في الماضي، كانت القهوة مرتبطة بزيادة المخاطر الصحية، لكن الأبحاث في العقد الماضي وجدت أن شرب القهوة قد يفيد الصحة بالفعل.
ويعد الكافيين من أكثر المواد المؤثرة على العقل شيوعاً في العالم، فالبشر يشربون القهوة، وهي مصدر طبيعي للكافيين، منذ قرون، لكن كانت هناك دراسات متضاربة حول تأثيرها على صحة الإنسان لعقود من الزمن.
يقول مارك غونتر، أستاذ علم الأوبئة السرطانية في إمبريال كوليدج لندن والرئيس السابق لقسم التغذية والتمثيل الغذائي في الوكالة الدولية لأبحاث السرطان (IARC): “لطالما كان يُنظر إلى القهوة على أنها شيء سيء”.
وجدت المزيد من الأبحاث أن القهوة قد يكون لها بالفعل تأثير وقائي، وأظهرت بعض الدراسات وجود ارتباط بين شرب القهوة وانخفاض خطر الإصابة ببعض أنواع السرطان لدى المرضى، على سبيل المثال.
وتتفق هذه النتائج مع أبحاث في أجزاء أخرى من العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة وأبحاث أحدث في المملكة المتحدة.
ويتحدث غونتر عن إجماع كاف عبر الدراسات الرصدية لتأكيد أن الأشخاص الذين يشربون ما يصل إلى أربعة أكواب من القهوة يوميًا يعانون من أمراض أقل مقارنة بأولئك الذين لا يشربون أياً منها.
قد تذهب الفائدة المحتملة للقهوة إلى أبعد من ذلك. فشاربو القهوة في دراسة غونتر كانوا أكثر عرضة للتدخين واتباع أنظمة غذائية غير صحية مقارنة بأولئك الذين لا يشربون القهوة.
ويشير ذلك إلى أنه: “إذا كانت القهوة تخفض خطر الإصابة بأمراض القلب والسرطان، فقد تكون أقوى مما نعتقد – فهي تتغلب على آثار السلوكيات غير الصحية”.
ووجدت الأبحاث أن القهوة منزوعة الكافيين تحتوي على كميات مماثلة من مضادات الأكسدة الموجودة في القهوة العادية.
ولم يجد غونتر في بحثه أي اختلافات بين صحة الأشخاص الذين يشربون القهوة التي تحتوي على الكافيين وتلك التي لا تحتوي على الكافيين، ما دفعه إلى استنتاج أن الفوائد الصحية المرتبطة بالقهوة ترجع إلى شيء آخر غير الكافيين.
لماذا لا نستطيع أن نعرف حقاً كيف تؤثر القهوة على صحتنا؟
استند كل هذا البحث إلى بيانات السكان، والتي لا تؤكد السبب والنتيجة.
ويقول: “يشير البعض إلى أنه قد يكون هناك تأثير وقائي، وهو أمر مثير للجدل إلى حد ما لأنه يعتمد على أدلة سكانية”.
وفي الوقت نفسه، غالباً ما يعاني الأشخاص الذين يستهلكون القهوة بانتظام من ارتفاع ضغط الدم، مما من شأنه أن يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية. لكن روجرز يقول إنه لا يوجد دليل على أن ارتفاع ضغط الدم الناتج عن شرب القهوة يرتبط بارتفاع خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.
الدراسة الصغيرة، التي أجراها مركز التغذية والتمارين والتمثيل الغذائي في جامعة باث في إنجلترا، نظرت في كيفية تأثير القهوة على استجابة الجسم للإفطار بعد ليلة نوم متقطعة.
وجدوا أن المشاركين الذين شربوا القهوة، ثم تناولوا مشروباً سكرياً بدلاً من الإفطار، زادت لديهم نسبة السكر في الدم بنسبة 50 في المئة، مقارنة بعدم احتساء القهوة قبل “الإفطار”.
ومع ذلك، يجب أن يحدث هذا النوع من السلوك بشكل متكرر بمرور الوقت حتى تتراكم المخاطر.
ويثير وضع الأشخاص في إعدادات مختبرية السؤال حول مدى صلة النتائج بالحياة الواقعية، ما يشير إلى أنه لا يمكن لأبحاث السكان أو المختبرات تقديم إجابات قاطعة حول كيفية تأثير القهوة على صحتنا.
هل يمكن أن يزيد شرب القهوة من خطر الإجهاض؟
وتعد النصائح المتعلقة باستهلاك القهوة المحتوية على الكافيين مربكة بشكل خاص أثناء الحمل، ووجدت مراجعة لدراسات أجريت عام 2022 وجود صلة بين استهلاك القهوة قبل وأثناء الحمل والإجهاض.
ويشير باحثون في دراسات السكان، إلى إمكانية وجود تفسيرات أخرى للعلاقة التي وجدوها بين استهلاك القهوة والإجهاض. فعلى سبيل المثال، يقولون إن التدخين مرتبط بتناول الكافيين، ومن المعروف أنه يزيد من خطر الإجهاض.
وأجرت إستر مايرز، أخصائية التغذية والرئيسة التنفيذية لشركة EF Myers Consulting، مراجعة لـ 380 دراسة وخلصت إلى أن أربعة أكواب من القهوة يومياً للبالغين، وثلاثة أكواب للنساء الحوامل، لا ينبغي أن تؤدي إلى أي آثار ضارة.
وخلصت مراجعة للدراسات السابقة إلى أن النساء الحوامل يجب أن يتوقفن عن تناول القهوة تماماً لتقليل خطر الإجهاض وانخفاض الوزن عند الولادة وولادة جنين ميت.
ووجدت إيميلي أوستر، الخبيرة الاقتصادية ومؤلفة كتاب “نتوقّع الأفضل”، الذي يستكشف البيانات حول توصيات الحمل، أن الإرشادات المتعلقة بالقهوة غير دقيقة.
“إن القلق الأكبر هو احتمال ارتباط استهلاك الكافيين بالإجهاض، وخاصة في الأشهر الثلاثة الأولى”، تقول أوستر.
وتضيف أوستر أن “النساء اللاتي يشربن القهوة أثناء الحمل من المرجح أن يكن أكبر سناً وأكثر عرضة للتدخين. نحن نعلم أن العمر واستهلاك التبغ مرتبطان سببياً بارتفاع معدلات الإجهاض”.
“المشكلة الثانية هي أن النساء اللاتي يشعرن بالغثيان في بداية الحمل أقل عرضة للإجهاض. كما تتجنب هؤلاء النساء القهوة، فهي من الأشياء التي تزعج إذا كنت تشعر بالغثيان بالفعل، لذا فإن العديد من النساء اللاتي يشعرن بالغثيان ولا يستهلكن القهوة أقل عرضة للإجهاض”.
“تناول من كوبين إلى أربعة أكواب من القهوة يومياً لا يبدو أنه مرتبط بزيادة خطر الإجهاض”، وفق أوستر.
ماذا بشأن إدمان الكافيين؟
بصرف النظر عن التأثيرات المحتملة للقهوة على صحة القلب والسرطان والإجهاض، فهناك أيضاً تأثير على الدماغ والجهاز العصبي. فالكافيين هو عقار ذو تأثير نفسي، ما يعني أنه يؤثر على الإدراك.
بين عموم السكان، يمكن لبعض الناس شرب القهوة المحتوية على الكافيين طوال اليوم، في حين يشعر آخرون بالقلق بعد تناول كوب واحد.