“هل طفلك متنمر؟” ربما يجمع أولياء الأمور على أن الإجابة بنعم لن تكون بالأمر السهل. تحضر الأمهاتُ في الواجهة في هذا الأمر. إذ تظهر”جروب الماميز” (مجموعات التواصل والتشارك بين أمهات التلاميذ) الأمهات بوصفهن في الأغلب حائط الصد الأول في تلقي الاتهام الموجع .
قضية التنمر المدرسي لا تزال عصية على الحل، ووفق تقديرات منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونسيف) فإن هناك 130 مليون طالب في جميع أنحاء العالم يتعرضون للتنمر، وهو ما يلحق بهم الكثير من الأضرار قد تصل إلى حد الانتحار.
وبجانب ضحايا التنمر من الأطفال، فإن هناك جانباً من القصة يبدو أنه لم يُدرس بشكل كافٍ، ألا وهو المتعلق بالأطفال الذين يُتهمون بممارسة التنمر وتبعات ذلك عليهم وعلى ذويهم.
تنمر أم طاقة زائدة؟
نظراً لحاجة طفليها لإشراف كامل، اضطرت تلك الأم للتخلي عن وظيفتها لكن “مع أي هفوة، كان يتم اصطيادي وتتزاحم الأمهات حولي بشكل يشعرك بتقصير وبأنك من نقلت تلك السلوكيات المزعجة إلى ابنك.
وأضافت “ثقافة إدارة الخطأ مهمة وأعلم أن هناك فئة من الأهل تشجع أطفالها على البلطجة لكن هذا ليس دأب الجميع. لو أن العالم ينصت من دون إصدار أحكام مسبقة لتغير الكثير.”
أدوار مفقودة
طالبت بتضافر الجهود الدعوية والتربوية على هذا الصعيد وبالارتقاء بوظيفة الأخصائي الاجتماعي” الجوهرية” في مجتمع التعليم باعتماد معايير صارمة. “لم أجد من يأخذ بيدي وسط حيرتي. لم أتعامل إلا مع مسميات وظيفية بدون قدرة فعلية على التقييم والمعالجة وتعامل كوادرها باحترافية، وبحس الواجب دون استهتار أو مصالح جانبية “.
غلاظة أم تنمر؟
من مصر إلى بريطانيا، وعلى إحدى منتديات دردشة الأمهات “نات مامز” بثت إحداهن شكوى بخصوص تصرفات ابنها الذي يبلغ من العمر أقل من أربع سنوات. تقول إنه لطيف في المنزل، لكن ما أن يكون مع نظرائه يبدأ في جذبهم ودفعهم دون إصغاء للتوجيه، ويبدأ بالضحك مستهزئاً. لم يفلح التقويم والتحفيز السلوكي المنزلي في احتوائه، فالصغار بطبعهم يحبذون العناد والتلاعب، مما جعل زملاءه يرفضون مشاركته اللعب لاحقاً. أما مسؤولو الروضة، فهم وبعدما أبدوا تفهماً واستعداداً للتعاون، راحوا يتذمرون مع غياب ما يضمن تحسناً قريباً لسلوكه. فجاءت الأم تتساءل عما إذا كان لديها متنمرٌ كامن سيهاجمُ الجميع؟
تقول عكيدي إن السلوكيات الفظة والشقاوة واردة بدون شك عند الأطفال، لكن ما يصنع الفرق بينها وبين التنمر هي أنها تكون صادرة عن جهل أو بعفوية. أما المتنمر على حسب تقديرها فيكون عدوانه مدبراً لا يخلو من نوايا بغيضة؛ بشكل يمكن ملاحظتهُ من قبل الراشدين كأن يتعمد الفعل المهين، أو التهديد، أو الانتهاك، أو الإذلال جسدياً أو لفظياً، أو حتى الإقصاء للطرف المقابل على سبيل المثال لا الحصر.
وتشير أيضاً إلى عوامل أخرى منها أن المتنمر يطغى عليه حبُ الظهور بمظهر صاحب السلطة، ولديه نزعة إخضاع وسيطرة واستئساد واستغلال نقاط الضعف وترصد وتحقير البسطاء، وهو ما لا يحصل في شغب الأطفال كما نألفه.
“إن وجود القرار المسبق مع الدراية الكاملة بمخالفاته التي تنطوي على ضرر فادح يظل عاملاً حاسماً في اكتشاف المتنمر” حسبما صرحت عكيدي لبي بي سي. كما وتوصي الأسر بعدم تشجيع الطفل على دفع السوء بالسوء والتركيز في المقابل على تفعيل مجموعة من الأدوات والمهارات وتعلم التنظيم الانفعالي لاستقبال الاعتداء وقت حدوثه، والتعامل بوعي للدفاع عن النفس وحل المشكلات أو الإبلاغ عنها دون إغفال أهمية استعادة الثقة والأمان.
جمود التفسير
رغم أن الحديث عن التنمر المدرسي منتشر بشكل كبير، إلا أن الواقع يبدو أكثر مأساوية.
كل أولياء الأمور قد ينخلع قلبهم بتلك المشاهد المأساوية. لكن المتنمرين لديهم آباء وأمهات أيضاً، وقد يصعق بعضهم بدورهم مما يقدم عليه أبناؤهم.
ووجد استطلاع أجرته (بي بي سي) أن ما يقرب من واحد من كل خمسة مدرسين في إنجلترا تعرض للضرب من قبل أحد التلاميذ هذا العام. وربما الأطفال الأكبر سناً على ما يبدو لا يستوعبون تماماً أن جسمهم بمقاييسه الجديدة إن استعملوه في الضرب والمضايقة كما كانوا صغاراً، سيكون الأمر جللاً. ووجد الباحثون في السنوات الأخيرة أن المراهقين اليوم يتمادون في السلوك الطفولي أكثر من أي وقت مضى.
تدعو ماريا عكيدي، المختصة بتنمية الطفل إلى عدم التعويل على تفسير وحيد للتنمر المدرسي “كفانا تفسيرات جامدة صلبة. اعتمدنا لوقت طويل على تصور واحد متكرر وهو أن ممارسة الطفل التنمر يعود لنمط تربيته غير الصحي. فالبيت الطرف الخاسر للتعاطف في المشهد لكن يجب أن نودع ذلك لأن لكل حالة ظروفها”.
” ليس وراء كل طفل مشاغب أسرة أرادت صناعة “متنمر”. لقد خرجت ذريةٌ فاسدة من صلب الأنبياء، وقد ينجم السلوك غير الصحي ليس عن بيت سيء مهمل، بل بيئة معادية ومؤثرات خارجية شتى والمدرسة قد تكون أحدها، نحن لا نعيش في دائرة من الأخلاق الحميدة.”
“من هم في طور الطفولة يطيب لهم كذلك محاكاة السلوكيات التي يراقبونها في حياتهم اليومية أو عبر الوسائط المتعددة وأجيالُ القصر الحالية لم يعد البيت نافذتها الوحيدة وتحاول بناء شخصية بعيداً عن سلطة المنزل”.
” يتعين معالجة الظروف التي يزدهر فيها التنمر مما يتطلب تماسكاً مجتمعياً ومسؤولية لا تستثني أحداً. أدعو لأن لا ننحي الصفة الإنسانية جانباً والحل ليس في مهاجمة بعضنا بعضاً”.
ويصنف معهد أبحاث الطفل في أستراليا التنمر مشكلةً لا ترتبط بالاختلالات السلوكية فحسب بل والعضوية.
مزاح مراهقين أم تنمر سيبراني؟
وجدت تلك الأم، وهي مهاجرة تعيش في بريطانيا وفضلت إخفاء هويتها، في أحد أيام فبراير شباط الماضي رسالة طويلة على هاتفها من إحدى الأمهات زعمت فيها تلك الأخيرة أن ابنها يتلقى عبر قناته على يوتيوب “سخافات لاذعة” وتعليقات بـ”لغة متنمرة” من نجل الأولى ويضع جانبها شعار “الجماجم 💀” مؤكدة أنه يتحرش بابنها ويتعقبه من حساب مجهول.
الطفلان كانا يدرسان في نفس المنشأة بالمرحلة الابتدائية دون أي منغصات ثم ألحقا بمنشأتين منفصلتين وهما على عتبة الثانوية لكن كان مازال هناك ما يجمعهما، الشبكة الإلكترونية الداخلية بالمدرسة. “للأسف نشر الابن على تلك الشبكة ما يدينه، إذ دون تعليقاته نفسها التي يراها فكاهية حتى بحق إحدى المعلمات.
“داخلي ظل صوت يردد أعلم أنك تريدين سحق ابني وأنا أيضاً أعاني بالمناسبة لكنني استحق بعض الأسى فلم أربه ليكون متنمراً! ثم دخلت في محادثة طويلة مع ابني وكانت المفاجأة”.
“إنه يجهل مآلات فعلته وعندما علم انهار وجزع وقد كان يحسب الأمر مجرد مزاح ثقيل بين زميل دراسة بدأه الاثنان في الصغر وأخذ مجراه مع تقدم عمرهما والقدرة على الحيلة واللهو على الإنترنت”.
عن تعاملها مع الأم الأخرى ردت “رغم توبيخي لإبني، لم استحسن فكرة المجاهرة بالاعتذار وإلا كان أقر بديهياً بذنب التنمر، آثرت التكتّم”.
تابعت ” لكنني أخذت على عاتقي معالجة الأمر ولم أتركه هكذا. أتفهم ذعرها بسبب ما نسمعه عن حوادث التنمر المؤلمة، لذا تجنبت تبادل الجدال معها لكنني توصلت لرد مقبول ليس على الفور. ترويت حتى لا يتسلل توتري إليها فتتضخم شحنة معاناتها وهي لا تريد إلا من يسمعها أن الأمور تحت السيطرة ” .