سحب دراسة طبية برأت المبيدات الحشرية من السرطان

سحبت مجلة علمية، رسميا، دراسة تم نشرها في عام 2000، كانت قد قامت بدور محوري في السجال القائم بشأن أمان مبيدات الأعشاب التي تعتمد في فعاليتها على مادة “الجليفوسات”، بسبب تساؤلات بشأن مؤلفي الدراسة.

وقامت مجلة “علوم السموم التنظيمية وعلوم الأدوية” بسحب الدراسة، رسميا، في أوائل ديسمبر/كانون الأول الجاري. وكانت الدراسة تستخدم كحجة رئيسية لمزاعم شركة “مونسانتو” المصنعة لمبيد الأعشاب آنذاك، بأن المبيد “راوند أب”، ومكونه الفعال “الجليفوسات”، لا يسببان أي آثار مسرطنة.

وفي بيان لها، قالت شركة “باير”، التي استحوذت على شركة “مونسانتو” في عام :2018 “لم يشارك أي أحد تابع لـ /مونسانتو/ في تأليف الدراسة، وقد تم الكشف عن علاقة الشركة بالبحث بشكل صحيح”.

وتم اعتبار الدراسة رائدة في هذا النقاش، وفقا لدار نشر “إلسيفير” المتخصصة، التي تقوم بنشر المجلة. ومع ذلك، لم يتضح بعد ما إذا كان الاستنتاج الذي توصلت إليه الدراسة – وهو أن مادة “الجليفوسات” ومبيد أعشاب “راوند أب” لا يسببان السرطان – صحيحا بالفعل.

وكتب رئيس التحرير مارتن فان دن بيرج، في بيان نشرته المجلة، أن هناك مخاوف أثيرت بشأن مؤلفي الدراسة، ومدى صحة نتائجها، في ضوء تضليل الحقائق من خلال مساهمات المؤلفين والجهة الراعية للدراسة، وتضارب المصالح المحتمل من جانب مؤلفيها.

وأضاف رئيس التحرير أن هناك العديد من الأسباب وراء سحب الدراسة، تشمل تقييم مدى تسببها في السرطان. ويوضح فان دن بيرج أن الاستنتاجات التي توصلت إليها الدراسة بشأن ما إذا كانت مادة “الجليفوسات” تسبب السرطان، تستند حصرا إلى دراسات أجرتها شركة “مونسانتو”، والتي لم تظهر أي احتمالية للتسبب في حدوث أورام.

وعند نشر الدراسة، كانت هناك دراسات أخرى طويلة الأمد بشأن السمية المزمنة والسرطنة، لم يتم أخذ بياناتها بعين الاعتبار.

عدم استقلالية المؤلفين

وكشف نزاع قانوني في الولايات المتحدة، عن وجود مراسلات من جانب “مونسانتو”، تشير إلى أن المؤلفين الثلاثة المذكورين في الدراسة لم يكونوا مسؤولين بشكل كامل – على الأرجح – عن محتواها. وعوضا عن ذلك، قد يكون موظفون من “مونسانتو” قد ساهموا في إعداد الدراسة، بدون ذكر أسمائهم كمؤلفين مشاركين.

إعلان

كما يعد التضليل في المساهمات، عاملا آخر. فالمساهمات، التي يبدو أنها تمت كتابتها من جانب موظفين يعملون في “مونسانتو” بوصفهم مؤلفين مشاركين، لم يتم ذكرها بشكل صريح في قسم التعهدات بالحقائق.

تساؤلات بشأن التعويض المالي

وتشير مراسلات أخرى جرت مع “مونسانتو”، تم الكشف عنها أثناء النزاع، إلى أن المؤلفين الثلاثة المذكورين رسميا ربما حصلوا على تعويض مالي من “مونسانتو” مقابل دورهم في الدراسة، وهو ما لم يتم الكشف عنه.

وكتب رئيس التحرير فان دن بيرج، أنه تواصل مع المؤلف الوحيد الباقي على قيد الحياة للدراسة، وهو البروفيسور جاري وليامز، ولكن “لم نحصل على أي رد”.

وأشار البيان الصادر عن المجلة، إلى أن الدراسة كان لها تأثير كبير على القرارات التنظيمية المتعلقة بمادة “الجليفوسات” ومبيد أعشاب “راوند أب” لعقود.

وفي ضوء هذه النقاط، لم يعد هناك أي ثقة في نتائج الدراسة واستنتاجاتها، مما يجعل سحبها أمرا ضروريا، بحسب ما يؤكده، فان دن بيرج.

والسؤال هو… لماذا يحدث هذا الآن؟

في عام 2017، تم نشر رسائل داخلية عبر البريد الإلكتروني من شركة “مونسانتو” للمواد الكيميائية، ضمن قضية تم عرضها أمام المحكمة، كشفت عن تورط موظفين يعملون في الشركة في إعداد الدراسة المؤثرة، بحسب ما ورد في مقال نشر في مجلة “ساينس” بشأن سحب الدراسة.

وكان باحثان في مجلة “علوم البيئة والسياسة” قد نشرا قبل بضعة أشهر فقط، تقريرا بشأن مدى انتشار الدراسة والاستعانة بها، ومدى استمرار تأثيرها.

ويشير المقال إلى أن الدراسة تعد واحدة من بين أفضل 0.1% من أكثر الدراسات التي يتم الاستعانة بنتائجها في الأبحاث المتعلقة بمادة “الجليفوسات”. ولم يؤد ما تم الكشف عنه بشأن التورط السري لشركة “مونسانتو” في إعداد الدراسة، في تغيير هذا الواقع.

ماذا تقول الشركة المصنعة؟

رفضت شركة “باير”، المالكة الحالية لـ”مونسانتو”، الانتقادات الموجهة للشركة. وأوضح المتحدث باسم الشركة، فيليب بلانك، في بيان ردا على استفسار من وكالة الأنباء الألمانية (د ب أ)، أن الدراسة التي تم سحبها هي مجرد مراجعة لدراسات تم تقديمها بشكل صحيح.

وأضاف بلانك أن “الجليفوسات هو أكثر مبيدات الأعشاب التي خضعت لدراسات خلال الخمسين عاما الماضية”. وتؤكد الشركة أن الهيئات التنظيمية الرائدة عالميا تجمع على أن “الجليفوسات” آمن عند استخدامه بشكل صحيح.

 

المصدر: الجزيرة