البطالة في غزة.. حرب صامتة تقتل الفلسطينيين جوعا وقهرا

لم تعد الحرب في غزة تنتهي عند صدى القصف ولا بوقف إطلاق النار، فبعد أن سكت القصف إلى حد ما، بدأ صمت آخر أكثر قسوة يقتل الناس ببطء، وهو صمت البطالة.

هي حرب بلا دخان ولا صواريخ، لكنها لا تقل فتكا، إذ تحاصر الفلسطينيين بالجوع والعجز وتدفعهم إلى البحث عن لقمة تحفظ بقاءهم، حسب مراسل الجزيرة في قطاع غزة هشام زقوت، الذي قدم نافذة إنسانية عرضت شهادات ومشاهد ترصد كيف تحوّلت البطالة إلى شكل آخر من أشكال الموت الصامت داخل القطاع.

فخلال عامين من الإبادة الإسرائيلية، لم تُدمَّر المنازل فحسب، بل دُمّرت الدورة الاقتصادية برمتها، فالشركات صارت أنقاضا، والوِرش أُحرقت، ومصادر الرزق تبخرت، ولم يبقَ للعامل الفلسطيني ما يبيعه أو ينتجه، وصار رب الأسرة الذي كان يعيل الآخرين واقفا على أبواب الجمعيات ينتظر طردا غذائيا يسد رمق أطفاله.

يقول أحد العمال وقد خسر مصدر رزقه “كنت أعمل سائق توكتوك، أنقل المواد والمؤن، لكن التوكتوك قُصف وهو تحت المنزل. منذ بدء الحرب لم يدخل عليّ أي دخل، معي 10 شواكل فقط أتنقل بها، لا أملك ما أشتري به طعاما أو شرابا”.

في حين روت أم فقدت بيتها ومصدر رزقها حالها وقالت “كنا تحت الصفر قبل الحرب، واليوم ما فيش حياة بالمرة.. لا مأوى ولا طعام ولا مصروف. ابنتي تصحو ليلا تقول لي جوعانة، فأعطيها قليلا من الماء لتنام”.

وفي مشهد آخر من الركام، يقف شاب أمام منزله المدمر قائلا “بنيت شقتي قبل الحرب بشهرين فقط، والآن صارت تحت الركام، لا دخل ولا أمل، الحياة توقفت بالكامل”.

نسبة البطالة تجاوزت 95%

وفي هذا السياق، يؤكد رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين سامي العمصي أن ما جرى تجاوز الكارثة إلى ما هو أبعد منها، قائلا “نسبة البطالة في قطاع غزة تجاوزت 95%، لم يعد العامل يبحث عن عمل لأنه لا يوجد عمل أصلا، الوِرش دُمرت، الأراضي الزراعية خرجت عن الخدمة، والصيد توقف، كل قطاعات العمل تلاشت”.

إعلان

ويرى العمصي أن العامل الفلسطيني اليوم يبحث عن كابونة أو طرد غذائي ليعيش، لا عن وظيفة، فقد أصبحت المساعدات الإنسانية هي شريان الحياة الوحيد في ظل انسداد الأفق الاقتصادي، مضيفا “نحن عشنا المجاعة بأعيننا، هذه ليست مجازا بل حقيقة يعيشها الناس يوميا”.

ويشير إلى أن كل شرائح المجتمع تضررت، لكن العمال هم الأكثر تضررا بحكم اعتمادهم على الأجر اليومي، ويؤكد أن نسبة الفقر بينهم كانت قبل الحرب تتجاوز 60%، أما اليوم فقد بلغت مستويات غير مسبوقة.

ويضيف أن استمرار إغلاق المعابر وإدخال المساعدات بشكل محدود يجعل أي حديث عن التعافي ضربا من الوهم.

ويشدد العمصي على أن إنهاء الحرب لا يعني نهاية المأساة، فـ”المواطن الفلسطيني لم يشعر بأي تحسن، المجاعة مستمرة، والاقتصاد مشلول، ولا أثر للإعلان عن 600 شاحنة مساعدات يوميا، لأن الواقع مختلف تماما”.

ويناشد الدول العربية والإسلامية والمجتمع الدولي وضع رؤية عاجلة للنهوض بالقطاع وإعادة الحياة إلى العمال الذين يعيشون اليوم بلا أمل.

انهيار قطاع الصناعة

أما من جانب القطاع الصناعي، فيرسم المهندس أحمد النبريص، مدير المشاريع في الاتحاد العام للصناعات الفلسطينية، صورة قاتمة لواقع غزة الاقتصادي، موضحا أن القطاع الصناعي كان أحد أعمدة الاقتصاد الوطني وأكبر مشغل للأيدي العاملة قبل الحرب، لكنه اليوم شبه معدوم.

ويقول النبريص إن قطاع غزة كان يضم أكثر من 4500 منشأة صناعية كبيرة ومتوسطة، إضافة إلى آلاف الورش الصغيرة، لكن 90% منها دُمرت خلال الحرب، بعضها بالكامل وبعضها جزئيا، مما أدى إلى تسريح عشرات الآلاف من العمال.

ويضيف “قبل الحرب كان هناك 53 ألف عامل في هذا القطاع، اليوم أكثر من 35 ألفا منهم بلا عمل بعد أن دمرت المصانع التي كانوا يعملون بها”.

ويوضح أن المصانع القليلة التي ما زالت قائمة تعمل بطاقة محدودة جدا، وتواجه صعوبات هائلة بسبب نقص المواد الخام وارتفاع تكاليفها وانقطاع الوقود والكهرباء، فضلا عن التهديدات الأمنية المتكررة التي تمنع استمرار الإنتاج.

ويرى النبريص أن الحرب استهدفت الاقتصاد كما استهدفت البشر، إذ جرى تدمير البنية التحتية الصناعية عمدا لضرب أسباب الحياة، ويقول إن العائلات التي فقدت عملها تواجه اليوم مجاعة حقيقية، وإن الأزمة تجاوزت حدود البطالة لتصبح أزمة وجود.

 

المصدر: الجزيرة