جدد الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب رغبته في ضم كندا للولايات المتحدة واعدا بخفض ضرائبها في حال باتت ولاية أمريكية. ووصف ترامب، عبر منشور على موقعه “تروث سوشال” بمناسبة عيد الملاد، رئيس الوزراء الكندي جاستين ترودو بأنه “حاكم كندا”، وقال: “إنه في حال أصبحت كندا ولايتنا رقم 51، فإن ضرائبها سوف تنخفض بأكثر من 60 في المئة وسوف تتضاعف أعمالها على الفور”.
وكندا هي أكبر دولة في العالم من حيث المساحة بعد روسيا، ولكن عدد سكانها قليل نسبيا (41 مليون نسمة)، وتمتد على 6 مناطق زمنية، ويحدها 3 محيطات، وتنقسم البلاد إلى 10 مقاطعات و3 أقاليم، وتعد أحد أكبر البلدان التجارية في العالم وواحدة من أغناها، فبالاضافة الى قطاعها الخدمي النشط، تتمتع باحتياطي نفطي ضخم وهي مصدر رئيسي للطاقة والمواد الغذائية والمعادن. فما هي قصة كندا التي يريد ترامب ضمها للولايات المتحدة؟
تاريخ
وفي عام 1608 أسس المستكشف الفرنسي صامويل دي شامبلان مستعمرة كيبيك، أول مستعمرة كندية دائمة لفرنسا، وسرعان ما أنشأ الفرنسيون المزيد من المستوطنات في المنطقة، التي أطلقوا عليها اسم فرنسا الجديدة.
وفي عام 1670، منح الملك تشارلز الثاني ملك إنجلترا شركة خليج هدسون حقوقًا تجارية في منطقة خليج هدسون. وعلى مدار المئة عام التالية، تنافست الشركة مع التجار الفرنسيين المقيمين في مونتريال، على تجارة الفراء. وقد هيمنت شركة خليج هدسون على التجارة في منطقة الشمال الغربي من البلاد.
وبحلول أوائل القرن الثامن عشر، باتت المستعمرات الإنجليزية على طول ساحل المحيط الأطلسي، والتي يعود تاريخها إلى أوائل القرن السابع عشر، أكثر ثراءً واكتظاظًا بالسكان من فرنسا الجديدة.
حروب
وبعد الحرب، أعادت بريطانيا تسمية المستعمرة بـ”مقاطعة كيبيك”. وسعى الكاثوليك الناطقون بالفرنسية، والمعروفون باسم الكنديين ، إلى الحفاظ على أسلوب حياتهم في الإمبراطورية البريطانية الناطقة باللغة الإنجليزية، والتي يحكمها البروتستانت.
وفي عام 1776، أعلنت المستعمرا ت البريطانية الـ 13 الواقعة جنوب كيبيك استقلالها، وشكلت الولايات المتحدة، ومرة أخرى انقسمت أمريكا الشمالية بسبب الحرب.
وخلال حرب الاستقلال الأمريكية، فر أكثر من 40 ألف شخص موالٍ للتاج البريطاني من المستعمرات الأمريكية ليستقروا في نوفا سكوشا وكيبيك.
وكان الموالون لبريطانيا من أصول هولندية وألمانية وبريطانية وإسكندنافية ومن السكان الأصليين، ومن خلفيات دينية مشيخية وأنجليكانية ومعمدانية وميثودية ويهودية وكاثوليكية.
الديمقراطية وإلغاء العبودية
وهكذا، منح القانون الدستوري كندا، للمرة الأولى، مجالس تشريعية ينتخبها الشعب. كما أصبح اسم كندا رسميًا في هذا الوقت، واستمر استخدامه منذ ذلك الحين، وكانت المستعمرات الأطلسية وكندا تُعرف مجتمعة باسم أمريكا الشمالية البريطانية.
وكانت العبودية موجودة في جميع أنحاء العالم، من آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط إلى الأمريكتين، ظهرت أول حركة لإلغاء تجارة الرقيق عبر الأطلسي في البرلمان البريطاني في أواخر القرن الثامن عشر.
وفي عام 1793، أصبحت كندا العليا، بقيادة الحاكم جون غريفز سيمكو أول مقاطعة في الإمبراطورية تتحرك نحو إلغاء العبودية. وفي عام 1807، حظر البرلمان البريطاني شراء وبيع العبيد، وفي عام 1833 ألغى العبودية في جميع أنحاء الإمبراطورية، وقد هرب الآلاف من العبيد من الولايات المتحدة، وتبعوا “نجم الشمال” واستقروا في كندا.
الغزو الأمريكي
بعد هزيمة أسطول نابليون بونابرت في معركة الطرف الأغر (1805)، هيمنت البحرية الملكية على المحيط الأطلنطي. وكانت الإمبراطورية البريطانية، التي شملت كندا، قد قاومت محاولة بونابرت للهيمنة على أوروبا، فاعترضت أساطيلها السفن التجارية بين فرنسا والولايات المتحدة مما أدى إلى استياء الأمريكيين.
وكان الأمريكيون مخطئين، فقد دعم المتطوعون الكنديون والسكان الأصليين الجنود البريطانيين في الدفاع عن كندا.
وفي يوليو/ تموز، استولى الجنرال السير إسحاق بروك على ديترويت لكنه قُتل أثناء صد هجوم أمريكي في كوينستون هايتس، بالقرب من شلالات نياغرا، وهي المعركة التي خسرها الأمريكيون.
وفي عام 1813 أحرق الأمريكيون مبنى الحكومة ومبنى البرلمان في يورك (تورنتو حاليًا). وردًا على ذلك، قاد الجنرال روبرت روس في عام 1814 حملة من نوفا سكوشا أحرقت البيت الأبيض وغيره من المباني العامة في واشنطن العاصمة.
وبرزت قصص بطولية خلال هذه الحرب، ففي عام 1813، قامت لورا سيكورد، وكانت أم لخمسة أطفال، بقطع رحلة خطيرة بطول 30 كيلومترا سيرًا على الأقدام لتحذير الضابط البريطاني جيمس فيتزجيبون من هجوم أمريكي وشيك، وقد ساهمت شجاعتها في تحقيق النصر في معركة بيفر دامز، ولا تزال تُعرف بأنها بطلة حتى يومنا هذا.
وقد أرسل القائد البريطاني آرثر ويلسلي دوق ويلينغتون بعضًا من أفضل قواته للدفاع عن كندا في عام 1814، واختار بايتاون (أوتاوا) كموقع رئيسي لهذه القوات ضمن شبكة من الحصون لمنع الولايات المتحدة من غزو كندا مرة أخرى. وبالتالي، لعب دوق ويلينغتون، الذي هزم نابليون في عام 1815، دورًا مباشرًا في تأسيس العاصمة الوطنية لكندا.
وهكذا، وبحلول عام 1814، فشلت المحاولة الأمريكية لغزو كندا، وتُعتبر الحدود الحالية بين كندا والولايات المتحدة جزئيًا نتيجة لحرب عام 1812، والتي ضمنت بقاء كندا مستقلة عن الولايات المتحدة.
في ثلاثينيات القرن التاسع عشر، اعتقد الإصلاحيون في كندا العليا والسفلى أن التقدم نحو الديمقراطية الكاملة كان بطيئًا للغاية، واعتقد البعض أن كندا يجب أن تتبنى القيم الجمهورية الأمريكية أو حتى تحاول الانضمام إلى الولايات المتحدة.
وعندما اندلعت التمردات المسلحة في عامي 1837 و1838 في المنطقة الواقعة خارج مونتريال وفي تورنتو، لم يكن لدى المتمردين الدعم الشعبي الكافي لتحقيق النجاح، وهزمتهم القوات البريطانية والمتطوعين الكنديين، وتم شنق عدد من المتمردين أو نفيهم.
وفي عام 1840، تم توحيد كندا العليا والسفلى تحت مسمى مقاطعة كندا، وقد عمل المصلحون مثل السير لويس هيبوليت لافونتين وروبرت بالدوين، بالتوازي مع جوزيف هاو في نوفا سكوشا، مع الحكام البريطانيين من أجل إرساء حكومة مسؤولة.
وهذا هو النظام المعمول به إلى اليوم والذي ينص على أنه إذا خسرت الحكومة تصويت الثقة في الجمعية الوطنية، فلابد أن تستقيل.
اتحاد كونفدرالي
من عام 1864 إلى عام 1867، عمل ممثلو نوفا سكوشا ونيو برونزويك ومقاطعة كندا، بدعم من بريطانيا، على إنشاء دولة جديدة. ويُعرف هؤلاء الرجال باسم آباء الاتحاد، ولقد أنشأوا مستويين من الحكومة: الحكومة الفيدرالية والحكومة الإقليمية.
وانقسمت مقاطعة كندا القديمة إلى مقاطعتين جديدتين هما أونتاريو وكيبيك، والتي شكلت مع نيو برونزويك ونوفا سكوشا الدولة الجديدة التي أطلق عليها دومينيون كندا (سيادة إقليم كندا)، وانتخبت كل مقاطعة هيئتها التشريعية الخاصة، وكانت لها السيطرة على مجالات مثل التعليم والصحة.
وأقر البرلمان البريطاني قانون أمريكا الشمالية البريطانية في عام 1867، وأُعلن دومينيون كندا رسميًا في الأول من يوليو/ تموز من عام 1867. وحتى عام 1982، كان يتم الاحتفال بيوم الأول من يوليو/ تموز باعتباره “يوم الدومينيون” لإحياء ذكرى اليوم الذي أصبحت فيه كندا تتمتع بالحكم الذاتي، واليوم يُعرف رسميًا باسم يوم كندا.
وقد اقترح السير ليونارد تيلي، وهو مسؤول منتخب ومن آباء الاتحاد، مصطلح ” سيادة كندا” في عام 1864. وقد استوحى فكرته من المزمور 72 في الكتاب المقدس الذي يشير إلى “سيادة من البحر إلى البحر ومن النهر إلى أقاصي الأرض”، وتجسد هذه العبارة رؤية بناء دولة قوية ومتحدة وثرية وحرة تمتد عبر قارة، وقد كُتب هذا العنوان في الدستور، واستُخدم رسميًا لمدة 100 عام تقريبًا، ولا يزال جزءًا من تراث كندا.