“أنا لا آتي إلى هنا بمزاجي؛ فعندما يريد هو أن آتي إليه، يتحقق الأمر”، هكذا قالت شيرين، السيدة التي التقيتها أمام مقام الإمام الحسين في القاهرة، مؤكدة أن زيارة حفيد النبي محمد غير ممكنة إلا من خلال ما يشبه “بطاقة دعوة” ترسَل إلى محبيه حيثما كانوا.
هذا المفهوم ستجده لدى كثير من المصريين، المثقفين منهم وغير المثقفين، الذي يؤمنون بأن زيارة مقام الإمام الحسين لا يحظى بها إلا من أذِن لهم هو بنفسه، ويفسرون هذا الإذن من خلال تسهيل رحلة وصولهم إليه، والسماح لهم بالوقوف في حضرة مقامه.
وتشرح شيرين لبي بي سي عربي: “كما لا يمكن لأحد أن يزور أحداً في بيته بغير دعوة، كذلك صاحب المقام الذي لو كنتَ بجواره ولم يُردك، فلن تدخل عليه”، ما استدعى من ذاكرتي ذلك المشهد الشهير للفنانة آمال زايد في فيلم “بين القصرين” وهي تقول لـ (سي السيد): “سِيدْنا الحُسِين دعاني قُمت لَبّيت”؟!
ومع هذا، فإن شيرين التي تؤمن بأن “من زار الأعتاب ما خاب”، لا تحبذ الزيارة خلال ما يُعرف لدى المصريين بـ “المُولد” نظراً للزحام الشديد الذي لا يُمكّنها من دخول المسجد؛ لكنها تزور الحسين بين الحين والآخر.
ومن العجيب أن التعبير ذاته جرى على لسان إمام وخطيب مسجد الحسين بالقاهرة، الدكتور مؤمن الخليجي، الذي قال لبي بي سي “كأنه ميلادٌ جديدٌ للمصريين”، فعبروا عن بشراهم بقدومه إلى مصر بأنه “مولد”.
وعلى الرغم من وجود روايات مختلفة بشأن مكان هذا “الرأس الشريف”، فإن محبة المصريين للإمام الحسين بشكل خاص تجعله يحتل مكانة خاصة في قلوبهم.
ومن اللافت للنظر أن عدداً من المؤرخين ذكروا أن رأس الإمام الحسين وصل إلى القاهرة في يوم الأحد، الثامن من شهر جُمَادى الآخرة عام 548هـ. ومع ذلك، يحتفل المصريون بهذه الذكرى قبل الموعد المنصوص عليه بشهرين بحسب التقويم الهجري.
ويقول الدكتور القطان إن اختيار التاريخ ربما يعود “لأول تحرك بالرأس من عسقلان”، حين حمله الأفضل، الوزير الفاطمي، نحو مصر في آخر شهر ربيع الآخر، مضيفاً أن الأمر ربما يعود أيضاً للخلاف حول وصول الرأس إلى القاهرة، الذي أرخه البعض بأنه في ربيع الآخر عام 549هـ.
أما إمام المسجد الحُسيني، فقد أرجع الأمر إلى أنه من باب “استبشار” المصريين بعد علمهم بقرب وصوله، كاستبشار أهل الحجاز بمولد جده النبي محمد، بعد “الإرهاصات” أو ظهور علاماتٍ تبشر بميلاد نبي جديد، بحسب السردية الإسلامية.
تحتوي هذه الصفحة على محتوى من موقع Google YouTube. موافقتكم مطلوبة قبل عرض أي مواد لأنها قد تتضمن ملفات ارتباط (كوكيز) وغيرها من الأدوات التقنية. قد تفضلون الاطلاع على سياسة ملفات الارتباط الخاصة بموقع Google YouTube وسياسة الخصوصية قبل الموافقة. لعرض المحتوى، اختر “موافقة وإكمال”
تحذير: بي بي سي غير مسؤولة عن محتوى المواقع الخارجية المحتوى في موقع YouTube قد يتضمن إعلانات
نهاية YouTube مشاركة, 1
المحتوى غير متاح
YouTube اطلع على المزيد فيبي بي سي ليست مسؤولة عن محتوى المواقع الخارجية.
وأضاف لبي بي سي أن الاحتفالات بمولد الإمام الحسين داخل مسجده “تسودها السكينة؛ وتشمل مَقارئ القرآن، ومجالس الحديث، ودروساً عن حياة النبي وسيرته وحب آل البيت، وأمسياتٍ تشمل تلاوات القرآن والابتهالات”.
كما تستمر المدائح طول تلك الأيام، وتوزيع الحلوى، بحسب الشيخ مؤمن الخليجي، الذي قال إن الطقوس ذاتها تتكرر في مولده في شعبان؛ لكن الحضور الجماهيري خلال الاحتفال بوصول الرأس الشريف في ربيع الآخر يكون أكبر بكثير.
“وأضاء مصر بوجهه الوَضّاء”
وضياؤه قد عم في الأرجاءِ
سِبطٌ تفرّع منه نسلُ المصطفى
وأضاءَ مصرَ بوجههِ الوَضَّاءِ
تحتوي هذه الصفحة على محتوى من موقع Google YouTube. موافقتكم مطلوبة قبل عرض أي مواد لأنها قد تتضمن ملفات ارتباط (كوكيز) وغيرها من الأدوات التقنية. قد تفضلون الاطلاع على سياسة ملفات الارتباط الخاصة بموقع Google YouTube وسياسة الخصوصية قبل الموافقة. لعرض المحتوى، اختر “موافقة وإكمال”
تحذير: بي بي سي غير مسؤولة عن محتوى المواقع الخارجية المحتوى في موقع YouTube قد يتضمن إعلانات
نهاية YouTube مشاركة, 2
المحتوى غير متاح
YouTube اطلع على المزيد فيبي بي سي ليست مسؤولة عن محتوى المواقع الخارجية.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنه بعد مقتل الإمام الحسين في العراق، في العاشر من شهر محرم عام 61 هـ الموافق العاشر من أكتوبر/تشرين الأول عام 680م، دُفن جسده في الموضع المعروف اليوم بالعَتَبة الحُسينية في كربلاء، وذلك بإجماع المؤرخين.
أما الرأس، فوقع حوله خلاف نتيجة الأحداث التي تلت مقتل الحسين على يد جيش ابن زياد والي العراق في عهد الخليفة الأموي اليزيد بن معاوية، الذي طاف جيشه بالرأس في مدن مختلفة، ما بين العراق والشام، بحسب المؤرخين.
وهناك روايات أخرى بأن الرأس عاد إلى المدينة المنورة، ودفن بجوار أمه السيدة فاطمة في البقيع، كما جاء في الطبقات الكبرى لابن سعد المؤرخ والمُحدث في القرن الثاني الهجري، والمحدث ابن تيمية الذي عاش في القرنين السابع والثامن الهجري.
كما وردت روايات بأن رأس الحسين دُفِن في خزانة الأسلحة في دمشق منذ عهد اليزيد بن معاوية، وقيل في باب الفراديس، أحد الأبواب التاريخية في دمشق القديمة كما ذكر ابن كثير في (البداية والنهاية).
أما الرواية التي تبناها أهل مصر، فتستند إلى قول عدد من المؤرخين بأن الرأس نُقل من دمشق التي كان بها قصر الخلافة الأموية، إلى عسقلان في فلسطين.
من بين هؤلاء المؤرخين ابن ميسر، وابن العمراني، وسبط ابن الجوزي، وعلي بن أبي بكر الهروي، وابن بطوطة، والمقريزي، والقلقشندي، وابن إياس، والحافظ السخاوي، وعثمان مدوخ.
ومن اللافت هنا أن الدولة الأيوبية التي أغلقت أبواب الجامع الأزهر لنحو قرن بعد إسقاط الدولة الفاطمية، لم يرو التاريخ في صفحاته أن أحد سلاطينها أغلق مسجد الإمام الحسين.
بل إن المقريزي ذكر في جملة حديثه أنه لما تولى السلطان الملك الناصر “صلاح الدين” الحكم، جعل بمسجد الإمام الحسين حلقة تدريس وفقهاء، وفوّضها للفقيه البهاء الدمشقيّ.
وقد تواصلت بي بي سي مع المكتبة البريطانية بشأن ما قيل إنها “أقدم مخطوطة تاريخية” ترجح نقل رأس الحسين من عسقلان إلى مصر، وتعود للمؤرخ أحمد بن يوسف بن علي، الشهير بابن الأزرق الفارقي، الذي كان قاضياً ينتمي إلى عائلة مرموقة في ميّافارقين، أشهر مدن ديار بكر الواقعة اليوم في تركيا.
وكان جد الفارقي ذا صلة بالأمراء والرؤساء والوجهاء، وكان ابن الأزرق ذاته كثير الترحال والسفر، لاسيما لزيارة قبور الصالحين وأضرحتهم، وزار بغداد نحو ثلاث مرات والتقى فيها بالخلفاء والوزراء والقضاة، وقرأ على كبار علمائها، كما سافر إلى دمشق وغيرها من البلدان.
وفي كتاب “تاريخ ميّافارقين”، يذكر الفارقيّ في المخطوطة – التي حصلت بي بي سي على نسخة مصورة منها – الروايتين الأشهر؛ الأولى التي تقول إنه “كان بدمشق قوم من عسقلان فطلبوا منه رأس الحسين فأعطاهم إياه فحملوه إلى عسقلان، وبنوا عليه مشهداً عظيماً وغُرم عليه ملك لا يُحصى”.
وأضاف الرواية الثانية التي تشير إلى العراق في فصل “ذكر ولاية يزيد بن معاوية ومقتل الحسين” قائلاً: “وقيل إنه حُمل الرأس إلى كربلاء ودُفن مع الجثة، والصحيح الأول المتواتر”.
وقال إن الرأس بقي بعسقلان إلى سنة 549هـ، حين “قويت الإفرنج على أهل مصر” بحسب تعبيره، فخرج إليهم الخليفة الظافر الذي حمل الرأس ملفوفاً في صندوق على صدره من عسقلان إلى مصر وبنى عليه بمصر مشهداً عظيماً وأنفق عليه مالاً لا يُحصى”.
