لماذا ينادينا الماضي؟ عن النوستالجيا والحنين الذي لا يرحل

يقول أحمد خالد توفيق: “لو عاش الإنسان مئتي عام لجن من فرط الحنين إلى أشياء لم يعد لها مكان” (أحمد خالد توفيق).

“النوستالجيا” مأساة كثيرين في العالم… كلمة لم تعد غريبة، بل أصبحت مألوفة إلى الحد الذي يجعلك تعرفها كما تعرف نفسك؛ لأنك تعيشها بالفعل، وليس منذ عام أو اثنين، بل تعيشها منذ زمن طويل. ولكن السؤال هنا: أتمر عليك هذه الكلمة من حين لآخر، أم إنها تلازمك في كل حين، وتقلب عليك أوجاع الحنين؟

لماذا نحب الماضي حتى لو كان مريرا؟ لماذا نشتاق أحيانا إلى زمن لم نعرف عنه شيئا؟ لماذا نحاول إعادة هذا الماضي؟ ولماذا نلجأ إليه ونضع أنفسنا في سجن ذكرياته بكامل رغبتنا؟

من المعروف أن النوستالجيا هي الحنين إلى الماضي، لزمن قد عاصرته في سن مبكرة، أو ربما لم تعاصره لكنك رأيت وسمعت عنه الكثير، ربما من العائلة أو من التلفاز أو حتى من صورة قديمة معلقة على أحد جدران المنزل. وبشكل أو بآخر تجد نفسك في حالة من الهيام والحنين الشديد لزمن لم يعد في الوجود، لأشخاص لم يبقَ سوى طيفهم، لبيوت رحل كل من كان فيها وأنت منهم، ولم يبقها الزمان كما كانت.

ربما تشتاق لطفولتك، لبيتك القديم، لألعابك الصغيرة، لصورة العائلة التي تشع سعادة وأملا، وتبث فيك شعورا بالأمان قبل أن تتلاشى وتغدو رمادا لذكريات مضت.

وربما تشتاق لأصدقاء الطفولة والصبا، ولتلك الصداقة البريئة والأحلام العظيمة… النوستالجيا هي الماضي بكل ما يحمل من سعادة وهناء أو ألم وشقاء، وفي كل الأحوال سيعتصرك الألم من كثرة الحنين، فهل سألت نفسك لماذا؟

لماذا نحب الماضي حتى لو كان مريرا؟ لماذا نشتاق أحيانا إلى زمن لم نعرف عنه شيئا؟ لماذا نحاول إعادة هذا الماضي؟ ولماذا نلجأ إليه ونضع أنفسنا في سجن ذكرياته بكامل رغبتنا؟ لماذا نحب كل ما يذكرنا به من شوارع وبيوت وأشخاص؟ لماذا لا نمله؟ ولماذا نتعلق به بكل حب ونسترجع ذكرياته، حتى لو جعلتنا نبكي الليل بأكمله لما تثيره فينا من شوق وحنين؟

إعلان

“ليلاتي في الميعاد ده

ينعاد عمري اللي عدّى

وألقى الماضي اللي عدّى

على الحاضر يستعدى”

كنا أكثر ترابطا وحبا في علاقاتنا مع العائلة والأصدقاء ومع الحياة نفسها، كانت الروابط قوية عصية على التفكك

شريط من الذكريات والحنين، والألم والسعادة الخاطفة، يمر علينا في كل ليلة حين نخلو بأنفسنا؛ ليهاجمنا الماضي بكل ما أوتي من قوة وقساوة كأنه يعتدي على الحاضر، ليذكرنا بما مضى. والغريب في الأمر أننا نستقبله في كل مرة دون أن نصده، رغم علمنا بما سيفعله وبما ستؤول إليه الأمور.

وعندما نتساءل: لماذا؟ تأتي الإجابات تباعا لتجيب عن كل ما سبق بمنتهى السهولة والصراحة اللاذعة، معلنة أننا نشتاق لماضينا، ونسجن أنفسنا في ذكرياته، لا لشيء سوى أنه كان أفضل من الحاضر، ولأننا فيه كنا أكثر براءة وخفة، مفعمين بالحياة، حالمين وآملين في مستقبل جميل لم يأتِ أبدا.

كنا أكثر ترابطا وحبا في علاقاتنا مع العائلة والأصدقاء ومع الحياة نفسها، كانت الروابط قوية عصية على التفكك. أما الآن، فإننا نجد أنفسنا غرباء في هذا العالم الغريب، الذي لم تبقَ فيه إنسانية أو حب، كل شيء فيه مفكك، سريع، بلا جدوى، كل شيء فيه بثمن. لم نحلم يوما أن نعيش في عالم كهذا؛ فهل ثم من جيل سيقبل أو مضى، يبادلنا أعمارنا ونبادله؟

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

 

المصدر: الجزيرة