حرب السودان: سرقة صور نساء صوماليات واستغلالها للترويج لدعاية سياسية

توصل تحقيق أجرته بي بي سي، إلى أن عشرات الحسابات على وسائل التواصل الاجتماعي وتنتحل شخصيات مؤثرة وعارضات أزياء مسلمين وصوماليين.

المرأة التي تظهر في الصورة مبتسمة، مرتدية عباءة زرقاء اللون، لها وجود على منصتي إكس وتيك توك وفيسبوك، وتنشر دائماً منشورات عن مدى حبها لبلدها الصومال.

ولكن عندما تواصلت بي بي سي مع تلك الشخصية في الصورة – وهي مؤثرة تتحدث دوماً عن تطوير نمط الحياة – وقد فضلت عدم ذكر اسمها- صُدمت وقالت إنها لم ترَ هذه الحسابات من قبل.

وأضافت: “هذه الشخصية ليست أنا. صوري تُستخدم، ولا يمكنني فعل أي شيء لهؤلاء الأشخاص الذين ينتحلون شخصيتي”.

وعند استخدامنا لأدوات تحليل وسائل التواصل الاجتماعي، وجدنا أنه في الفترة ما بين يناير/كانون الثاني عام 2023 وسبتمبر/أيلول عام 2025، حصد إجمالاً 47 ألف منشور على 111 حساباً على موقع إكس ما يقرب من 300 ألف إعجاب ووصل إلى أكثر من 215 مليون مستخدم.

وهناك أيضاً نسخ من بعض الحسابات على منصتي فيسبوك وتيك توك، تم إنشاؤها مؤخراً وتنشر محتوى مشابهاً، ورغم قلة عددها، يبدو أنها تُظهر كيف يمكن تتبع الشبكة عبر منصات التواصل الاجتماعي.

فمن هؤلاء؟

كانت الحسابات التي رصدناها، يقدم صاحبوها أنفسهم على أنهم مواطنون صوماليون أو على الأقل مقيمون في البلاد، ويُخصص جزء كبير من محتواها لامتداح الحكومة الصومالية الاحتفال بإنجازات الجيش. كما تمتدح منشوراتهم جمال الطبيعة الصومالية وشعبها ومدنها ومناظرها الطبيعية.

وقد استخدمت الحسابات أسماء عشائر صومالية مثل إسحاق، وأوغادين وأغوران ودير وديغيل ودارود وأكيشو كألقاب لهم، ربما للمساعدة في إقناع الجمهور الصومالي بأن تلك الحسابات حقيقية.

وقد تمكنت بي بي سي باستخدام تقنية البحث العكسي عن الصور، من تحديد الأشخاص الحقيقيين الذين يظهرون في بعض الصور، ووجدنا أن الصور تعود إلى عارضات أزياء مؤثرات شهيرات.

وقد أبلغنا إحدى الفائزات السابقات في مسابقة ملكات الجمال، أن حساباً على فيسبوك، يضم صورتها كان ينشر محتوى يروج للحكومة الصومالية وجيشها.

وقالت إنها لا تستخدم فيسبوك وليس لها علاقة بالحساب الذي يستخدم صورتها.

كان الحساب نشطاً تحت اسم “حليمة”، ثم غُير إلى اسم موقع إخباري، ينشر أخباراً مُعظمها إيجابية عن الصومال باللغة العربية. وقالت شركة ميتا إنها تُقيم الحساب لارتكابه سلوكاً زائفاً.

وأكدت أربع نساء أخريات أن صورهن اُستخدمت من دون علمهن.

وقد أخبرتنا إحدى المؤثرات التي تعنى بالجمال، وهي مقيمة في الولايات المتحدة، والتي اُستخدمت صورتها في أحد الحسابات على تيك توك، من خلال مديرها أنهم لم يكونوا على علم باستغلال صورتها وأنهم منزعجون من استخدام صورها.

وقال متحدث باسم منصة تيك توك، إن الحساب الذي ينتحل شخصية المؤثرة تم التحقيق فيه وحذفه، إلى جانب عدد من الحسابات الأخرى لانتهاك سياسات عمليات التأثير السري للمنصة.

كما قالت شركة تيك توك إن منصتها لا تسمح بسلوكيات الحسابات التي قد تضلل المستخدمين بما في ذلك عمليات التأثير السرية وتشغيل حسابات تنتحل شخصيات الآخرين.

وقال مارك أوين جونز، الخبير في شؤون التضليل الإعلامي والمقيم في جامعة نورث وسترن في قطر، والذي سبق أن حقّق في حملات تضليل إعلامي مشابهة قادمة من الشرق الأوسط، إن هذه الحسابات هي بالتأكيد “دُمى إلكترونية” وتشكل جزءاً من شبكة أكبر.

وحسابات “الدُمى الإلكترونية” هي هويات وهمية على وسائل التواصل الاجتماعي تم إنشاؤها للترويج لوجهة نظر معينة، أو للتلاعب بالرأي العام مع إخفاء الأفراد الحقيقيين وراءها.

وقالت شركات منصات التواصل الاجتماعي، إنه بإمكان الأشخاص الذين وقعوا ضحايا حسابات تنتحل شخصياتهم، الإبلاغ عن هذه الحسابات بأنفسهم. ولم تعلق منصة “إكس” على ما إذا كانت هذه الحسابات تنتهك سياساتها أم لا.

لماذا التركيز على السودان؟

وفي سياق مراقبة هذه الحسابات، تحول الصوماليون من الحديث عن الحكومة الصومالية إلى الحديث عن الحرب في السودان، باستخدام الصور المعززة بالذكاء الاصطناعي والرسائل المتكررة.

ففي شهر أغسطس/آب الماضي، نشرت العديد من حسابات النساء، منشورات زعمت فيه أن الجيش السوداني “ارتكب مجزرة”، بحسب تعبيرهن، قُتل خلالها 27 مدنياً ودُفنت جثثهم في مدينة الأبيض، جنوب دولة السودان.

ولم نتمكن من العثور على هذا الادعاء في أي مصادر رسمية ويبدو أنه كان يقتصر على وسائل التواصل الاجتماعي.

وقد تحققت بي بي سي من هذه المعلومات من خلال منظمة “بيم ريبورتس” (منظمة للتحقق من الأخبار) المستقلة التي تتخذ من السودان مقراً لها، والتي قالت إنه على الرغم من صعوبة التحقق من المعلومات على الأرض في السودان، إلا أنها لم تتمكن من العثور على أي دليل موثق أو تقارير موثوقة لتأكيدها.

وتبدو هذه المنشورات بمثابة رواية مضادة للتقارير التي أوردتها قناة تلفزيونية سودانية مؤيدة للجيش، والتي أفادت بأن القوات الجوية السودانية دمرت طائرة تابعة للإمارات العربية المتحدة كانت تقل مرتزقة كولومبيين.

وقُتل نحو 40 شخصاً في الهجوم على مطار تسيطر عليه قوات الدعم السريع، المجموعة شبه العسكرية التي تخوض حرباً مع الجيش السوداني منذ أبريل/ نيسان 2023.

ومن خلال مراجعة المنشور، تبين أنه تم استغلال تلك الحسابات للترويج لروايات حتى تبدو مناسبة لقوات الدعم السريع والإمارات العربية المتحدة.

ونفت الإمارات العربية المتحدة مراراً الاتهامات بدعم قوات الدعم السريع أو دعم المرتزقة الأجانب الذين يقاتلون إلى جانب الدعم السريع.

من يقف وراء تلك الحسابات؟

نحن لا نعلم من هو المسؤول الحقيقي عن هذه الحسابات، في ظل وجود أدلة محدودة لتحديد هوية الأشخاص الذين يقفون وراءها.

للوهلة الأولى، يبدو أنهم يمتدحون الصومال في المقام الأول، وغالباً حكومتها كذلك، حيث إن 40 في المئة من المنشورات تذكر الصومال بشكل مباشر.

ويعتقد الدكتور جونز أنه على الرغم من صعوبة تحديد المنظمة التي تُدير الحملة، فإن هذه الحسابات تابعة للفرع الموجه إلى الصومال، ضمن شبكة تدعم أهداف السياسة الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة وتحاول كسب تأييد الصوماليين.

كما قال جونز: “إن أسلوب العمل هو نفسه المُتبع في جميع أنحاء الشبكة، فستجد، بشكل عام، شابات جذابات من بلد معين تربطه صلة بالسياسة الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة في المنطقة، وهذه مجموعة صومالية. لكنني رأيت (مجموعات) داعمات لموريتانيا والجزائر والمغرب أيضاً”.

وفيما يتعلق بالإمارات العربية المتحدة، قال الدكتور جونز إن الحسابات تمتدحها.

 

المصدر: BBC