“الأشياء التي تقتلها”.. كندا تختار فيلما تركيا للسباق نحو الأوسكار

أعلنت مؤسسة “تيلي فيلم”، وهي الهيئة الفدرالية المشرفة على دعم الإنتاج السينمائي في كندا، أن فيلم “الأشياء التي تقتلها” (The Things You Kill) سيمثل كندا في فئة “أفضل فيلم دولي” ضمن جوائز الأوسكار لعام 2026، وهي الدورة الـ98 من حفل الأكاديمية الأميركية للفنون والعلوم السينمائية.

وأثار اختيار فيلم ناطق بالتركية جدلا كبيرا في أوساط السينمائيين الكنديين، وطرح العديد منهم تساؤلات في الصحافة حول مفهوم الفيلم الوطني في زمن الإنتاج العابر للحدود.

اقرأ أيضا

list of 2 items

  • list 1 of 2من أرشيف الشرطة إلى الشاشة.. كيف نجح فيلم “وحش حولّي” في خطف الأضواء؟
  • list 2 of 2“عيد زواج”.. حب عائلي تحت رقابة ناعمة وأكاذيب متفق عليها

end of list

“الأشياء التي تقتلها” من إخراج الإيراني الكندي علي رضا خاتمي، الذي يحمل جنسية كندية إلى جانب أصوله الإيرانية، ويُعدّ من أبرز الأصوات الصاعدة في السينما المستقلة.

تدور أحداث الفيلم حول “علي”، الأستاذ الجامعي التركي، الذي يعود مع زوجته إلى بلده بعد سنوات من الغربة، ليجد والدته مريضة وتعيش في ظروف قاسية مع والده العجوز. تموت الأم لاحقا في حادث غامض، فيبدأ “علي” بالشك في أن والده أهملها أو أساء معاملتها. وبينما تتراكم ضغوط العمل والزواج والعقم، يلجأ علي إلى قطعة أرض معزولة يملكها، حيث يوظّف عاملا يُدعى “رضا” لرعاية المكان.

وتتحوّل العلاقة بين “علي” و”رضا” تدريجيا إلى علاقة قائمة على السيطرة والعنف، ويستدرج “علي” “رضا” إلى دائرة انتقام مظلمة، كأنه يبحث عن طريقة لمعاقبة شخصٍ ما على موت الأم، حتى لو كان ذلك الشخص يسكن خياله وجرحه القديم. ومع تصاعد المواجهات العائلية، يظهر أن “علي” لم يعد ضحية وحسب، بل يتحوّل شيئا فشيئا إلى نسخة من العنف الذي هرب منه، ليصبح الفيلم تأملا مريرا في الذكورة والذاكرة وما نقتله في داخلنا حين نحاول الهروب من الماضي.

حظي الفيلم بعرض أولي في مهرجان صاندانس لعام 2025، وفاز هناك بإحدى الجوائز، ويُعدّ العمل مشروعا دوليا، فقد تم إنتاجه بمشاركة كندية، وتركية، وبولندية، وفرنسية.

The things you kill @thingsyoukill
فيلم “الأشياء التي تقتلها” فاز بإحدى جوائز مهرجان صاندانس لعام 2025 (حساب الفيلم على إنستغرام)

كندا في الأوسكار

وفقا لقواعد الترشيح المعتمدة من أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة، فإن البلد الذي يُقدّم فيلما ضمن فئة “أفضل فيلم دولي” يجب أن يكون فيه إنتاج مرتبط بهذا البلد، من حيث التمويل أو المشاركة في الإنتاج أو التوزيع، ولا يشترط أن يكون ناطقا باللغة الإنجليزية أو الفرنسية، أو أن يكون مكان التصوير في ذلك البلد.

إعلان

وفي حالة “الأشياء التي تقتلها”، فإن “تيلي فيلم” أو غيرها من المؤسسات الكندية أكدت أن الفيلم حاز على الدعم الكندي في الإنتاج، وأن مخرجه يحمل جنسية كندية، وبالتالي فقد استوفى المعايير التي سمحت له بأن يكون الممثل الرسمي للسينما الكندية. وبهذا فإن التعريف التقليدي للفيلم الكندي، باعتباره ناطقا بالإنجليزية أو الفرنسية أو من إنتاج داخلي محض، يتسع ليشمل أعمالا تُنتج بشراكة دولية وتتكلم لغات أخرى، ما يفتح نقاشا حول ما هو الفيلم الكندي أو السينما الكندية.

ويُعدّ هذا الاختيار انعكاسا لرؤية كندا المعاصرة التي ترفع شعار التعددية الثقافية، وتؤكد أن السينما لا تقتصر على لغة أو قومية محددة. فالدولة التي لطالما عرفت بهويتها الفرنسية الإنجليزية القابلة للتعدد، اختارت فيلما باللغة التركية، من مخرج مهاجر، ليحمل اسمها في أكبر منصة سينمائية عالمية. وهو ما يعكس انفتاحا سياسيا على تقديم مساحات لصناع السينما من خلفيات غير تقليدية، ويعد تأكيدا أن إنتاج كندا يمكن أن يحتوي على لغة ومشهد وخلفيات لا تحمل ملامح كندا التقليدية.

وبينما يرى بعض النقاد أن هذا التوسّع هو تطور طبيعي يحتفي بالمهاجرين والمنتجين العابرين، يرى آخرون أن هناك مخاطرة بأن يُصبح الترشيح مجرد علم يُعلّق على إنتاج لا علاقة له بالمجتمع الكندي أو لغة الجماهير الكندية داخل البلاد.

وشاركت كندا بانتظام في سباق “أفضل فيلم دولي”. ومن بين أبرز الأفلام التي نالت ترشيحات: “تراجع الإمبراطورية الأميركية” (The Decline of the American Empire) 1968، للمخرج دينس أركاند، وفيلم “حرائق”(Incendies) 2010، للمخرج دينيس فيلنوف، وفيلم “ساحرة الحرب” (War Witch) 2012 للمخرج كيم نغوين.

وكانت أغلب الترشيحات الكندية التي جاءت من مقاطعة كيبيك ناطقة بالفرنسية، لذلك يعد اختيار الأشياء التي تقتلها تحولا لافتا نحو تنويع الهوية السينمائية التي تمثل كندا. ولم تفز كندا بكثير من الجوائز في هذه الفئة مقارنة بدول أخرى، لكن صوتها السينمائي ظلّ حاضرا عبر أفلام مميزة.

ويأتي اختيار الفيلم، ليمنح كندا موقعا مميزا في النقاش العالمي حول هويات السينما والمهاجرين والمشاركة الثقافية، ويجعل الأفلام الكندية تصبح فضاء يُعبر عن تنوّع المجتمع الكندي، ويحتضن أصواتا غير نمطية.

ويواجه هذا التنوع تحديات تتمثل أولا في أن الجمهور الكندي المحلي قد يجد صعوبة في التماهي مع فيلم لا يجري في كندا، ولا يتحدّث بلغتي الدولة المتعارف عليهما، ولا يعكس، بشكل مباشر، الواقع الكندي التقليدي.

وتشهد صناعة السينما العالمية اتجاها متسارعا نحو “القصص العالمية”، التي لا تنظر إلى اللغة أو الدولة بوصفها حاجزا. وتبدو كندا، بهذا الاختيار، أنها تسعى إلى أن تكون لاعبا أكثر حضورا في هذا المشهد، كمركز إنتاجي يمكنه استيعاب الفنانين عبر اللغات والثقافات.

ولعل اختيار المخرج علي رضا خاتمي ذي الأصول الإيرانية يعكس سياسة رسمية أوسع في كندا تُروّج للتنوّع وإدماج الأصول والثقافات المتعدّدة داخل الفضاء الثقافي الوطني، لكنه استُخدم أيضا كإشارة رمزية إلى أن كندا تفتح مساحات لصناع السينما الذين يعملون خارج البلاد أو بلغات أخرى، ما يعزّز مكانتها باعتبارها بيئة إنتاج وإيواء فني.

إعلان

ومع إدراج “الاشياء التي تقتلها” ضمن قائمة الترشيحات الرسمية للموسم القادم، فإن التحديات تبدأ حول ما إذا كان سيتم اختياره ضمن القوائم النهائية، وإذا تمّ ذلك، فكيف سيستقبل هذا التصعيد من قبل الأكاديمية والجمهور. وإن تمّ اختياره فعليا، فقد يفتح الباب أمام مزيد من الترشيحات الكندية من إنتاج مشترك، بلغات متعددة ولمخرجين من خلفيات مهاجرة، ليشكّل تحولا في خريطة السينما الكندية.

في المقابل، إذا لم يحصد الفيلم تقديرا واسعا، فقد يفسر ذلك كإشارة إلى أن الطريق نحو إعادة تعريف الهوية السينمائية الوطنية ليس سهلا، وأن الجمهور أو الأكاديمية أو الإنتاج المحلي؛ عناصر لا تزال تربط بين الانتماء واللغة والمكان بطريقة قوية.

وقد يكون الفيلم نفسه، بلغته وتركيبه الثقافي، اختبارا لفكرة التنوع، وإذا نجح في الصعود ضمن سباق الأوسكار، فسيكتسب ذلك معنى أكبر، ليس فقط من حيث الجائزة، بل من حيث ما يمثله من بوابة إلى زمن جديد في الترشيحات الوطنية.

 

المصدر: الجزيرة