يصوّت البرلمان الجزائري في وقت لاحق من اليوم الأربعاء على مشروع قانون يهدف إلى تجريم الاستعمار الفرنسي للجزائر وتوصيفه على أنه “جريمة دولة” ويطالب فرنسا بـ”اعتذار رسمي”.
ولطالما تم طرح مسألة تجريم الاستعمار الفرنسي للجزائر مرارا في أوقات سابقة، من دون أن تفضي حتى الآن إلى إصدارها في قانون.
لكن الأمر يبدو مختلفا هذه المرة، حيث بدأ البرلمان منذ يوم السبت الماضي، في مناقشة مشروع قانون بهذا الشأن، في سابقة برلمانية تتعلق بالاستعمار الذي استمر بين عامي 1830 و1962.
من قدّم مشروع القانون؟
وجاء ذلك بعدما اتفقت جميع الكتل السياسية في البرلمان على تفويض رئيس المجلس إبراهيم بوغالي لعرض المشروع بوصفه “مطلبا وطنيا جامعا يسمو فوق كل الاعتبارات السياسية والحزبية ويجسد وحدة الصف البرلماني حول الثوابت الوطنية”.
وأكدت هذه الكتل، في بيان، أن “مشروع القانون يعكس الإرادة الصادقة للنواب ويجسد التزام العهدة التشريعية الحالية بحفظ الذاكرة الوطنية، والدفاع عن تاريخ الجزائر ونضالها التحرري بكل حزم ووضوح”.
وتولت صياغة مقترح القانون لجنة برلمانية مؤلفة من 7 نواب، بينهم 6 يمثلون الكتل البرلمانية داخل المجلس الشعبي الوطني، إضافة إلى نائب مستقل، وبدأت عملها في 23 مارس/آذار الماضي.
من جانبه، قال بوغالي إن اقتراح القانون بما يتضمنه من “تعداد لجرائم الاستعمار الفرنسي، وتحديد لمسؤولية الدولة الفرنسية عن ماضيها الاستعماري، ووضع لآليات المطالبة بالاعتراف والاعتذار، وإقرار لتدابير جزائية تُجرّم تمجيد الاستعمار أو الترويج له، ليس موجّها ضد شعب، ولا يستهدف الانتقام أو تأجيج الأحقاد”.

ما أبرز بنوده؟
يطالب مشروع القانون، الذي تقول وكالة الصحافة الفرنسية إنها اطلعت على نسخة منه، بتحمل الدولة الفرنسية “المسؤولية القانونية عن ماضيها الاستعماري للجزائر، وما خلفه من مآس” ويطالبها بالتعويض “الشامل والمنصف” عن كافة الأضرار المادية والمعنوية التي خلفها الاستعمار.
ويطالب المشروع فرنسا بإعادة “أموال الخزينة التي تم السطو عليها” وكل الممتلكات المنقولة من الجزائر، بما في ذلك الأرشيف الوطني.
كما ينصّ على إلزام الدولة الجزائرية بالسعي من أجل “الاعتراف والاعتذار الرسميين من طرف دولة فرنسا عن ماضيها الاستعماري” و”تنظيف مواقع التفجيرات النووية” وكذلك “تسليم خرائط التفجيرات النووية والتجارب الكيماوية، والألغام المزروعة”.
يذكر أن فرنسا قامت بين عامَي 1960 و1966، بإجراء 17 تجربة نووية في مواقع عدة بالصحراء الجزائرية.
وأخيرا، ينص مشروع القانون على عقوبات بالسجن ومنع الحقوق المدنية والسياسية لكل من “يروّج” للاستعمار أو ينفي كونه جريمة.
ولطالما تم طرح مسألة تجريم الاستعمار الفرنسي مرارا في الماضي في الجزائر، من دون أن تفضي حتى الآن إلى إصدارها في قانون.
ما السياق؟
تأتي مناقشة البرلمان الجزائري لهذا القانون في وقت تمر فيه العلاقات الجزائرية الفرنسية بواحدة من أسوأ الأزمات في تاريخ البلدين، حسب وصف وكالة الأناضول التركية للأنباء، وذلك عقب اعتراف باريس بمقترح الحكم الذاتي الذي طرحته المغرب كحل للنزاع في إقليم الصحراء.
وتدعم الجزائر جبهة البوليساريو التي ترفض الحكم الذاتي، وتدعو إلى منح سكان إقليم الصحراء حق تقرير المصير.
وحسب الأناضول، فلا تكاد تتحسن العلاقات بين الجزائر وفرنسا حتى تعود سريعا إلى التأزم، لا سيما على خلفية الملفات المرتبطة بتداعيات استعمار فرنسا للبلد العربي بين عامي 1830 و1962، إذ ترفض باريس معالجة تلك الملفات التي تسببت في أوضاع كارثية.
واستضافت الجزائر نهاية الشهر الماضي مؤتمرا دوليا لتجريم الاستعمار في أفريقيا، وأكد وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، في افتتاحه، أن القارة الأفريقية “تمتلك الحق الكامل في التعويض عن الجرائم المرتكبة بحق شعوبها خلال الحقبة الاستعمارية”، مؤكدا أن الاعتراف بهذه الجرائم هو خطوة أساسية نحو تصحيح المظالم التاريخية.
ما الرسالة؟
أثناء عرض مشروع القانون أمام النواب، قال رئيس المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى في البرلمان) إبراهيم بوغالي إن هذا المقترح “فعل سيادي بامتياز”، بحسب ما نقلت وكالة الأنباء الجزائرية.
كما اعتبر بوغالي أنها “رسالة واضحة إلى الداخل والخارج بأن الذاكرة الوطنية الجزائرية غير قابلة للمحو أو المساومة”.
أما أستاذة التاريخ الحديث والمعاصر حياة سيدي صالح، فقالت للجزيرة نت في تقرير سابق، إن مشروع القانون يحمل دلالة رمزية كبيرة، لأن الجرائم “البشعة” المرتكبة في حق الجزائريين خلال الحقبة الاستعمارية “لا يمكن تعويضها”.
وبدوره، يؤكد أستاذ القانون الدولي إسماعيل خلف الله للجزيرة نت أن المشروع يمثل خطوة سيادية مهمة لوضع مطالب الشعب الجزائري التاريخية في إطار قانوني خاصة فيما يتعلق بالجرائم التي تصنف وفق القانون الدولي على أنها “مستمرة” مثل التفجيرات النووية، التي يظل لها آثار وضحايا حتى اليوم.
ما الأثر المتوقع؟
في حال المصادقة عليه، ستكون للقانون دلالة رمزية قوية، لكن يبدو أن أثره العملي على مطالب التعويضات محدودا من دون اللجوء إلى هيئات دولية أو اتفاق ثنائي.
وحسب ما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن حسني قيطوني، الباحث في تاريخ الحقبة الاستعمارية في جامعة إكستر البريطانية، فإنه “من الناحية القانونية، لا يحمل هذا القانون أي بُعد دولي، وبالتالي لا يمكنه إلزام فرنسا” و”أثره القانوني محلي فقط”.
لكن قيطوني يؤكد في الوقت نفسه أن “أثره السياسي والرمزي مهم: فهو يمثّل لحظة قطيعة في العلاقة التاريخية مع فرنسا”.
ما موقف فرنسا؟
لدى سؤاله الأسبوع الماضي عن هذا التصويت، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية باسكال كونفافرو إنه لا يعلّق “على نقاشات سياسية تجري في دول أجنبية”.
وسبق أن تحدث مسؤولون فرنسيون عن استعمار بلادهم للجزائر بوصفه جريمة، وكان أبرز هذه التصريحات ما ورد على لسان الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون، الذي صرح في 2017 حين كان مرشحا للرئاسة الفرنسية، بأن استعمار الجزائر كان “جريمة ضد الإنسانية”. وقال “إنه جزء من ذلك الماضي الذي يجب أن ننظر إليه وجها لوجه بتقديم اعتذاراتنا أيضا تجاه الذين ارتكبنا بحقهم تلك الأفعال”.
وبعد نشر تقرير المؤرخ الفرنسي بنجامان ستورا في يناير/كانون الثاني 2021، تعهّد ماكرون اتخاذ “خطوات رمزية” لمحاولة المصالحة بين البلدين، لكنه استبعد هذه المرة “الاعتذار”.
لكن ماكرون عاد وتسبب في إثارة غضب شديد في الجزائر بعد تشكيكه في وجود أمة جزائرية قبل الاستعمار، بحسب صحيفة لوموند.
المصدر: الجزيرة