إن نيل المغفرة بعد خطأ ارتكبته أيسر من نيل موافقة العمل على استخدام الذكاء الاصطناعي في المهام الوظيفية، هكذا يقول جون، مهندس البرمجيات في شركة لتكنولوجيا الخدمات المالية.
وجون هو واحد من بين عديدين يستعملون أداة الذكاء الاصطناعي الخاصة بهم في العمل دون ترخيص من قسم تكنولوجيا الاتصالات في الشركة، ولهذا السبب فضلت بي بي سي عدم الكشف عن اسمه بالكامل.
وبحسب استطلاع للرأي أجرته شركة سوفتوير آي جي، فإن نصف الموظفين في مجالات المعرفة يستعينون بأداوت الذكاء الاصطناعي الشخصية في أداء مهام عملهم.
ويعرّف البحث موظفي المعرفة بأنهم الموظفون الذين “يعملون في المكتب أو على الحاسوب”.
ويوضح جون أن استعمال الذكاء الاصطناعي دون ترخيص، لا يخالف سياسة الشركة التي يعمل فيها. وكل ما في الأمر أنه يتجنب إجراءات الموافقة الطويلة.
أما بيتر، وهو اسم مستعار لمدير مشروع في شركة لتخزين البيانات، فإن شركته تقدم لموظفيها “جيميناي تشات بوت” وهي أداة الذكاء الاصطناعي لغوغل.
وتمنع الشركة استعمال أدوات الذكاء الاصطناعي الخارجية، لكن بيتر يستعمل “تشات جي بي تي” عبر محرك البحث “كاغي”، حيث يرى فائدة كبيرة في الذكاء الاصطناعي عندما يطلب منه الإجابة على الأسئلة المتعلقة بخططه من زوايا مختلفة.
ويمكن لنسخة (4o) من تشات جي بي تي، التي يستعملها بيتر أن تحلل الفيديوهات؛ حيث “يمكنك الحصول على ملخصات لفيديوهات المنافسين، وأن تشرع في حوار مع أداة الذكاء الاصطناعي بشأن النقاط التي تناولتها المقاطع المصورة، وكيف تتداخل من منتجاتك”.
وفي حوار مدته 10 دقائق مع “تشات جي بي تي”، يمكنه مراجعة مادة تأخذ من بيتر عادة من ساعتين إلى ثلاث ساعات من الزمن لمشاهدة المقاطع المصورة.
ويقدّر بيتر زيادة الانتاجية بفضل الذكاء الاصطناعي، بما يعادل توظيف الشركة لشخص ثالث يعمل مجاناً.
ويقول إن الشركات تريد أن تكون لها كلمة فيما يتعلق بأدوات الذكاء الاصطناعي التي يستخدمها الموظفون، وهي حدود جديدة لتكنولوجيا الاتصالات، ويريد [أصحاب العمل] أن يتوخوا الحذر بشأنها”.
ويُطلَق أحياناً على استعمال تطبيقات الذكاء الاصطناعي دون ترخيص “ذكاء الظل”، وهو وصف دقيق لجزء من “تكنولوجيا الظل”، ويقصد به عندما يستخدم شخص ما برمجيات أو خدمات تكنولوجية دون الحصول على الموافقة.
وتساعد شركة هارمونيك سيكيوريتي في الكشف عن تكنولوجيا الظل، ومنع مستعمليها من إدخال بيانات الشركات في أدوات الذكاء الاصطناعي بطريقة غير مرخصة.
وتتعقب الشركة حالياً أكثر من 10 آلاف تطبيق للذكاء الاصطناعي، رصدت 5 آلاف منها خلال تشغيلها، من بينها نماذج خاصة من “تشات جي بي تي” وبرمجيات الأعمال المضافة إليها خاصية للذكاء الاصطناعي مثل تطبيق الاتصالات “سلاك”.
وعلى الرغم من شعبية تكنولوجيا الظل، إلا أنها لا تخلو من المخاطر.
وقد رصدت شركة “هارمونيك سيكيوريتي” نسبة 30 في المئة من التطبيقات، دربت نفسها باستعمال المعلومات التي يُدخلها المستعمل.
وهذا يعني أن المعلومات التي يوفرها المستخدم، تصبح جزءاً من أداة الذكاء الاصطناعي، وقد تصبح نتائج بالنسبة لمستخدمين آخرين في المستقبل.
وتخشى الشركات أن تنكشف أسرار صنعتها من خلال إجابات أدوات الذكاء الاصطناعي، لكن أليستر باترسون رئيس ومؤسس شركة هارمونيك سكيوريتي يعتقد أن ذلك أمر مستبعد، قائلاً “إن من الصعب استخراج البيانات مباشرة من أدوات الذكاء الاصطناعي”.
وفي الوقت نفسه، سيكون من الصعب على الشركات أيضاً أن تقاوم استعمال جميع أدوات الذكاء الاصطناعي، لأنها قد تكون مفيدة للغاية، خاصة للعمال الشباب.
ويقول سايمون هيتون مدير مجموعة البرمجيات (أدابتافيست) إن الذكاء الاصطناعي “يسمح لك باختصار تجربة 5 سنوات في 30 ثانية بفضل هندسة النصوص المُدخلة”.
فما الذي ينصح به سايمون هيتون الشركات التي تكتشف استخدام تكنولوجيا الظل حولها؟
يخاطب هيتون تلك الشركات قائلاً: “لستم وحدكم! أعتقد أن الجميع يفعل ذلك. حافظوا على هدوئكم، وافهموا ما الذي يستعمله الناس ولماذا يستعملونه، وتقبلوه واضبطوه بدلاً من أن تأمروا بمنعه. فأنتم لا ترغبون في التخلف عن الركب بعدم تبني الذكاء الاصطناعي”.
وتوفر شركة تريمبل برمجيات وأجهزة لضبط البيانات في البيئة المبنية. وفي سبيل مساعدة موظفيها في استعمال الذكاء الاصطناعي بطريقة سليمة، أنشأت الشركة “مساعد تريمبل”، وهي أداة ذكاء اصطناعي داخلية، مبنية على نماذج الذكاء الاصطناعي المستعملة في “تشات جي بي تي”.
ويستشير الموظفون “مساعد تريمبل” في تطوير المنتجات وخدمة الزبائن ودراسة الأسواق. أما مطورو البرمجيات، فإن الشركة توفر لهم “غيت هاب كوبايلوت”.
وتقول مديرة الذكاء الاصطناعي في تريمبل، كارولينا تورتيلا: “أشجع الجميع على البحث، وتجربة جميع أنواع الأدوات في حياتهم الخاصة. لكن علينا أن نعترف بأن الحياة العملية فضاء مختلف. وهناك بعض الحدود والاعتبارات التي ينبغي الانتباه إليها”.
وتشجع الشركة الموظفين على تجربة أنواع جديدة من أدوات الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته في الإنترنت.
وتعتقد كارولينا تورتيلا أن تجربة الموظفين في استعمال الذكاء الاصطناعي في المنزل وفي مشاريعهم الخاصة يمكنها أن تشكل سياسة الشركة في تطوير أدوات الذكاء الاصطناعي.
“لابد من حوار متواصل بشأن الأدوات الأنفع لنا”.