قد تجد نفسك تقضي ساعات طويلة تتصفح وسائل التواصل الاجتماعي، إذ يشدك سيل من مقاطع الفيديو المسلية. وفي ظل هذه العادة، يصبح من السهل الانجراف نحو محتوى قد يُصنف على أنه “تافه”. هل تساءلت يوماً ما مدى تأثير هذا النوع من المحتوى على دماغك.
في خطوة لافتة، اعتمد خبراء اللغة مصطلح “تعفن الدماغ” لوصف التأثيرات السلبية للتعرض المفرط لهذا النوع من المحتوى التافه على العقل البشري. ومع زيادة الحديث عن هذا المصطلح، يبرز السؤال: هل يوجد أساس علمي يدعم هذا الوصف؟
اختار قاموس أوكسفورد مصطلح “تعفن الدماغ” ليكون مصطلح العام 2024 بعدما حصل هذا المصطلح على 37 ألف صوت من مجتمع الجامعة على مستوى العالم.
ووفقًا لتعريف أوكسفورد، يشير “تعفن الدماغ” إلى التدهور العقلي أو الفكري الناتج عن الاستهلاك المفرط لمحتوى الإنترنت.
“غذِّ دماغك”
وأوضحت بدر أن الدراسات أظهرت أن الأشخاص الذين يقرؤون كثيراً يكونون أقل عرضة للإصابة بأمراض مثل الزهايمر. كما أضافت أن من يتعرض لتجارب متنوعة ويعمل في مجالات تتطلب التفكير والتحليل يكون أقل عرضة لهذه الأمراض. وأكدت أن الدماغ الذي لا يتلقى تحفيزاً مستمراً، من خلال التعلم والتجارب، يتقلص مع مرور الزمن.
وفيما يخص تأثير المحتوى “التافه”، أشارت بدر إلى أن تعرض الأطفال لمحتوى غير مفيد في مرحلة نموهم قد يعوق تطوير دماغهم بشكل سليم. فعادة ما يتعين على الطفل في هذه المرحلة أن يتعرض لتجارب إيجابية، مثل التفاعل مع الأهل أو اللعب مع الأطفال الآخرين، ليتشكل دماغه بشكل طبيعي. وإذا تم تعريضه لمحتوى غير مفيد، فإن هذا يمكن أن يؤثر سلباً على نموه العقلي.
تؤكد ملاك وهي أم لثلاثة أطفال أن تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على أطفالها أصبح أمرًا لا يمكن تجاهله. فقد لاحظت كيف تؤثر هذه المواقع على سلوكهم ومستوى تحصيلهم الدراسي.
وتشير إلى أن أطفالها أصبحوا يفضلون التواصل عبر الشاشات بدلاً من التفاعل وجهًا لوجه، مما أثر سلبًا على قدرتهم على التواصل الاجتماعي الفعلي.
كما تقول ملاك، إنه في مرحلة عمرية أصغر، كانت تستطيع التحكم في الوقت ونوعية المحتوى الذي يتعرضون له، إلا أن الأمر أصبح أكثر صعوبة مع مرور الوقت.
وفيما يخص التأثير المحتمل لمضمون المحتوى على القدرة على استيعاب المعلومات المعقدة، أوضح البربراوي أن هذا ليس بالضرورة. إذ إن الذكاء يتنوع من شخص لآخر؛ فبعض الأشخاص قد يتميزون في الرياضيات ولكن يعانون في القراءة والكتابة. لذلك، من المهم فهم الشخص وظروفه الخاصة قبل الحكم على تأثير المحتوى الرقمي عليه.
أضاف البربراوي أيضاً أن الدماغ يتأثر بعدة عوامل، منها الجينية والبيئية. وبالتالي، إذا وُضع الشخص في بيئة محفزة مليئة بالتجارب، سيعمل دماغه بشكل طبيعي وسيتطور بشكل أفضل. أما إذا وُضع في بيئة معزولة أو غير محفزة، فإن الدماغ لن يعمل بالشكل الصحيح.
يقول محمد مطر البالغ من العمر 30 عاما إنه لا ينكر قضاء وقت طويل في تصفح وسائل التواصل الاجتماعي،إذ تتوالى الفيديوهات القصيرة بين “محتوى مفيد وآخر مسل أو ربما تافه”.
ويضيف مطر، أن أكبر تأثير عليه هو “فقدان السيطرة على الوقت”، مما يقلل من إنتاجيته”. كما يلاحظ أن الساعات الطويلة التي يقضيها في مشاهدة المحتوى تجعله يدخل في حالة من “التشتت”، ولو كان ذلك بشكل مؤقت، “أشعر أنني أحتاج إلى وقت وجهد للعودة إلى مهامي اليومية.
بدوره يحرص على تجنب الانغماس في المقاطع المصورة التي قد تسرق وقته وتؤثر على انتاجيته، وأخذ قسط كافٍ من الراحة بعد يوم طويل. لافتاً إلى أن تصفح الهاتف حتى قبل النوم أثرعلى جودة نومه، “مما جعله يستيقظ وهو يشعر بالتعب والإرهاق” .
تم تأسيس قاموس أكسفورد قبل أكثر من 150 عاماً، ويعد مصدراً معتمداً للغة الإنجليزية. يحتوي على 500.000 كلمة وعبارة تجمع بين ماضي اللغة وحاضرها، ويعتبر مرجعاً موثوقاً للمعاني من مختلف أنحاء العالم، حسبما يذكر أكسفورد.
يتميز قاموس أكسفورد عن غيره، بتركيزه على اللّغة المعاصرة، بالإضافة إلى كونه أداة لاستكشاف تاريخ كل كلمة، الذي قد يمتد إلى القرن الحادي عشر.
“3.5 مليون اقتباس من الأدب الكلاسيكي، والمجلات المتخصصة، ونصوص الأفلام، وكلمات الأغاني، ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي”، حسب قاموس أكسفورد.
يُعد قاموس أكسفورد الإنجليزي وثيقة لتطور الّلغة على مدى أكثر من قرن ونصف، وهو جزء أساسي من الثقافة الإنجليزية، يوثق تطور اللغة والمجتمع.