“أوراق الموت 3”.. لهذه الأسباب تراجع مستوى الموسم الثالث عن سابقيه

يستأنف المسلسل الياباني “أوراق الموت” (Alice in Borderland) -الذي شكل أحد أبرز تجليات دراما البقاء في العقد الأخير- حضوره بموسم ثالث من 6 حلقات فقط، معيدا أبطاله إلى عالم الألعاب، مدفوعين هذه المرة بما هو أبعد من رغبة النجاة، تقودهم أسئلة وجودية حول الحياة والموت والمعنى الحقيقي للبقاء.

ويضعنا الموسم الجديد أمام تجربة فلسفية وفنية تتجاوز حدود النوع الدرامي المعتاد، فما بدأ في موسمه الأول كدراما مليئة بالألغاز، يتحول إلى مرآة فكرية تتأمل كيف يعيش الإنسان بعد عودته من الموت وكيف يواجه ندوب الاستمرار على قيد الحياة.

اقرأ أيضا

list of 2 items

  • list 1 of 2محمد سلام يخوض أولى بطولاته المطلقة في مسلسل “كارثة طبيعية”
  • list 2 of 2“كاراتيه”.. تجربة شبابية جديدة تمزج بين الرياضة والدراما بروح سعودية

end of list

ونتتبع الأبطال لعبة بعد أخرى، لنكتشف أن الألعاب القاتلة لم تعد مجرد تحديات للذكاء أو الحيلة، بل مجازات عن الوعي والذنب والاختيار، حيث يتحول الفوز إلى عبء والنجاة إلى امتحان آخر، أكثر قسوة وصدقا.

الفوضى ورمزية الوجود

منذ موسمه الأول، بنى المسلسل مجازه الأساسي على أن مدينة الألعاب ليست مكانا بل انعكاسا، وفي هذا الجزء، تتكثف المرآة حتى تغدو أكثر شفافية. فالموتى الذين يظلون في عالم “أوراق الموت” هم أولئك الذين لم يتصالحوا بعد مع ذواتهم؛ الذين يخشون مواجهة ذنب، أو صدمة، أو حب لم يكمل طريقه، هنا لا يصبح العدو خصما بشريا أو لغزا معقدا، بل عقل الإنسان حين ينغلق على ذاته.

يعيد الموسم الثالث بناء مفهوم “اللعبة” على نحو مجازي أكثر منه مادي، فبطاقة الجوكر، التي تلوح في خلفية السرد، ليست مجرد رمز للعبث بل تجسيد لفكرة الحد الفاصل بين العدم والحياة، وجوهر الإنسان المتقلب بين النور والظلمة، بين النظام والفوضى، إنه صورة دقيقة للعقل البشري حين يواجه هشاشته في لحظة الحقيقة.

إعلان

عالم الألعاب نفسه لم يعد جغرافيا خيالية بقدر ما هو فضاء داخلي يسكنه الوعي وتتجلى فيه التناقضات والرغبة بالفهم، إنه البرزخ الذي يقف فيه الإنسان عاريا أمام ذاته دون ذاكرة أو يقين، يتساءل: هل النجاة ممكنة فعلا، أم مجرد أضغاث أحلام؟

وسط كل ذلك، يصبح البطل/أريسو هو صوت العقل الباحث عن منطق وسط العبث، بينما تمثل البطلة “أوساغي” الروح التي تتشبث بالإيمان رغم انكسارها، كلاهما يسيران في متاهة لا يختبران فيها قوانين اللعبة فقط، بل قوانين الوجود نفسه.

تراجيديا الوعي وعقدة الناجي الوحيد

تعمل الحبكة في الموسم الثالث على إعادة البطل إلى نقطة الصفر، إلى تلك اللحظة التي يجبر فيها على النظر في مرآة وجوده، حين يتحول الصمت إلى حوار داخلي، والظلمة إلى معادل بصري للقلق، وهو ما يجعل هذا الجزء أقرب إلى تراجيديا الوعي منه إلى مجرد مغامرة خيال علمي.

يذكر أن أحد أكثر الخيوط النفسية عمقا في هذا الموسم هو ما يعرف بـ”عقدة الناجي”؛ ذلك الشعور الثقيل بالذنب الذي يلاحق كل من نجا من الموت تاركا خلفه أحبته، حيث تصبح الألعاب وسيلة للتطهر من ألم البقاء وليست مساحة للفوز.

تعثر في السرد رغم الإبهار البصري

على المستوى الفني، لا يزال “أوراق الموت” مذهلا من حيث التصميم البصري والإخراج الذي اعتمد على اللقطات العلوية وجاء متقنا، خاصة أن العمل اعتمد في مجازه الجمالي على الصورة أكثر من الحوار.

كذلك تميز المسلسل بالمشاهد السينمائية المليئة بالحركة والإثارة، وهو ما أكملته الإضاءة التي تجاوزت دورها باعتبارها عنصرا تصويريا وتحولت إلى لغة معنوية تعبر عن الإدراك وتشي بمدى اقتراب أو ابتعاد الشخصيات عن الحقيقة.

ورغم استمرار التفوق التقني، فإن بعض الانتقادات ركزت على أن هذا الموسم اهتم بالثقل النفسي على حساب الألعاب الجديدة التي اتسمت بقواعد أكثر تعقيدا وشعور بأنه ليس هناك طريق للخلاص سوى الحظ أو القدرة على التحمل، وهذا أضعف ارتباط المشاهد بها.

وعلى عكس الموسمين السابقين، لم يستند هذا الجزء إلى قصص “المانغا” لهارو آسو بل جاء أصليا إلى حد كبير من حيث الكتابة الخالصة للدراما، إلا أن عدد الحلقات القصير جدا شكل عبئا على البناء التدريجي، فأحدث بعض البطء في الإيقاع تارة، وتارة أخرى انتقالات مفاجئة تسببت في جعل الأحداث تبدو متعجلة أو غير مثقولة دراميا بما يكفي مع ضعف جلي في التطوير السردي وفقدان الغموض الذي ميز الأجزاء السابقة.

ورغم أن الحبكة ظلت متمحورة حول البطلين الرئيسيين في غياب فج لبعض الأبطال المحبوبين القدامى وظهور مقتضب لبعض آخر، وهذا ترك شعورا بنقص في العمق العاطفي لدى المتابعين الأصليين، فإن إدخال شخصيات جديدة بخلفيات متنوعة كربة منزل ضحية لعنف منزلي أو مدمن هش يعاني الوحدة أو شقيقين يتنافسان على الإيثار، منح المسلسل توسعا إنسانيا يستحق الثناء، وإن لم تتطور الشخصيات مع الوقت.

أوراق الموت وفلسفة الخلاص في الدراما

في نهاية المطاف ورغم ما وجه إليه من انتقادات، يعد الموسم الثالث من المسلسل الياباني “أوراق الموت” امتدادا حاول أن يكون طموحا لسلسلة بدأت كمغامرة ألعاب بقاء ثم تحولت إلى تأمل في الوجود ذاته، قبل أن يسقط في فخ ضرورة منح تفسير لكل شيء، الأمر الذي جعله أقل تأثيرا وأصالة من سابقيه.

إعلان

مع ذلك، نجح العمل بأن يعيد إلى الدراما اليابانية روحها التأملية التي تمزج بين الفلسفة والجمال، ليذكرنا بأن الفن، مثل اللعبة، لا يقاس بربحه أو خسارته، بل بما يحدثه في وعينا من ارتباك جميل، إذ مع إسدال الستار ورغم نجاة الأبطال وعودتهم إلى العالم الحقيقي، لا نخرج بطمأنينة كاملة وإنما بأسئلة جديدة.

 

المصدر: الجزيرة