عندما هبطت طائرة الرئيس المصري أنور السادات في مطار بن غوريون في التاسع عشر من نوفمبر/تشرين الثاني 1977، كان العالم بأسره يتابع الحدث. وكانت زيارته إلى إسرائيل، التي كانت الأولى من نوعها التي يقوم بها رئيس دولة عربية، بمثابة نقطة تحول حيث أنها كانت البداية لما أطلق عليه شيمون بيريز فيما بعد “الشرق الأوسط الجديد”.
وكان السادات قد فاجأ مجلس الشعب المصري في 9 نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1977 بتجاهل نصه المُعد سلفاً، وإعلانه أنه “مستعد للسفر إلى أقاصي الأرض” لحماية أرواح المصريين وأن “إسرائيل سوف تفاجأ عندما تسمعني أقول إنني على استعداد للذهاب إلى برلمانها، الكنيست نفسه”.
وبعد 3 دقائق من وصول الطائرة خرج الزعيم المصري إلى مدرج المطار حيث اُطلقت الأبواق ترحيبا به.
وفي المطار، حيث تجمع أكثر من ألف مراسل أجنبي ومحلي لمشاهدة الهبوط التاريخي، رفرفت الأعلام المصرية.
ومن بين الأشخاص الذين استقبلهم السادات كبار الشخصيات من الضفة الغربية المحتلة.
ثم استعرض السادات حرس الشرف الإسرائيلي المكون من 72 فرداً، والذي يتألف من جميع فروع القوات المسلحة الإسرائيلية، وفي لحظة ما، قام الرئيس المصري، الذي كان يرتدي ملابس مدنية، بتحية الحرس.
وبينما كان يسير مع بيغن وكاتسير، صفق كبار المسؤولين الإسرائيليين الذين أصيبوا بالذهول مثل مواطنيهم في الأيام الأخيرة عندما أعلن الرئيس المصري عن استعداده للذهاب إلى إسرائيل.
وفي المطار، صافح السادات أشخاصاً تذكرنا أسماؤهم بسنوات الصراع التي ميزت العلاقات بين إسرائيل والعالم العربي، ومن بينهم موشيه ديان، ورئيسة الوزراء السابقة غولدا مائير، ورئيس الوزراء السابق إسحاق رابين، والجنرال أرييل شارون.
تحية خاصة لغولدا مائير
كما توقف السادات وألقى تحية خاصة لغولدا مائير، رئيسة الوزراء السابقة.
وقال لها السادات:”لقد أردت أن ألتقي بك منذ زمن طويل”، فردت مائير: “سيدي الرئيس، لقد انتظرت طويلاً حتى ألتقي بك”.
وبعد الترحيب في المطار وتبادل التحيات، استقل السادات، برفقة الرئيس كاتسير، سيارة ليموزين في رحلة بالسيارة إلى القدس، حيث سيقيم هو وحاشيته في فندق الملك داود.
وعلى طول الطريق من المطار إلى القدس، انتظر الآلاف من الإسرائيليين لمشاهدة الموكب التاريخي وهو يشق طريقه عبر الطرق المتعرجة.
ورافقت زيارة السادات إجراءات أمنية غير عادية حيث كان الآلاف من الجنود ورجال الشرطة ومسؤولي الأمن الإسرائيليين في حالة تأهب دائم أثناء الزيارة.
وأغلق مسؤولون أمنيون الفندق، الذي يطل على المدينة القديمة المسورة التي احتلتها إسرائيل في عام 1967، ومنعوا جميع الغرباء من دخول الردهة.
وبعد وصوله إلى فندق الملك داود، التقى الرئيس السادات لمدة نصف ساعة ببيغن وديان ونائب رئيس الوزراء يغائيل يادين في زيارة وصفت بأنها مجاملة.
اللقاء الأكثر دراماتيكية
وفيما كان السادات يتحرك في رحلته التاريخية، كان محاطًا برجال الأمن والمراسلين الذين كانوا ينتظرون كل كلمة من اجتماعاته مع بيغين.
كان هذا اللقاء الأكثر دراماتيكية في الشرق الأوسط منذ 3 يناير/كانون الثاني من عام 1919، عندما التقى الدكتور حاييم وايزمان، الذي أصبح أول رئيس لإسرائيل، بالأمير فيصل، الذي أصبح ملكاً للعراق، ولم يتم تنفيذ الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين الرجلين منذ فترة طويلة.
لقد توج وصول السادات إلى إسرائيل 10 أيام محمومة منذ كانت تصريحات الرئيس المصري أمام برلمانه بأنه مستعد لزيارة إسرائيل حيث تحول التزامه في سعيه إلى السلام في الشرق الأوسط من الخطابة إلى الواقع.
وكان الإجماع بين الساسة ورجال الدولة والمحللين في إسرائيل هو أن زيارة السادات قد غيرت المشهد في الشرق الأوسط بشكل لا رجعة فيه.
في اليوم التالي
في صباح اليوم التالي، أدى السادات الصلاة في المسجد الأقصى، وشارك مع الحاضرين في الاحتفال بعيد الأضحى.
وبعد ذلك، زار ضريحًا مسيحيًا في كنيسة القيامة، كما قام بزيارة ياد فاشيم، النصب التذكاري الذي أقامته إسرائيل لإحياء ذكرى 6 ملايين يهودي قُتلوا على يد النازيين أثناء الحرب العالمية الثانية.
وأكد السادات في خطابه، الذي ألقاه باللغة العربية، على الحقوق الفلسطينية، ودعا لإقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، مشددا على ضرورة انسحابها من الأراضي المحتلة عام 1967.
وخاطب الشعب الإسرائيلي بشكل مباشر، قائلًا: “جئت إليكم اليوم على أمل أن نضع معًا حجر الأساس لسلام دائم”.
وأضاف قائلا: “أقول لكم بصدق إن أمامنا اليوم الفرصة المناسبة للسلام، إذا كنا جادين حقاً في مساعينا من أجل السلام، إنها فرصة لا يستطيع الزمن أن يضيعها مرة أخرى، إنها فرصة إذا ضاعت أو أُهدرت فإن المتآمرين ضدها سيحملون لعنة الإنسانية ولعنة التاريخ”.
وحرص على التحدث مع النواب الإسرائيليين من مختلف الأحزاب، ليؤكد جدية مصر في تحقيق السلام.
وناقش السادات مع بيغن تفاصيل المبادرة المصرية لتحقيق السلام، بما في ذلك الانسحاب من سيناء ومستقبل الأراضي الفلسطينية.
وقد قوبلت الزيارة برفض واسع في العالم العربي، واعتُبرت خيانة للقضية الفلسطينية.