كوارث واضطرابات وحروب وغيرها، كيف نتعامل مع صحتنا النفسية في ظل سيل الأخبار اليومية؟ – جولة الصحافة

في جولة الصحافة لهذا اليوم، نطالع مقالاً يتناول أهمية الصحة النفسية في ظل مشاهد الحروب والمآسي اليومية ولماذا لا تحظى بالاهتمام الكافي مقارنة بالصحة الجسدية، ثم ننتقل إلى نقاش حول الذكاء الاصطناعي وحقوق النشر: وإن كان يجب معاملته كالبشر؟ وأخيراً، نتوقف عند نقاشات في كوريا حول أزمة انخفاض الخصوبة وتداعياتها على الأمد البعيد.

نبدأ جولتنا من صحيفة يو إس إيه توداي، حيث كتب الدكتور جون وايت مقالاً تناول فيه تأثير السياسة والأحداث الجارية على الصحة النفسية للأفراد، مشيراً إلى أن الوتيرة المحمومة للأخبار اليومية، بما تتضمنه من تحديثات متكررة حول الكوارث الطبيعية، والاضطرابات الاقتصادية، والحروب في غزة وأوكرانيا، إلى جانب عودة إدارة ترامب والمشهد السياسي المشتعل في واشنطن كلها عوامل تسببت في ارتفاع مستويات القلق.

يرى وايت أن تطوير روتين يومي بسيط يمكن أن يُحدث تحولاً جذرياً في الصحة النفسية، سواء عبر ممارسة التأمل، أو كتابة مشاعر الامتنان، أو مجرد تخصيص وقت للتعامل مع العواطف.

ويُشدد على أن هذه ليست مجرد “عادات تبعث على الشعور بالراحة”، بل أثبتت الدراسات العلمية أن لها أثراً مباشراً في تحسين جودة الحياة.

ويُشدد وايت في مقاله على أن ممارسات العناية بالصحة النفسية لا تقتصر على من يعانون من اضطرابات نفسية، بل هي ضرورية لكل فرد.

“الذكاء الاصطناعي لا يقلد بل ينتج إبداعاً جديداً مشتقاً من المعرفة التي اكتسبها”

ومن صحيفة ذا هيل، نطالع مقالًا للكاتب نيكولاس كريل، يطرح فيه رأيه حول “إن كان يجب معاملة الذكاء الاصطناعي كما نعامل البشر عندما يتعلق الأمر بقوانين حقوق النشر؟”.

ويستهل كريل مقاله بالإشارة إلى الدعوى القضائية التي رفعتها صحيفة نيويورك تايمز ضد شركتي أوبن إيه آي ومايكروسوفت، والتي يرى فيها انتقاصاً في نظرتنا للإبداع والتعلم، ويقول إنه وبينما تتهم الصحيفة الشركتين بانتهاك حقوق النشر عبر استخدام محتواها لتدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي، يتجاهل هذا الاتهام، من وجهة نظر الكاتب، حقيقة أساسية: أن الذكاء الاصطناعي يتعلم بالطريقة نفسها التي نتعلم بها نحن البشر من خلال استيعاب المعرفة وتحويلها إلى شيء جديد.

ويضرب كريل مثالاً بالمبدعين البشريين، مشيراً إلى أن أي كاتب أو فنان أو موسيقي هو نتاج تراكمي لتأثيرات سابقة، “شخصيات مثل سوبرمان ووندر وومان وأكوامان ما كانت لتوجد لولا الأساطير الإغريقية القديمة إذ تستلهم هذه الشخصيات بوضوح من زيوس وأثينا وبوسيدون”.

بنفس المنطق، يوضح كريل أن نماذج اللغة الكبيرة لا تنسخ أو تُعيد إنتاج النصوص، بل تتعلّم من الأنماط والعلاقات الموجودة في كميات هائلة من البيانات، تماماً كما يفعل الروائي الذي يُطوّر أسلوبه الخاص بعد قراءة آلاف الكتب.

ويؤكد أن ما تنتجه هذه النماذج ليس تقليداً، بل إبداع جديد مشتق من المعرفة التي اكتسبها النظام.

ويعترف الكاتب بأن هناك من يرى في هذا انتهاكاً، باعتبار أن الشركات تستفيد من أعمال الآخرين دون مقابل، لكنه يرى أن هذا الرأي يُغفل التمييز بين الاستلهام والاستنساخ، مبيناً “كما لا يُتّهم كاتب تأثر بأسلوب روائي آخر بالسرقة الأدبية، لا يجب اتهام الذكاء الاصطناعي لمجرد إنتاجه نصوصاً تحمل طابعاً مشابهاً.

أما الحجة القائلة بأن الطابع التجاري للذكاء الاصطناعي يجعله مختلفاً عن التعلم البشري، فيردّ عليها كريل بأن الإبداع البشري نفسه لطالما خضع للاستغلال التجاري، من دور النشر التي تربح من مؤلفين بنوا أساليبهم على قراءة سابقة، إلى استوديوهات هوليوود التي تُعيد تدوير الحكايات التقليدية في قالب عصري.

ويؤكد كريل: أن حالات النسخ الحرفي التي قد تنتج عن الذكاء الاصطناعي غالباً ما تكون نتيجة توجيهات المستخدم، وليس بسبب النظام نفسه، ويرى أن تحميل الذكاء الاصطناعي مسؤولية ذلك يشبه تحميل المطرقة مسؤولية العنف إذا استُخدمت كسلاح، “الأداة بريئة، وسوء الاستخدام هو الاستثناء، لا القاعدة”.

وعلى الرغم من تفاؤله بقدرة أوبن إيه آي على الفوز في هذه المعركة القانونية، يشدد كريل على أن الحل لا يجب أن يُترك للمحاكم وحدها، ويطالب الكونغرس الأمريكي بالتدخل لتحديث قوانين حقوق النشر بما يتناسب مع التحولات الجذرية التي يشهدها العصر الرقمي.

“كوريا الجنوبية أصبحت معجزة لكن بدين ديموغرافي حان موعد سداده”

وفي مقالها المنشور بصحيفة كوريا هيرالد، تتناول الكاتبة لي كيونغ هي مفارقة بارزة في التجربة الكورية الجنوبية تقول فيها: دولة بدأت كمتلقية للمساعدات الدولية بعد الحرب، لتتحول لاحقاً إلى دولة مانحة، ويُشاد بتحولها إلى ثاني عشر أكبر اقتصاد في العالم بوصفه “معجزة”.

لكن هذه المعجزة، كما تؤكد الكاتبة، لم تكن دون مقابل، إذ تم دفعها بـ”دين ديموغرافي” بات موعد سداده قد حل، والفاتورة في تصاعد مستمر.

وتعتبر أن هذا الرقم يعكس بوضوح ما فاته المجتمع الكوري في اندفاعه المحموم نحو النمو، محذّرة من أن تراجع عدد المواليد سيقود إلى زيادة حادة في أعداد كبار السن ما لم تُتخذ خطوات جذرية.

وترى أن انخفاض الخصوبة ليس ظاهرة كورية فقط، بل هو اتجاه عالمي في الدول المتقدمة، إلا أن الحالة الكورية فريدة بصرامتها وقسوة ظروفها.

وتوضح بأن من تبعات هذه الظاهرة، أنْ بات الدخول إلى أفضل الجامعات والحصول على فرص عمل مرموقة يتطلب إنفاقاً كبيراً على الدروس الخصوصية، وهو ما يُثقل كاهل الأسر، ويزيد من الضغوط على الشباب.

وتُبرز الكاتبة كيف أن ثقافة التعليم التنافسي الشرس، وانعدام الأمان الوظيفي، والضغوط الاقتصادية، دفعت العديد من الشباب إلى التخلي عن فكرة الزواج وتكوين أسرة.

وتؤكد كيونغ هي أن النساء الشابات يواجهن تحديات مضاعفة؛ فعلى الرغم من تمتعهن بفرص تعليمية متساوية تقريباً، إلا أن الأمومة تُعد عائقاً كبيراً أمام تقدمهن المهني، والأسوأ من ذلك، كما تقول، أن مسؤولية التوفيق بين العمل والحياة الأسرية تقع بالكامل على كاهلهن في مجتمع لا يزال ذكورياً في بنيته الثقافية والاجتماعية.

وفي هذا السياق، تستشهد الكاتبة بعالم السكان البريطاني بول مورلاند، الذي كتب في كتابه “لم يتبق أحد” أن خسارة لغة وثقافة مثل الكورية ستكون مأساوية للعالم. وترى، كما يرى مورلاند، أن الحلول يجب أن تكون جريئة ومبتكرة، ومتنوعة حسب السياق الزمني والثقافي.

 

المصدر: BBC