا أننا يمكن أن نتعلم الكثير من فيروس كورونا. فبينما انطلق سباق عالمي لتطوير مضادات لفيروس فيروس كورونا، تبين أن واحدا من العلاجات الأكثر فعالية هو ستيرويد رخيص اسمه ديكساميثازون. وتأكدت فعاليته في تجارب في بريطانيا، تناولت العديد من العلاجات المحتملة.
ولأن تامبيا عالج الكثير من المرضى من التهابات الدماغ، عندما كان في المستشفى الجامعي في سنغافورة، فهو يعقتد أن إيجاد الستيرويد المناسب لتخفيف الالتهاب يمكن أن يساعد الكثير من المرضى على الشفاء.
ويقول: “فيروس غرب النيل من الفيروسات الصفراء. ولا يوجد حاليا مضاد مرخص لأي من هذه الفيروسات، مثل حمى الضنك، وزيكا، والتهاب الدماغ الياباني، وعليه فإن الستيرويد سيكون علاج المستقبل”.
ويقول: “يمكن أن نعطي مرضى الالتهاب الدماغي الناجم عن فيروس غرب النيل، علاجات متعددة من الستيريويد والأجسام المضادة، على أمل أن نحصل من بينها على نتيجة إيجابية”.
ويضيف: “إذا توفرت الإرادة وحصلنا على التمويل الكافي من الحكومات المتضررة، يمكننا أن ننجح”.
وتأمل ماري وتامبيا أن يقنع الضوء، المسلط على إصابة فاوتشي بفيروس غرب النيل، السياسيين بتخصيص أموال لهذا المرض المهمل.
وتقول ماري: “إن هذا الفيروس باق هنا، وسنواجه تفشيه مرارا. إذا تمكن شخص مثل فاوتشي، بمكانته وسمعته، من الحديث عن الأمر، فقد يسمح لنا ذلك بالحصول على المزيد من التمويل لدراسة الفيروس، وتمكين العلماء من التركيز على التطعيم، وأساليب العلاج. فقد مضى 25 عاما على أول ظهور لفيروس غرب النيل في الولايات المتحدة ولم نفعل شيئا”.