انتشرت مزاعم على منصات التواصل الاجتماعي خلال الأيام الأخيرة تشير إلى أن الجيش السوداني شرع في تجنيد النساء لقتال قوات الدعم السريع التي سيطرت على مدينة الفاشر آخر معقل رئيسي للجيش في إقليم دارفور في 26 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وحظيت المعلومة بتداول واسع، مرفقة بمقطع فيديو يظهر أحد القياديين بزي عسكري وهو يتحدث أمام حشد من النساء، منتقدا الأصوات التي “ترفض حمل المرأة السودانية للسلاح والدفاع عن نفسها في ظل الحرب، رغم مطالبتها بالمساواة في مجالات أخرى مثل العمل واللباس”.
اقرأ أيضا
list of 2 items
end of list
ونشرت حسابات موثقة على منصة “إكس” وأخرى على “فيسبوك” المقطع ذاته مؤخرا، تحت عنوان: “الجيش السوداني يُجند النساء للدفاع عن أنفسهن”.
حسابات يمنية
ولاحظ فريق “الجزيرة تحقق” أن رواية تجنيد النساء بدأ الترويج لها من حسابات تعود لناشطين يمنيين منذ مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، ولعبت دورا في توسيع انتشارها على المنصات الرقمية.
الجيش السوداني يبدء في تجنيد النساء للدفاع عن أنفسهن ضد ميليشيات الدعم السريع .#السودان pic.twitter.com/GFa30En3cu
— أحداث مأرب (@Marib_events) November 3, 2025
الجيش السوداني يُجند النساء للدفاع عن أنفسهن. pic.twitter.com/Bms5WEwUah
— راشد معروف (@RashidMaarouf) November 3, 2025
الحقيقة
ومن خلال تتبع الحسابات والصفحات الرسمية للقوات المسلحة السودانية، لم نجد حديثا ما يؤكد صحة هذه الادعاءات، مما دفع فريقنا إلى إجراء بحث عكسي للفيديو المتداول.
وأظهرت النتائج أن هذه المزاعم استندت إلى مقطع فيديو قديم، إذ نشر أولا على حساب الناشط والحقوقي السوداني ناجي مصطفى على فيسبوك بتاريخ 11 أغسطس/آب 2024، بعنوان: “المرأة في حلفا الجديدة كانت هي أعظم الدفاعات والثبات”.
وبتحليل المواد البصرية للفيديو، تبين أن السياق المنشور مضلل، إذ يظهر ناجي مصطفى في المقطع بصفته قياديا في المقاومة الشعبية وليس بالجيش السوداني.
ويظهر في الفيديو، لافتة معلقة تؤكد أن الحدث أقيم في سبتمبر/أيلول 2023 في مدينة حلفا الجديدة بولاية كسلا شرقي السودان خلال مبادرة نسائية لدعم القوات المسلحة بالولاية، ولا علاقة له بالتحركات العسكرية الأخيرة في الفاشر أو غيرها.

وتنشط في عدد من الولايات السودانية لجان يشارك فيها من يعرفن باسم “المستنفرات”، وتهدف إلى إسناد المقاتلين في الصفوف الأمامية بالجيش، من خلال تسيير القوافل الغذائية وتوفير مستلزمات القتال وتوزيع الوجبات على الجرحى ودعم النازحين عبر تبرعات عينية ومادية.
ميارم الفاشر
وخلال الحرب الدائرة، برزت مشاركات نسائية في المعارك بمدينة الفاشر بولاية شمال دارفور، حيث ظهرت سودانيات اشتهرن باسم “ميارم (سيدات) الفاشر” في مقاطع مصورة خلال السنوات الأخيرة وهن يحملن السلاح إلى جانب قوات الجيش وحركات الكفاح المسلح، دفاعا عن مدينتهن وممتلكاتهن أمام هجمات قوات الدعم السريع.
وتعد المراسلة الحربية الرقيب أول آسيا الخليفة من أبرز النساء اللواتي لعبن دورا محوريا في الدفاع عن الفاشر، إذ أصبحت رمزا لمشاركة النساء في القتال ضد قوات الدعم السريع، وصرحت سابقا بأن “النساء في السودان لا يقبلن دور الضحايا، بل يشاركن بفاعلية في مختلف مجالات الحياة”، مشيدة بالسودانيات اللواتي يعملن ضمن صفوف الجيش في مجالات الإسعاف والإمداد الطبي.
أخطار
وقالت هيئة الأمم المتحدة للمرأة، إن الصراع في السودان والأزمة الإنسانية الناتجة عنه كان لهما تأثير كارثي خاص على النساء والفتيات، حيث يواجهن الجوع والنزوح ونقصا في الخدمات والإمدادات الأساسية، في حين تضاعف العنف القائم على النوع الاجتماعي.
وأشار تقرير صادر في سبتمبر/أيلول 2024 عن الهيئة أن العنف المستمر، وخاصة في الخرطوم ودارفور وكردفان، أدى إلى تفاقم الأخطار التي تواجهها النساء والفتيات، وسط تزايد التقارير عن حالات عنف واستغلال واعتداءات جنسية مرتبطة بالصراع.
وفي حين أدت الحرب في السودان إلى أكبر أزمة نزوح داخلي في العالم منذ الصراع السوري عام 2011، تتعرض النساء والفتيات النازحات داخليا -والبالغ عددهن 5.8 ملايين امرأة وفتاة- للخطر بشكل خاص، حيث لا يتم الإبلاغ عن العديد من حالات الإساءة بسبب الافتقار إلى الدعم الكافي والخوف من الوصمة والانتقام.
ويشهد السودان حربا بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ أبريل/نيسان 2023 أدت إلى مقتل عشرات الآلاف ونزوح نحو 13 مليون شخص، فضلا عن تفاقم أزمة إنسانية توصف بأنها من الأسوأ عالميا.
المصدر: الجزيرة