ما هي تأثيرات دخان حرائق الغابات على المدى البعيد، وكيف تحمي نفسك؟

يمكن للهواء الذي نتنفسه أن يكون له تأثيرات عميقة على صحتنا الجسدية والعقلية. فهل هناك أي وسيلة لحماية نفسك من هذه المشكلة المنتشرة؟

يتعرض كل سكان العالم، باستثناء 1 في العالم منهم، لهواء غير صحي يتجاوز الحدود التي وضعتها منظمة الصحة العالمية للملوثات.

وفي أجزاء من العالم، تحسنت جودة الهواء بسرعة من خلال سياسات تهدف إلى الحد من التلوث، ولكن في أماكن أخرى، أصبحت المكاسب التي تحققت في جودة الهواء معرضة لخطر الضياع.

يتعرض أكثر من 25 في المئة من سكان الولايات المتحدة للهواء الذي تعتبره وكالة حماية البيئة “غير صحي”، وفقاً لتقرير صادر عن مؤسسة فيرست ستريت غير الربحية المعنية بالمناخ .

في عام 2023، شهدت أجزاء كبيرة من الولايات المتحدة انخفاضات كبيرة في جودة الهواء والرؤية حيث تصاعد الدخان من حرائق الغابات شمال الحدود الكندية عبر القارة.

وشهدت كندا عدداً قياسياً من حرائق الغابات في عام 2023، حيث تجاوزت مساحة الأرض المحترقة أي موسم سابق.

وغطت أعمدة الدخان مناطق كبيرة من كندا وهبت جنوباً إلى الغرب الأوسط العلوي من الولايات المتحدة ، ما أثار تحذيرات صحية.

ومع توقع أن يؤدي تغير المناخ إلى زيادة خطر اندلاع حرائق الغابات في جميع أنحاء العالم ، فمن المرجح أن تستمر جودة الهواء كذلك في التأثر.

إن الأشخاص الذين يعانون من مشاكل تنفسية والأطفال حديثي الولادة الذين لا تزال رئاتهم في طور النمو هم الأكثر تأثراً بدخان حرائق الغابات.

ومع تزايد شدّة حرائق الغابات بسبب تغير المناخ، إليكم بعض الطرق العميقة وغير المتوقعة التي يؤثر بها تلوث الهواء على أجسامنا، وما يمكننا فعله لتقليل التعرض له.

لا تشكل حرائق الغابات مشكلة محلية للأشخاص الذين يعيشون بالقرب من الغابات والأراضي العشبية والمستنقعات فحسب، بل إنها ترسل أعمدة من الدخان تصل إلى 23 كيلومتراً في طبقة الستراتوسفير، ومن هناك تنتشر في جميع أنحاء العالم.

في عام 2023، أطلقت حرائق الغابات في سيبيريا التي غذتها درجات الحرارة الدافئة بشكل غير عادي دخاناً سافر عبر المحيط الهادئ ليصل إلى ألاسكا وسياتل .

تعتمد المخاطر الصحية المرتبطة بتلوث الهواء الناجم عن حرائق الغابات جزئياً على ما يحترق، ففي سيبيريا عام 2020، اشتعلت الغابات الشمالية الراتنجية والمستنقعات، ما أدى إلى إطلاق كميات قياسية من الملوثات، بما في ذلك مستويات مرتفعة من الزئبق.

ومن بين الملوثات الشائعة التي تنبعث من حرائق الغابات، الجسيمات الدقيقة PM2.5، التي يبلغ قطرها 2.5 ميكرومتر أو أقل، والتي ترتبط بحالات مرضية تنفسية.

ما مدى سوء جودة الهواء بعد حرائق لوس أنجلوس؟

طُلب من سكان لوس أنجلوس البقاء في منازلهم وتجنب استنشاق الدخان حيث اندلع أكبر حريق غابات في تاريخ الولايات المتحدة عبر المدينة في يناير/كانون الثاني 2025.

بعد يومين من اندلاع الحرائق، بلغت مستويات الجسيمات الخطرة (PM2.5) ذروتها عند 42 ميكروغرام / متر مكعب، وهو ما يقرب من ثلاثة أضعاف ما حددته منظمة الصحة العالمية وهي 15 ميكروغراماً لكل متر مكعب، ما غطى سماء المدينة بالدخان الكثيف.

يقول أثاناسيوس نينيس، الكيميائي الجوي في المعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا في لوزان، لبي بي سي: “حتى لو كان شخص ما بعيداً عن مصدر الحريق، فإنه لا يزال من الممكن أن يعاني من نتائج صحية سلبية من استنشاق الدخان المخفف والمؤكسد للغاية”.

كيف يؤثر تلوث الهواء على دماغك؟

هناك أدلة متزايدة على أن تلوث الهواء لا يؤثر على صحتنا الجسدية فحسب، بل يؤثر أيضاً على صحتنا العقلية، وقد ارتبط بضعف الحُكم، والأداء في المدرسة، وحتى ارتفاع مستويات الجريمة، ويشير الباحثون في ذلك إلى التعرض المطول للملوثات مثل PM2.5.

وهذه المناطق تعاني من مشكلات أخرى تؤثر على الصحة، والتحصيل الدراسي، ومستويات الجريمة، كما أن عوامل متداخلة مثل الاستثمار في التعليم، والنظام الغذائي، والتدخين، وتعاطي المخدرات، واستهلاك الكحول قد تلعب دوراً في ذلك.

ومع ذلك، يشعر الباحثون بقلق متزايد بشأن التأثير المحتمل لتلوث الهواء على أدمغتنا، كما توضح ميليسا هوغينبوم في هذا التقرير، حيث يمكنك التعرف على المزيد من الأدلة الناشئة حول هذا الموضوع.

تلوث الهواء وزيادة الوزن

رغم أن الآلية الدقيقة لا تزال موضع نقاش، يُعتقد أن الالتهابات الناتجة عن تلوث الهواء قد تؤثر على عملية الأيض في الجسم، وقد ربطت الأبحاث بين التلوث الجوي، مثل الجسيمات الدقيقة PM2.5، وبين السمنة.

على سبيل المثال، الأطفال الذين يعيشون في أكثر المناطق تلوثاً يتعرضوا لاحتمالية إصابتهم بالسمنة أكثر بضعفين من الآخرين.

وتتزايد الأدلة التي تشير إلى أن تلوث الهواء قد يلعب دوراً في تطور أمراض ذات صلة، مثل مرض السكري من النوع الثاني، حيث قدرت إحدى التحليلات الرئيسية أن خُمس العبء العالمي لمرض السكري من النوع الثاني يمكن أن يُعزى إلى التعرض لتلوث الجسيمات الدقيقة PM2.5.

تلوث الهواء يُضرّ بحاسة الشم لدينا

وقد يؤدي التعرض للهواء السام إلى تآكل حاسة الشم لدينا، حيث وجدت دراسة أجريت عام 2021 أن الأشخاص الذين يعانون من فقدان حاسة الشم، في بالتيمور بولاية ماريلاند يعيشون في مناطق ذات مستويات “مرتفعة بشكل كبير” من PM2.5.

ووجدت دراسة إيطالية أن أنوف المراهقين والشباب أصبحت أقل حساسية للروائح بعد التعرض لثاني أكسيد النيتروجين، وهو أحد مكونات أبخرة المرور.

ويؤثر فقدان حاسة الشم بشكل غير متناسب على كبار السن، كما حددت دراسة سويدية ارتباطاً قوياً بين ارتفاع مستويات التلوث وضعف حاسة الشم لدى الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 60 عاماً أو أكثر.

الهواء النظيف ليس خياراً متاحاً للجميع

يتنفس كل شخص تقريباً في العالم الآن هواءً ملوثاً بطريقة أو بأخرى، لكن أولئك الأكثر تضرراً من تلوث الهواء هم أولئك الأقل قدرة على حماية أنفسهم أو الهروب منه.

يُقدَّر أن 716 مليون شخص من ذوي الدخل الأدنى على مستوى العالم يعيشون في مناطق ذات مستويات غير آمنة من تلوث الهواء، حتى في الدول المتقدمة الغنية نسبياً في أوروبا وأمريكا الشمالية ، فإن الخسائر الناجمة عن تلوث الهواء يتحملها في الغالب أولئك الأقل ثراءً أو من مجتمعات الأقليات التي تواجه عدم المساواة النظامية.

إن المصدر الرئيسي لهذه الجسيمات الدقيقة هو حرق الوقود الأحفوري، وخاصة البنزين والديزل من المركبات، ويمكن لهذه الجسيمات أن تخترق الرئتين وتنتقل إلى مجرى الدم حيث يُعتقد أنها تزيد من مستويات الالتهاب.

 

المصدر: BBC