حديثه أشبه بنبرة زعيم ثوري أكثر منه رئيس دولة، لا يغلف تصريحاته بلغة دبلوماسية ولا يخفيها وراء عبارات غامضة قابلة للتأويل، يتحدث بصوت عال عن كل ما يجول بخاطره.
يرى أن المكان الوحيد الذي يستحقه دونالد ترامب هو السجن، أما رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فكان يجب أن يعتقل أثناء وجوده في نيويورك تنفيذا لقرار المحكمة الجنائية الدولية.
يذهب رئيس كولومبيا غوستافو بيترو، أول رئيس يساري للبلاد في التاريخ الحديث، أبعد من ذلك بدعوته لتشكيل جيش مشترك لتحرير فلسطين، قائلا إن “الأمم المتحدة لا يمكن أن تركع أمام حكومة تتواطأ في جريمة الإبادة، إذن فلنبدأ بالتحرك، وسنرى لاحقا إن كنا سنبقى وحدنا أم لا”.
ارتدى كوفية حمراء وتقدّم مظاهرة داعمة لفلسطين بميدان “تايمز سكوير” في نيويورك، مما تسبب في إلغاء واشنطن تأشيرة دخوله إلى الولايات المتحدة.

ولد تحت اسم غوستافو فرانسيسكو بيترو أوريغو بمدينة واقعة ضمن إدارة قرطبة بكولومبيا عام 1960، وكان والداه مزارعين ينحدران من أصل إيطالي.
درس بيترو الاقتصاد في جامعة “إكسترنادو دي كولومبيا”، وبدأ دراساته العليا في المعهد العالي للإدارة العامة. وفي وقت لاحق، حصل على درجة الماجستير في الاقتصاد من جامعة “خافيريانا”.
ثم سافر إلى بلجيكا وتابع دراساته العليا في الاقتصاد وحقوق الإنسان في جامعة “لوفان الكاثوليكية”. وسجل للحصول على درجة الدكتوراه في الإدارة العامة من جامعة “سالامانكا” في إسبانيا.

رسالة إلى الشعب
بدأت اهتماماته السياسية بعد أن أنشأ صحيفة طلابية باسم “رسالة إلى الشعب”. وفي سن 17 عاما انضم إلى حركة “إم 19” المسلحة وشارك في أنشطتها، وهي منظمة ثورية ظهرت عام 1974 ضد تحالف “الجبهة الوطنية” بعد مزاعم تزويرها انتخابات عام 1970. وفي عام 1985، اعتقل بيترو بتهمة حيازة أسلحة بشكل غير قانوني، وحوكم محاكمة عسكرية وأدين وحكم عليه بالسجن 18 شهرا.
وبعد تفكيك “إم 19″، شكل أعضاء سابقون في الحركة -ومنهم بيترو- حزبا سياسيا باسم “التحالف الديمقراطي إم 19″، الذي فاز بعدد كبير من المقاعد في مجلس النواب عام 1991، وانتخب بيترو عضوا فيه.
وفي 2002، انتخب بيترو في مجلس النواب ممثلا عن منطقة العاصمة بوغوتا بعدما أسس حركة سياسية جديدة سماها حركة “فيا ألترنا”. ثم أنشأ لاحقا ائتلافا انتخابيا عام 2005 تحت اسم “القطب الديمقراطي البديل”، الذي انضم إليه عدد كبير من الشخصيات السياسية اليسارية.
وفي العام التالي، انتخب بيترو لعضوية مجلس الشيوخ الكولومبي، ليخوض لاحقا عام 2010 تجربة الترشح للانتخابات الرئاسية عن حزب “القطب الديمقراطي البديل” التي حل فيها بالمركز الرابع في إجمالي الأصوات.

عزل واحتجاجات
وأثناء رئاسته مدينة بوغوتا، واجه عزلا أطلقته أحزاب معارضة له. وفي 2013 أصدر المفتش العام قرارا بعزله من منصبه وحظره من العمل السياسي لمدة 15 عاما، وأدى هذا القرار إلى اندلاع احتجاجات في الشارع الكولومبي، ووصف بأنه قرار منحاز سياسيا وبدوافع سياسية وغير ديمقراطية.
ورغم صدور أمر قضائي من قبل لجنة الدول الأميركية لحقوق الإنسان التي علقت العقوبة، فقد أيد الرئيس الكولومبي الإبعاد وعزل بيترو من منصبه، وما لبث أن أصدر أحد قضاة المحكمة العليا في بوغوتا أمرا قضائيا يدعوه للامتثال للتوصيات التي وضعتها اللجنة، وأعيد بيترو إلى منصبه كعمدة حيث عمل حتى نهاية فترته القانونية.

وفي 2018 ترشح بيترو مرة أخرى للانتخابات الرئاسية الكولومبية وحل في المركز الثاني. وأعلن في 2021 أنه سيعتزل العمل السياسي نهائيا إذا لم يفز في الانتخابات المقبلة، مشيرا إلى أنه لا ينوي أن يكون “مرشحا أبديا”. وتجاوز هذه الحالة النفسية حين فاز في جولة الإعادة بمنصب رئيس البلاد في انتخابات عام 2022.
برز بيترو بشكل لافت على الساحة الدولية في موقفه الاستثنائي والمختلف من حرب الإبادة والتجويع الإسرائيلية على قطاع غزة.
علاقات مع الاحتلال
وقد افتتحت كولومبيا سفارة في تل أبيب وأقامت منذ الثمانينيات علاقات تجارية مع دولة الاحتلال التي باتت منذ تسعينيات القرن الماضي أحد أهم مصدري الطائرات الحربية ومعدات المراقبة والبنادق لكولومبيا.
غير أن بيترو عرف بمساندته نضال الشعب الفلسطيني من أجل الحرية والاستقلال، كما سبق له أن دان هجمات دولة الاحتلال الإسرائيلي على مسيرات العودة، وعبّر عن سخطه على فكرة الخلط بين الدين والدولة، مؤكدا أن “إسرائيل لا تمثل اليهودية مثلما أن كولومبيا لا تمثل المسيحية”.

والواقع أن بيترو حافظ على مستوى معين من العلاقة مع دولة الاحتلال حتى السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، حيث سار عكس التيار الغربي الداعم لدولة الاحتلال، إذ رفض إدانة هجمات المقاومة على الاحتلال، وقارن انتهاكات الاحتلال ضد الفلسطينيين بـ”الجرائم التي ارتكبها هتلر والنازيون ضد اليهود”، على حد وصفه.
وهذا الموقف فتح عليه سيلا من الانتقادات المؤيدة لدولة الاحتلال، لكن بيترو واصل مواقفه ضد الاحتلال بشكل متصاعد، فأعلن في بداية مايو/أيار الماضي قطع العلاقات الدبلوماسية مع دولة الاحتلال بسبب غزة. وطلب الانضمام إلى دعوى جنوب أفريقيا لدى محكمة العدل الدولية والتي تتهم فيها الاحتلال بارتكاب “إبادة جماعية”.
وبرر بيترو موقفه بقوله “إذا ماتت فلسطين تموت الإنسانية”.

حرب كلامية
وشهدت منصة “إكس” حربا كلامية بين الرئيس بيترو ونتنياهو حول الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، التي اعتبرها بيترو “حرب إبادة”، ووجه حديثه لنتنياهو قائلا “سيد نتنياهو، سوف يسجلك التاريخ على أنك ترتكب إبادة جماعية، إن إلقاء القنابل على آلاف الأطفال والنساء وكبار السن الأبرياء لا يجعل منك بطلا، أنتم تقفون إلى جانب أولئك الذين قتلوا ملايين اليهود في أوروبا”.
وذهب بعيدا في تحميل الرئيس الأميركي دونالد ترامب المسؤولية عن الهجمات الإسرائيلية في غزة، واعتبره شريكا في جريمة الإبادة الجماعية في القطاع.

وردا على ما وصفته وزارة الخارجية الأميركية بتصرفات بيترو “المتهورة والتحريضية للجنود الأميركيين على العصيان”، ألغت الولايات المتحدة تأشيرته، مما دفعه إلى الرد بقوة قائلا “الولايات المتحدة تنتهك القانون الدولي. ليس لها الحق في إلغاء تأشيرة أي شخص سيذهب إلى الأمم المتحدة ليلقي خطابا أو يتحدث عن مواضيع مطروحة على أجندة الأمم المتحدة. هذا هو القانون الدولي”.
ثم قدم نفسه وعددا من رجاله ليكونوا نواة لقوة عالمية لتحرير فلسطين.
ويعرف بيترو الذي يحكم بلدا يقع في غابات الأمازون ومرتفعات الأنديز، وفي حلقة النار المعرضة للزلازل وثورات البراكين، أن الولايات المتحدة لن تتركه دون مشاغبات وتحرشات، فهو أعلن سابقا تعرضه وأفراد أسرته عدة مرات لتهديدات بالقتل في بلاده، فضلا عن تعرضه للاضطهاد من قبل المنظمات الأمنية التي كانت تديرها الحكومات السابقة.
المصدر: الجزيرة