إن الظلام الذي يستمر 24 ساعة خلال فصل الشتاء بالقرب من القطبين يمكن أن يعوق النوم، ونتعرف في هذا الموضوع على الطريقة التي يتغلب بها من يعيشون هناك على صعوبة النوم.
تخيل ألا تشهد ضوء الشمس لأسابيع أو حتى لأشهر! حينها تصبح الأجواء مظلمة، والهواء بارداً للغاية، ويكتسي كل شيء بالثلوج الكثيفة.
ومع ذلك، فحتى في قلب الليل القطبي، لا يحل الظلام تماماً. في بعض الأحيان تتسرب أشعة الشمس بشكل طفيف عبر الطبقات العليا من الغلاف الجوي، ما يخلق الشفق الذي يمتزج فيه اللون الأزرق والوردي والأرجواني.
وهناك أيضاً ضوء القمر والنجوم.
ومع ذلك، تُظهر الأبحاث أن هناك من يشعر بالحزن والخمول مع حلول الشتاء، وتسوء حالتهم المزاجية بسبب الحرمان من ضوء الشمس، وقد يصابون بالاكتئاب.
إذن، ماذا يمكننا أن نتعلمه من سكان القطب الشمالي في سياق النوم؟
فكر بإيجابية!
في أقصى شمال النرويج والسويد وفنلندا وغرينلاند وروسيا وكندا وألاسكا، تظل الشمس تحت الأفق معظم فصل الشتاء.
ويعتمد طول هذه المدة بالتحديد على الموقع: في روفانيمي، عاصمة لابلاند الفنلندية، الواقعة مباشرة في الدائرة القطبية الشمالية، يستمر الليل القطبي لمدة يومين فقط خلال الانقلاب الشتوي.
وفي ترومسو، أكبر مدينة في شمال النرويج، على بعد 350 كيلومتراً شمال الدائرة القطبية الشمالية، يستمر الليل القطبي لمدة ستة أسابيع تقريباً، من أواخر نوفمبر/تشرين الثاني إلى منتصف يناير/كانون الثاني.
وفي ظل نقص ضوء النهار والطقس البارد، قد تؤثر أشهر الشتاء الطويلة على الحالة المزاجية.
ولعل أبرز تأثير لأشهر الشتاء المظلمة والباردة هو الاضطراب العاطفي الموسمي، وهو تدهور كبير في الحالة المزاجية يُعتقد أنه ناجم عن نقص ضوء الشمس خلال أيام الشتاء الأقصر. وتشمل أعراضه انخفاض الطاقة والإفراط في تناول الطعام والنوم الزائد، وتظهر في الخريف أو الشتاء، تليها فترة هدوء تلقائية في الربيع أو الصيف. كما أن اضطراب النوم بعد كذلك سمة مميزة للاضطراب العاطفي الموسمي.
في أوروبا، تشير التقديرات إلى أن الاضطراب الموسمي العاطفي يؤثر على ما بين 2 إلى 8 في المئة من السكان، أو ما يقرب من 8 إلى 14 مليون نسمة، على الرغم من أن المعدلات تختلف من بلد إلى آخر.
ويُعتقد أيضاً أنه يصيب الملايين في الولايات المتحدة، حيث تتراوح المعدلات من واحد في المئة في جنوب البلاد إلى ما يقرب من عشرة في المئة من السكان في الشمال.
ويمكن رصد التأثير ذاته لخطوط العرض، في البلدان التي تقع داخل الدائرة القطبية الشمالية.
ومع ذلك، فإن البحث بعيد كل البعد عن أن يكون قاطعاً.
فقد ألقت دراسات أخرى ظلالاً من الشك حول ارتباط أعراض الاكتئاب بالتغيرات الموسمية في ضوء النهار أو خطوط العرض.
ولم تتوصل إحدى الدراسات التي أجريت على نحو تسعة آلاف إنسان في ترومسو إلى وجود أي اختلافات موسمية متعلقة بالصحة النفسية لدى المشاركين في الدراسة. لكن دراسات أخرى خلصت إلى وجود علاقة قوية بين مواسم العام والشعور بالاكتئاب ووقت النوم والاستيقاظ في الصباح.
فقد خلصت دراسة أجريت على 238 شخصاً في النرويج، إلى أن التفكير الإيجابي بشأن الشتاء، قد يغير من الطريقة التي يقضي بها الناس أوقاتهم في الليل القطبي.
ويقول أحد مؤلفي الدراسة، كاري ليبوفيتز، وهو عالم نفس يعد دراسات حول صحة الإنسان في الشتاء: “البرد والظلام يؤثران فينا جميعاً. وما يُحدث فرقاً هو كيفية استجابتنا لهما عاطفياً وسلوكياً”.
وخلصت دراسة أخرى في شمال النرويج إلى أن “قومية سامي” – السكان الأصليين لشمال الدول الاسكندنافية – أقل عرضة للإصابة بالأرق أو الاعتماد على الأدوية المساعدة على النوم، بالمقارنة بغيرهم من الأعراق.
وجد الباحثون أن المنتمين إلى “قومية سامي” يميلون إلى عدم الالتزام بوقت محدد للنوم، حتى الأطفال يُتركون لتنظيم نومهم بأنفسهم بدلاً من الالتزام بأوقات النوم المنتظمة.
لا شك في أن الاكتئاب والتوتر والقلق والمشكلات العاطفية، قد تلعب جميعها دوراً كبيراً في الأرق. لكن الطريقة التي تفكر بها في نومك، قد يكون لها أيضاً تأثير كبير على مدى شعورك بالراحة بعد قضاء ليلة في السرير.
بعبارة أخرى، قد تؤثر حالتك المزاجية عند الاستيقاظ، على شعورك تجاه النوم في الليلة السابقة، ومدى شعورك بالتعب طوال اليوم.
بالنسبة لميشيل نوتش، وهي فنانة تقضي وقتها بين المملكة المتحدة وفادسو، وهي بلدة تقع في أقصى شمال شرق النرويج بالقرب من الحدود الروسية، فإن الليل القطبي يحفز شعوراً بالراحة، حيث لا ترغب سوى في الاسترخاء والنوم.
ومع ذلك، فإن ليبوفيتز تعتقد أن أمراً آخر قد يحدث أيضاً.
أطفئ الأضواء!
تلعب كمية الضوء التي نتعرض لها أثناء النهار دوراً مهماً في ضبط إيقاعنا اليومي، ما يساعد في تنظيم كمية هرمون الميلاتونين التي تفرزها أجسامنا. الميلاتونين هو هرمون ينتجه الدماغ من المساء فصاعداً، ويعد أجسامنا للنوم، ومن ثم فإنه يلعب دوراً حاسماً في تنظيم دورة النوم والاستيقاظ.
وقد يلعب الظلام الشتوي شبه الدائم في القطب الشمالي دوراً مدمراً في إنتاج الميلاتونين؛ حيث أظهرت بعض الدراسات ارتفاعاً كبيراً في إفراز هرمون الميلاتونين في ذروة الليل القطبي في منتصف يناير/كانون الثاني. ثم تنخفض مستويات الميلاتونين مع عودة ضوء الشمس مع نهاية الشهر.
ولا يمكن للإضاءة الاصطناعية أن تكون بديلاً يوفر مستويات ضوء الشمس اللازمة للحفاظ على نمط نوم مستقر.
ومع ذلك، فإن الأبحاث التي أجريت على الجنود في القطب الشمالي الكندي، تشير إلى إمكان إعادة تنظيم إفراز هرمون الميلاتونين لدى الإنسان لدى نومه، باستخدام حاجب ضوء خاص مزود بمصابيح الليد، التي ينبعث منها ضوء أخضر مائل للزُّرقة بطول موجي يبلغ 505 نانومتر.
وأفاد العسكريون الذين استخدموا الجهاز بتحسن في جودة نومهم وحالتهم المزاجية على مدى فترة 11 يوماً. كما اتضح أن استخدام المصابيح المزودة باللون الأزرق مفيد أيضاُ لمن يقضون الشتاء في القواعد العسكرية القطبية الجنوبية.
هاكان لانغستيدت، وهو مهندس مقيم في هلسنكي بفنلندا، والمدير الإداري لشركة تصميم الإضاءة ساس إنسترومنتز، يوصي بالإضاءة الناعمة أثناء الليل القطبي، قائلاً: “إذا كنت تواجه ظلاماً دامساً، فلن تحتاج سوى لبعض الضوء للتعويض، أنت لست بحاجة سوى لمستوى إضاءة منخفض”.
ويؤكد لانغستيدت أن من الأفضل تقليل كمية الضوء تدريجياً مع اقتراب موعد النوم.