قال المتحدث باسم وزارة الداخلية السورية نور الدين البابا إن قوات سوريا الديمقراطية (قسد) تحاول جرّ الحكومة السورية إلى صدام عسكري في مدينة حلب، مؤكدا أن دمشق ملتزمة بضبط النفس وتغليب الحلول السياسية رغم التصعيد الميداني المتعمد واستهداف المدنيين.
وأضاف البابا في حديثه للجزيرة أن قوات الأمن رصدت قبل ساعات من اندلاع الاشتباكات نشاطا عدائيا لقوات سوريا الديمقراطية في محيط حيي الأشرفية والشيخ مقصود، جرى التعامل معه وإحباطه، قبل أن تقدم تلك القوات على الانسحاب من الحواجز المشتركة.
وأضاف أن هذا الانسحاب أعقبه استهداف مباشر لتلك الحواجز بالنيران مما أدى إلى إصابة عنصرين من قوات الأمن الداخلي، في تطور وصفه بأنه انتقال متعمد من التوتر المحدود إلى التصعيد المفتوح.
وتشهد مدينة حلب (شمال) منذ ساعات اشتباكات بين قوات الأمن السورية وقوات قسد بالرشاشات الثقيلة وقذائف الـ”آر بي جي” والهاون، وخاصة في محيط حي الأشرفية والمنطقة من دوار شيحان حتى دوار الليرمون، في حين يتهم كل طرف الآخر بالمسؤولية عن اندلاع المواجهات.
وأفاد مصدر طبي للجزيرة بمقتل شخصين وإصابة 11 في استهداف قوات قسد لأحياء في مدينة حلب، كما أعلنت تلك القوات عن مقتل امرأة وإصابة 17 آخرين جراء قصف صاروخي ومدفعي، في حين اتهمت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) قوات قسد بقصف مستشفى الرازي بقذائف الهاون.
وفي حديثه، شدد البابا على أن قوات سوريا الديمقراطية لم تكتفِ باستهداف الحواجز، بل نفذت “حملة قصف ممنهجة” طالت أحياء سكنية وتجارية مكتظة، ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى من المدنيين.
انتهاك صارخ
وأشار المتحدث باسم الداخلية السورية إلى أن 6 من الإصابات المسجلة على الأقل تعود لعناصر من الدفاع المدني السوري، الذين تعرضوا لإطلاق نار مباشر أثناء قيامهم بمهامهم، معتبرا ذلك انتهاكا صارخا لقواعد حماية المدنيين والطواقم الإنسانية.
وقال البابا إن القوات الحكومية ردت على مصادر النيران بهدف تحييدها عن الأحياء السكنية، مؤكدا أن الرد اقتصر على استهداف تمركزات عسكرية وغرف عمليات ومستودعات سلاح لقوات سوريا الديمقراطية.
وأضاف أن هذه العمليات أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى في صفوف تلك القوات، بينهم قيادي ميداني، الأمر الذي دفع، بحسب تعبيره، إلى تكثيف استهداف الأحياء المدنية ومشفى الرازي، وهو مشفى عام يستقبل الجرحى.
وردا على رواية قوات سوريا الديمقراطية التي تتهم القوات الحكومية ببدء الهجوم، تساءل البابا عمّا إذا كان أي خلاف عسكري يبرر قصف الأحياء السكنية واستهداف المستشفيات، معتبرا أن ذلك يكشف طبيعة السلوك المتبع من طرف قسد.
وأكد أن الحكومة السورية، منذ توقيع اتفاق العاشر من مارس/آذار الماضي، لم تلمس أي نية جدية من قوات سوريا الديمقراطية لتنفيذ بنوده، رغم الوساطات الدولية التي لعبت دورا إيجابيا في تهيئة أجواء التطبيق.
وقال البابا إن ما وصفه بـ”اللف والدوران وافتعال الأحداث الأمنية” يهدف إلى تحميل الحكومة مسؤولية فشل الاتفاق، عبر جرّها إلى صدامات عسكرية تُستخدم لاحقا كورقة سياسية وإعلامية.
وأشار المتحدث السوري إلى أن الحكومة توثق هذه الخروقات باستمرار، وتضعها أمام الأطراف الضامنة والوسطاء الدوليين، مؤكدا أن هذه الآليات قائمة وفعّالة، وتُستخدم لإثبات مسؤولية الطرف الآخر.
أسباب التصعيد
وربط المتحدث باسم الداخلية السورية التصعيد الأخير بعاملين رئيسيين، أولهما اللقاء السوري التركي الموسع في دمشق، وثانيهما الفعالية الشعبية التي شهدتها حلب لجمع تبرعات لإعادة الإعمار، والتي قال إنها خلقت حالة ارتياح عامة.
واعتبر أن استهداف الأحياء والمستشفيات وطواقم الدفاع المدني يحمل رسالة سلبية مفادها تعطيل أي أفق لإعادة الإعمار، ما دامت قوات سوريا الديمقراطية متمركزة في أحياء سكنية داخل المدينة.
وحول الخطوات المقبلة، أكد نور الدين البابا أن الحكومة السورية ملتزمة باتفاق العاشر من مارس حتى نهايته المحددة مع رأس السنة الميلادية، وتضبط ردودها الأمنية تجنبا لاتهامها بإفشال الاتفاق.
وشدد على أن الخيار السياسي لا يزال أولوية لدى دمشق، مع الاستعداد لحوار سوري سوري مع التيارات الوطنية داخل قوات سوريا الديمقراطية، بعيدا عن أي نفوذ أو وصاية غير سورية.
وقال إن بنية قوات سوريا الديمقراطية تخضع لتأثير قوى غير سورية، محذرا من تحويلها إلى أداة لنقل صراعات خارجية إلى الداخل السوري، وما يحمله ذلك من مخاطر على المدنيين.
وختم المتحدث برسالة إلى سكان حلب والمناطق المتضررة، مؤكدا أن الحكومة تعتبر نفسها المعني الأول بسلامتهم، وتبذل جهودا دبلوماسية وأمنية وعسكرية لضمان مستقبل أكثر استقرارا للمدينة والبلاد.
وتأتي الاشتباكات بعد تصريحات لوزير الخارجية السوري أسعد الشيباني خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره التركي هاكان فيدان في دمشق اليوم الاثنين، قال فيها إن الحكومة السورية لم تلمس إرادة جدية من قوات قسد لتنفيذ اتفاق العاشر من مارس/آذار.
وينص الاتفاق على دمج جميع المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق البلاد ضمن مؤسسات الدولة السورية، بما في ذلك اندماج قوات قسد ضمن الجيش السوري، خلال مدة أقصاها نهاية العام الجاري.
كما ينص الاتفاق على بسط سيطرة الدولة على المعابر الحدودية والمطارات وحقول النفط والغاز، إضافة إلى عودة المهجّرين إلى ديارهم، تحت حماية الدولة السورية.
المصدر: الجزيرة