غالباً ما يخشى الآباء والأمهات على سلامة أطفالهم الجسدية عندما يغيبون عن أعينهم، لكن قلة منهم يدركون الخطر المحدق بهؤلاء الأطفال وهم أمام أعينهم.
إنه خطر استخدام الهواتف الذكية.
مؤسسة أورميستون أكاديميز تراست – إحدى أكبر الأكاديميات المدرسية في إنجلترا – تقول لبي بي سي، إنها تعمل على خطة تقضي بمنع تدريجي للتلاميذ من استخدام هواتفهم الذكية أثناء الدوام، وقد شملت هذه الخطة حوالي 35 ألف طالب وطالبة، في 42 مدرسة حكومية تابعة لها في جميع أنحاء البلاد، بعد أن قامت 8 مدارس ثانوية أخرى باتباع هذه الخطة من قبل.
وتمنع هذه استخدام الهواتف الذكية أثناء الدوام بتشاور مع آباء وأمهات الطلاب.
وطالبت اللجنة، الحكومة البريطانية، باتخاذ خطوات جذرية ومطالبة الأشخاص بإثبات أعمارهم في محاولة لمنع الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 16 عاماً من اقتناء الهواتف الذكية.
“اقطع الاتصال لإعادة التواصل”
حدثتني آمنة يوسف، وهي أم لطفلين وتعيش في لندن، عن معاناتها مع تأثير الهواتف الذكية على سلوك طفليها، وأخبرتني أنها تعيش تحديات كبيرة وتشعر بالحرج الشديد وقلة الحيلة بسبب سلوك ابنتها، البالغة من العمر 9 سنوات، مع مدرسيها وزملائها في المدرسة.
“في كل مرة تخبرني فيها معلماتها عن سلوكها المسيء للأطفال الآخرين والمدرسين، أشعر وكأنهم يشيرون إلي بأصابع الاتهام قائلين إنني لم أربها تربية حسنة أو أنا من أفسدت سلوكها”.
وتقول آمنة إنها تربي ابنتها بطريقة عصرية كما تصف، و”تتشاور مع معلمات ابنتها، وتدرس سلوكها وتتبع النصائح المقدمة لها من قبل المختصين في الرعاية الاجتماعية، فتعاقبها حيناً عن طريق حرمانها من بعض الأشياء المحببة لديها، مثل مشاهدة التلفاز، أو تكافئها حيناً آخر إذا أبلت بلاء حسناً”.
بعد تلقيها عشرات الشكاوى بشأن سلوك ابنتها العنيف، قررت آمنة سحب الأجهزة الإلكترونية وقطع اتصال ابنتها بالمواقع كلها وخاصة يوتيوب.
وتقول: “عملت بقاعدة اقطع الاتصال لإعادة التواصل”، وبهذا أبعدتها عن الأجهزة الإلكترونية واستبدلتها بنشاطات أخرى تتواصل من خلالها مع أطفال حقيقيين تلعب معهم وتتحرك بدلاً من الجلوس طويلاً أمام الشاشة، ولم تعد تشاهد صناع المحتوى والشتائم التي يستخدمونها ولا السلوك السيء التي اعتادت على تقليدهم فيها.
“لقد سجلتها في نادٍ للسباحة لممارسة الرياضة إلى جانب دروس الموسيقى، وباتت تقضي وقتاً أطول في قراءة القصص وكمكافأة لها، أسمح لها بممارسة لغة البرمجة المخصصة للأطفال (الكودينغ) على جهاز التابليت (الكمبيوتر اللوحي المحمول) لمدة لا تزيد عن ساعتين، لكن سلوكها السيء لا يزال حاضراً في كثير من المواقف، ربما يتطلب تعديل سلوكها وقتاً أطول”.
آمنة، واحدة من أمهات كثيرات لديهن اهتمام بطرق تربية سليمة، لكن، بالمقابل، هناك عدد من الآباء الذين تحدثت إليهم عن عدد الساعات التي يقضي أطفالهم أمام شاشات الهواتف الذكية، لا يعون تماماً مخاطر الهواتف الذكية ومحتوى مواقع التواصل الاجتماعي على أبنائهم.
وتقول سارة علي (37 عاماً) وهي عراقية تعيش في السعودية، إنها لا تراقب هواتف ابنيها اللذين يبلغان من العمر 15 و 16 عاماً، بل وأيضا طفليها اللذين يبلغان من العمر 6 و 3 سنوات.
وقالت سارة إنها عاقبته عن طريق حرمانه من الهاتف لفترة وجيزة ولم تعِد إليه الهاتف إلا بعد أن اعترف بذنبه واعتذر لوالدته بحسب قولها.
“المشكلة أننا لا نستطيع فصل أبنائنا عن التكنولوجيا، إنها إحدى ضرورات العصر، لا أريدهم أن يكونوا أميين تكنولوجياً، لأنه في وقتنا الحالي، حتى الأطفال الأصغر سناً، لديهم معرفة ودراية بتطبيقات الهواتف الذكية واستخداماتها”.
وتنحي آمنة يوسف باللائمة على الجهات المسؤولة التي “لا تفرض قيوداً وضوابط كافية” على صناع المحتوى الموجه للأطفال، قائلة: “كنت أحسب أن مقاطع الفيديو الموجهة للأطفال غير ضارة، لكن ابنتي تعلمت الألفاظ والشتائم من هؤلاء وحتى العنف الذي ترتكبه بين الحين والآخر بحق أصدقائها في المدرسة تعلمته من يوتيوب، لو كنت أعلم أن مشاهدة يوتيوب ستفسد سلوكها لما سمحت لها بمشاهدة هذه المواقع من البداية”.
لكن فيونا سكوت لها رأي آخر وتقول: “تحمل التقنيات الرقمية إمكانات تعليمية هائلة للأطفال، ولا ينبغي اعتبار اتصال الأطفال بالهواتف الذكية أمراً سيئاً، بل يمكنها دعمهم في مهارات القراءة والكتابة الرقمية لدى الأطفال بقوة من خلال المشاركة في مشاريع صناعة الأفلام وتحريرها على سبيل المثال لا الحصر”.
ومن المفترض أن يلعب قانون السلامة على الإنترنت لعام 2023 دوراً في الحفاظ على سلامة الأطفال من الأضرار التي قد تلحق بهم من استخدامهم للانترنت، لكن تنفيذ القانون لن يكتمل إلا بحلول عام 2026.
وتقول فيونا سكوت: “ثمة حاجة إلى التنظيم ومحاولة منع الأطفال من الوصول إلى المحتوى الإباحي العنيف، لكن، قد لا يكون من الممكن دائماً منع التعرض له، لذلك، هناك حاجة لمزيد من النقاشات النقدية حول هذا النوع من المحتوى الذي يجب وضعه في المقدمة في المدارس وفي وسائل الإعلام الرئيسية وداخل العائلات”.
وتقول رشا شعبان، وهي أستاذة بقسم الفلسفة وعلم الاجتماع في في كلية الآداب بجامعة دمشق لبي بي سي عربي: “من الضروري إجراء حوار واع مع الأبناء حول الموضوعات التي يتابعونها و تبيان مخاطر أو سلبيات بعض الموضوعات و تحديد معايير و شروط التفاعل مع الآخر عبر الشاشة. كما أنه من المفيد مراقبة الأبناء وعدم تركهم أحراراً بشكل مطلق و فردي، لكن بدون أن نشعرهم بعدم الثقة والتدخل المباشر”.
وتضيف: “يجب عدم ترك الأبناء في علاقة جانبية مغلقة بينهم وبين أجهزتهم الإلكترونية في عالم آخر، وتنبيههم بشأن المحتوى الذي يحمل طابع العنف والسلبية، ومن ثم مشاركتهم في اتخاذ قرار حظر محتوى كهذا مع تشجيعهم وتوجيههم نحو أنشطة جماعية متنوعة مع الأصدقاء والأقران من شأنها تنمية الذكاء الاجتماعي والعاطفي باستثمار قدراتهم في المكان المناسب”.