“كنّ بريئات وكان وحشاً”: كيف أخطأ التاريخ في تصوير هنري الثامن؟

في الفيلم الجديد “فايربراند” أو المُتقدة، يلعب جود لو وأليشيا فيكاندر دور الملك هنري الثامن وزوجته السادسة، كاثرين بار، في إعادة صياغة للطريقة التي قدم بها التاريخ والثقافة الملكية صورة الملك هنري الثامن.

ولا شك أن هنري الثامن هو أشهر ملوك بريطانيا الذكور، ويمكن التعرّف عليه من خلال صورة شهيرة رسمها هانز هولباين الأصغر.

كما أنه يسيء لزوجته السادسة جسدياً وعاطفياً، ويقحم أصابعه في أفواه النساء، ويفحصهن كلما شعر برغبة في ذلك. والفيلم، الذي يعكس وجهة نظر كاثرين بار، مبني بشكل فضفاض على حقيقة تاريخية أخرى: في مرحلة ما، وع هنري على مذكرة اعتقال كاثرين بار.

ومن بين أقدم الصور التي قدمت هذا الملك في الأفلام، فيلم “الحياة الخاصة لهنري الثامن” الذي أنتج عام 1933، والذي جسد فيه تشارلز لوتون دور الملك، والذي يظهر فيه وهو يمضغ بحماس ساق ديك رومي، في إشارة إلى أسطورة شعبية أخرى عن كيفية وصوله إلى هذا الحجم.

كما أن أقدم تصوير على الشاشة لهنري وزوجاته ينغمس في الصور النمطية الجنسانية. فزوجة هنري الرابعة، آن كليفز، تجعل نفسها تبدو غير جذابة حتى يتخلص منها، بينما تظهر الزوجة الخامسة كاثرين هوارد، التي كانت مراهقة عندما أعدمها، على أنها طموحة. كما ظهرت كاثرين بار، الزوجة السادسة التي عاشت بعده، وهي تهيمن على الملك.

قد تظهر تفسيرات أخرى معروفة على الشاشة لهنري الثامن، مثل روبرت شو في فيلم “رجل لكل العصور” في عام 1966 أو كيث ميتشيل في مسلسل تلفزيوني على بي بي سي في السبعينيات من القرن الماضي بعنوان “هنري الثامن وزوجاته الست”. في حالة ميتشيل، تم تقديم هنري الثامن كشخصية ضخمة وقاسية في وقت لاحق من حياته، ولكن دون الشعور بالخوف الشديد الذي يصوره فيلم “فايربراند”.

رؤيته من خلال مرشح مختلف

وتقول إليزابيث فريمانتل، مؤلفة كتاب “حيل الملكة”، إن إعادة صياغة هنري الثامن يرجع إلى إعادة تقييم النساء في التاريخ.

ومضت تقول: “والآن يقوم العديد من المؤرخين بعمل رائع، في استكشاف تلك القصص والنظر في محاكمات آن بولين وكاثرين هوارد، ويرون أنهما واجهتا اتهامات ملفقة. كانت هاتان المرأتان بريئتين، وكان هو وحشًا”.

لقد تم عرض العنف الذي مارسه هنري الثامن تجاه زوجاته على الشاشة من قبل: ففي فيلم “آن ذات الألف يوم” عام 1969، قام ريتشارد بيرتون، الذي مثل دور هنري الثامن، بصفع جينفييف بوغولد، التي لعبت دور آن بولين. ولكن نبرة الفيلم تعكس كيف تغيرت المواقف منذ ذلك الحين. وعلى النقيض من ذلك، فإن الإيذاء الجسدي الذي تم تصويره في فيلم “فايربراند” مصمم لإثارة استجابة عاطفية أكثر، وهي المشاهد التي يقول لو وأليشيا فيكاندر إنها كانت ضرورية.

ويقول لو: “أعتقد أنه من المهم أن نقول إن الفيلم يدور حول علاقة زواج تتضمن عنفاً منزلياً نفسياً وجسدياً، وأن هنري هو مرتكب هذا العنف، ولا يمكن تجنّب ذلك، ولا يمكن تغليف ذلك بأي شيء آخر”.

وتقول فيكاندر لبي بي سي: “من الصعب فهم موقف كاثرين وخوفها من فقدان عقلها في أي لحظة، فهي تحتاج إلى تكوين صداقات، والحب، والتلاعب بالملك، وكل شيء حتى تتمكن من الاستيقاظ في صباح اليوم التالي، وأعتقد أننا كنا متناغمين للغاية مع كريم، كمخرج، لدرجة أننا لم نتمكن من التهرب من الواقع الوحشي لما يجب أن تكون عليه هذه العلاقة والتي غالبا ما كانت النساء في ذلك الوقت تتعرض لمثلها، لأكون صادقة”.

كانت زوجة هنري الثانية، آن بولين، الأكثر شهرة بين الزوجات (حتى أن هناك أوبرا من القرن التاسع عشر تحمل اسمها)، وربما يرجع ذلك جزئياً إلى الاهتمام الشديد بوفاتها (أعدمها هنري في عام 1536). ولكن أصبحت الزوجات كلهن أيقونات مؤخراً، ويرجع ذلك جزئياً إلى المسرحية الموسيقية الناجحة “ستة”، والتي لا تظهر شخصية هنري الثامن على المسرح حتى.

كما يتضّح أن هناك شهية جديدة لقصصهن، على عكس قصته، من خلال معرض في المعرض الوطني للصور في لندن بعنوان “ست حيوات”، والذي يضم تفسيرات فوتوغرافية حديثة لهن بالإضافة إلى صورهن التي تعود إلى العصر التيودوري.

ولكن كأفراد، بما في ذلك كاثرين بار، فإنهنّ ما زلن مجهولات نسبياً، كما اكتشفت فيكاندر عندما بدأت البحث في حياة بار. وتقول فيكاندر: “كانت أول امرأة في التاريخ البريطاني ينشر كتاب باسمها، وهو كتاب رثاء الخاطئ، ولكن حتى أصدقائي البريطانيين، وقد سألت الكثير منهم، لم يعرفوا حقا أنها فعلت ذلك، وهذه نقطة في التاريخ اخترنا أن ننساها”.

يمنح فايربراند الملكة كاثرين صوتاً، ويقدّم نسخة جديدة من الملك هنري الثامن، ربما في ضوء سلوكه المسيء تجاه النساء. إنه يثير الاشمئزاز، ويجعل المقرّبين منه ينفرون منه في رعب، وهو الأمر الذي خطط له عينوز في موقع التصوير من خلال ابتكار رائحة كريهة ليرتديها لو لتمثيل رائحة ساق الملك المتقيحة. ويقول لو: “إنه يتعفن حرفيًا، ومن الناحية العاطفية أيضاً، فهو محروم لأنه غير محبوب نوعًا ما، وهو يعلم أن الموت على وشك الحدوث”.

ولكن هناك أيضاً بعض الشفقة، كما يعتقد لو، وذلك لأن جزءاً من المأساة الشخصية التي عاشها الملك تتلخّص في أنه كان يُنظَر إليه ذات يوم باعتباره رجلاً مرغوباً. ولا يزال من الممكن رؤية هذه النسخة الأصغر والأكثر جاذبية من هنري في أعمال مثل مسلسل “وولف هول” التلفزيوني، حيث لعب داميان لويس دوره، أو في مسلسل “تيودورز”، الذي جسده جوناثان رايس مايرز، أو في فيلم “فتاة بولين الأخرى” الذي أخرجه إريك بانا في عام 2008. والواقع أن مؤرخي العصر التيودوري لاحظوا أن الملك الشاب الذي تولى العرش الإنجليزي في سن الثامنة عشرة كان ذكياً ورياضياً وموهوباً.

ويقول لو :”دون أن نستعين بأي شخص أو نحاول أن نحظى بأي تعاطف معه، فهو لا يزال ذلك الشاب، ولا يزال ذلك الفتى الذهبي الذي يتمتع بقدرات هائلة، وكان موهوبًا في الموسيقى والرياضات والرقص، وكان واسع الاطلاع، وكان زواجه الأول من كاثرين أوف أراغون سعيدًا للغاية إلى أن أصبح مهووسًا بفكرة وجود وريث ذكر للعرش”.

 

المصدر: BBC
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments