ولد محمد علي الشيرازي، المعروف بلقب “الباب”، في الأول من محرم عام 1235هـ الموافق 20 أكتوبر/تشرين الأول 1819. وقد دعا إلى ديانة جديدة بشّر فيها بقدوم رسول إلهي قريب، مؤكداً استمرار الرسالات السماوية، وأنه واحد في سلسلة الرسل التي تضم موسى والمسيح ومحمد.
تعرّض الباب وأتباعه لاضطهاد شديد من السلطات القاجارية في بلاد فارس (إيران الحالية).ووفقاً للنصوص التاريخية، بدأ الباب دعوته بمجموعة صغيرة من 18 شخصاً أطلق عليهم البهائيون لاحقاً اسم “حروف الحي”، وقد تولى هؤلاء نشر تعاليمه في مناطق مختلفة من إيران وصولاً إلى العراق، مبشرين بقدوم عصر جديد من الوحي الإلهي.
واستمرت دعوته نحو ست سنوات، وأثارت نشاطاته قلق السلطات السياسية والدينية، التي اعتقلته أكثر من مرة بسبب نشاطه الدعوي، في ظل تصاعد التوتر بين الحركة البابية والنظام الحاكم آنذاك.
وتقع الأضرحة البهائية الثلاثة اليوم في إسرائيل الحالية، وهي ضريح الباب على سفح جبل الكرمل في حيفا، وضريح بهاء الله في عكا، وضريح نجله عبد البهاء في المدينة نفسها.
وجاء إعلان رسالته في سياق سياسي معقد، إذ نفي من فارس إلى الدولة العثمانية بسبب ملاحقة السلطات له. بدأ نفيه إلى بغداد، ثم إلى القسطنطينية (إسطنبول)، فإلى أدرنة، وأخيراً إلى مدينة عكا في فلسطين العثمانية، حيث أقام حتى وفاته عام 1892.
وخلال سنوات نفيه، ألّف بهاء الله عدداً كبيراً من الألواح والكتب التي أصبحت أساس العقيدة البهائية، ومن أبرزها “الكتاب الأقدس”، الذي يعد النص التشريعي الرئيسي في الديانة البهائية.
وبعد وفاته، انتقلت القيادة الروحية إلى ابنه عباس أفندي، المعروف باسم “عبد البهاء”، الذي شرح تعاليم والده وساهم في نشرها في الغرب. وخلال رحلاته إلى أوروبا والولايات المتحدة في مطلع القرن العشرين، قدّم عبد البهاء الدين البهائي كرسالة عالمية تدعو إلى وحدة الأديان والتقارب بين الشعوب.
وعقب وفاته عام 1921، تولى حفيده شوقي أفندي قيادة المجتمع البهائي، فعمل على تطويره نحو تنظيم مؤسسي حديث، وأرسى القواعد الإدارية التي يقوم عليها النظام البهائي العالمي المعمول به اليوم.
ويتألف البيت العدل الأعظم من تسعة أعضاء ينتخبون كل خمس سنوات من قبل ممثلي المحافل الوطنية حول العالم، ويتولى هذا المجلس الإشراف على شؤون البهائيين عالمياً، وتوجيه جهودهم نحو تحقيق أهداف الدين الروحية والاجتماعية.
المعتقدات
تقوم العقيدة البهائية على الإيمان بأن بهاء الله، ومبشّره الذي سبقه المعروف بلقب “الباب”، هما تجليان لذات إلهية واحدة، وأن جوهر الله لا يمكن للعقل البشري أن يدركه إدراكاً كاملاً.
وفي الجانب اللاهوتي، يؤمن البهائيون بإله واحد لا يدرك كنهه، لكن يمكن التعرف إلى صفاته من خلال ما يعرف بـ”التجليات الإلهية”، أي الأنبياء والرسل الذين يظهرون في مراحل مختلفة من التاريخ بحسب حاجة البشرية. وترى العقيدة البهائية أن الوحي عملية مستمرة، تتطور مع نضج الإنسان عبر العصور، بحيث تعد كل رسالة سماوية امتداداً لما سبقها وتحديثاً لاحتياجات الزمن.
ويعتقد البهائيون أن المهمة الخاصة لبهاء الله كانت السعي إلى إزالة الانقسام بين الأديان وتأسيس إيمان عالمي موحّد يجمع البشر كافة. كما يؤمنون بوحدة الجنس البشري، ويعملون من أجل القضاء على أشكال التمييز العرقي والطبقي والديني، والدعوة إلى تحقيق السلام العالمي.
المساواة والسلام
وتوضح الكتابات البهائية أن الهدف النهائي للدين هو تحقيق السلام العالمي وتوحيد الإنسانية في نظام اجتماعي عادل. ويرى البهائيون، بحسب دائرة المعارف البريطانية، أن البشرية تمرّ حالياً بمرحلة انتقالية من الطفولة إلى النضج، وأن الصراعات والحروب تمثل جزءاً مؤلماً لكنه ضروري من عملية التطور نحو وحدة العالم. وتنظر البهائية إلى التاريخ برؤية تفاؤلية تعتبر أن المستقبل سيشهد توحيد البشر على أسس العدالة والمحبة.
ولا تعرف الديانة البهائية نظام الكهنوت أو رجال الدين، إذ لا توجد فيها طبقة دينية تفصل الإنسان عن ربّه، بل يقوم تنظيمها على مؤسسات إدارية منتخبة محلياً ووطنياً ودولياً. ويركّز الجزء الأكبر من تعاليمها على الأخلاق الاجتماعية وبناء المجتمع على أساس التعاون والمسؤولية الفردية.
وفي مجال السلوك الفردي، تدعو البهائية إلى تهذيب النفس وخدمة المجتمع، وتشجع على الصدق والأمانة والتسامح والعمل الجاد واحترام القوانين، كما تحظر الكحول والمخدرات والقمار. وتولي الأسرة مكانة مركزية باعتبارها نواة المجتمع، وتشجع على الزواج الأحادي القائم على المودة والتفاهم، فيما لا يُسمح بالطلاق إلا في ظروف خاصة وبعد مرور عام كامل من محاولة المصالحة.
التشاور
كما تؤكد الديانة البهائية على مبدأ التشاور في اتخاذ القرارات، سواء على المستوى الفردي أو الجماعي، فالتشاور يعدّ وسيلة للوصول إلى الحقيقة بطريقة جماعية بعيداً عن التعصب، ويُمارس هذا المبدأ في جميع المؤسسات البهائية، من المحافل المحلية إلى البيت العدل الأعظم.
ومن الجدير بالذكر أن البهائية ترفض ممارسة السياسة الحزبية أو التدخل في الصراعات السياسية، لكنها تشجع المشاركة الإيجابية في خدمة المجتمع والعمل من أجل السلام والعدالة، ويعتبر البهائيون أنفسهم ملتزمين بطاعة الحكومات التي يعيشون تحت سلطتها، ما دامت لا تتعارض مع تعاليم دينهم.
وعلى حدّ تعبير مؤسسها، فإن الديانة البهائية هي دعوة إلى بناء عالم جديد يقوم على المحبة والوحدة، لا على التفرقة والصراع، فهي تسعى إلى تجاوز الحدود القومية والطائفية والعرقية التي مزّقت البشرية عبر التاريخ، وتؤكد أن الإنسانية عائلة واحدة لا يمكنها البقاء إلا بالتعاون المتبادل والعدالة الاجتماعية، ومن هذا المنظور، تعدّ البهائية مشروعاً روحياً واجتماعياً في آنٍ واحد، يجمع بين القيم الدينية والمبادئ الإنسانية الحديثة.
أما الشعائر البهائية فهي بسيطة مقارنة بديانات أخرى إذ تعتبر الصلاة في الديانة البهائية وسيلة للتواصل المباشر مع الله، وهي من أهم أركان العبادة الفردية، ويُطلب من كل بالغ بهائي أداء إحدى الصلوات اليومية الثلاث: القصيرة، أو المتوسطة، أو الطويلة، ويمكن اختيار أي واحدة لأدائها يومياً.
وتؤدى الصلوات جماعياً خلال المناسبات البهائية والأعياد، مع حرية التعبير الروحي للفرد، دون وجود كهنوت أو طقوس إلزامية، مما يعكس طبيعة البهائية البسيطة في العبادة.
وتركز الصلاة البهائية على الروحانية العملية وتقوية الأخلاق، مثل الصدق والخدمة للآخرين، وتتميز بالمرونة، إذ يمكن أداؤها في أي مكان، سواء في المنزل أو في المعابد البهائية أو في الطبيعة، دون الحاجة لأدوات أو شعائر خاصة.
ويرى البهائيون أيضاً أن الحقيقة الدينية ليست جامدة، وأن التقدم العلمي والمعرفي لا يتعارض مع الدين، بل إن كليهما وسيلتان لمعرفة الحقيقة، ولذلك تشجع التعاليم البهائية على التعليم، والبحث العلمي، وتطوير الفنون والعلوم، واعتبار العلم والدين جناحين لطائر واحد هو الإنسان، لا يمكنه أن يطير بأحدهما دون الآخر.
ومن الجوانب البارزة في الفكر البهائي كذلك فكرة الوحدة العالمية، فبهاء الله دعا إلى إقامة نظام عالمي قائم على العدالة والسلام الدائم، وإلغاء الحروب والنزاعات، وإنشاء محكمة دولية للفصل بين الدول، وتبني لغة عالمية تُستخدم إلى جانب اللغات الوطنية لتسهيل التواصل بين الشعوب، وقد اعتبر البهائيون هذه المبادئ رؤية مبكرة لما يُعرف اليوم بفكرة الأمم المتحدة.
البهائيون
من الناحية العددية، يقدّر عدد أتباع الديانة البهائية اليوم بما يتراوح بين 5 إلى 6 ملايين شخص موزعين في أكثر من 200 دولة ومنطقة حول العالم، مما يجعلها من أكثر الديانات انتشاراً جغرافياً بعد المسيحية.
وتوجد أكبر التجمعات البهائية في الهند وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، إضافة إلى وجود معتبر في الولايات المتحدة وكندا.