وتؤكد وثيقة الأمن القومي الأميركي على إنهاء الحروب الطويلة والانتقال إلى الردع والضربات المحدودة، لكن هجوم تدمر جاء ليضع هذا التوجه تحت ضغط الوقائع الميدانية، ويُظهر هشاشة المشهد الأمني السوري رغم التغيرات السياسية الأخيرة.
وكانت الولايات المتحدة قد أعلنت مقتل اثنين من جنودها ومترجم أميركي وإصابة 3 عسكريين في هجوم شنه مسلح وصفته بالمنفرد من تنظيم الدولة الإسلامية السبت الماضي أثناء لقاء عسكريين أميركيين مع قيادات أمنية محلية قرب تدمر في محافظة حمص وسط سوريا.
وقال المتحدث السابق باسم التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية مايلز كاغينز إن واشنطن لا تنظر إلى ما جرى بوصفه مبررا للانسحاب المتعجل.
وشدد كاغينز -خلال حديثه لبرنامج “من واشنطن”- على أن الولايات المتحدة “ستحافظ على شراكة أمنية مستمرة مع الحكومة السورية”، وأن دورها يتركز على “الدعم والنصح والتمكين”، في حين يبقى الأمن الداخلي مسؤولية السوريين أنفسهم.
ويوضح أن نحو ألف جندي أميركي ما زالوا ينتشرون في شرق سوريا وقاعدة التنف، لافتا إلى أن أي تعديل في حجم القوات -بما في ذلك زيادة محدودة على المدى القصير- سيتم بالتنسيق الكامل مع دمشق.
الانسحاب غير المحسوب
وفي ضوء هذه التطورات تتعمق المخاوف الأميركية من أن يؤدي أي انسحاب غير محسوب إلى عودة تنظيم الدولة، مستفيدا من الانقسامات المحلية وتعثر دمج “قوات سوريا الديمقراطية” في مؤسسات الدولة، وهو ملف يرى فيه كاغينز عقدة أساسية في استقرار البلاد.
وبرأي المتحدث، فإن التنظيم لم يُهزم أيديولوجيا بعد، بل انتقل إلى نمط الخلايا، مما يتطلب استمرار العمليات الخاصة والتعاون الاستخباري، لا الانكفاء العسكري.
كما رفض المقارنة المباشرة مع أفغانستان، معتبرا أن ما جرى عام 2021 كان “انسحابا بلا شروط أو ترتيبات”، وهو ما تسعى إدارة الرئيس دونالد ترامب إلى تجنبه.
وأشار كاغينز إلى أن القوانين الأميركية -ولا سيما ما ورد في قانون الدفاع الوطني- تقيّد قدرة وزارة الحرب على سحب القوات من سوريا من دون موافقة الكونغرس، وتفرض تقارير دورية بشأن الشراكة الأمنية وملف مقاتلي التنظيم وعائلاتهم، مما يجعل تكرار سيناريو كابل “غير مرجح”.
توازنات دقيقة
وحسب مقاربة التحالف الدولي، كما عرضها المتحدث السابق باسمه مايلز كاغينز يمتد تأثير هجوم تدمر إلى العراق أيضا، إذ يرتبط أي تغيير في الانتشار العسكري الأميركي بتوازنات أمنية دقيقة وبمستوى التهديد العابر للحدود بين الساحتين السورية والعراقية.
وتفضل واشنطن -وفق هذه المقاربة- خيار إعادة التموضع المدروس بدل الانسحاب الكامل، مما يضمن استمرار الضغط على تنظيم الدولة ومنع إعادة تمدده أو استفادته من أي فراغ أمني محتمل.
ويضع هجوم تدمر الإدارة الأميركية وحلفاءها أمام اختبار معقد، بين رغبة معلنة في تقليص التكلفة العسكرية من دون خسارة معركة تقول واشنطن إنها حُسمت ضد التنظيم، وحاجة ميدانية إلى منع تكرار سيناريو الانسحاب المتعجل.
ووفق ما شدد عليه كاغينز، يبقى شبح أفغانستان حاضرا في النقاش داخل واشنطن بوصفه نموذجا فاشلا، لكن من دون مؤشرات على قرار بتكراره في سوريا أو العراق.
المصدر: الجزيرة