نيلسون مانديلا: الزعيم الأفريقي الذي قال”إن حريتنا منقوصة بدون حرية الفلسطينيين”

في خريف عام 2009، أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 18 يوليو/تموز يوما دوليا لنيلسون مانديلا، المناضل ضد نظام الفصل العنصري في بلاده، اعترافاً بإسهام رئيس جنوب أفريقيا الأسبق في “ثقافة السلام والحرية”.

ويصادف اليوم ذاته ذكرى ميلاد “ماديبا”، كما كان نيلسون مانديلا يُنادى في بلده.

وكان قد حكم على مانديلا بالسجن مدى الحياة، وبعد 27 عاما في السجن، خرج ليصبح أول رئيس أسود للبلاد، وفاز بجائزة نوبل للسلام عام 1993.

مع نهاية عام 2015، قررت الجمعية العامة توسيع نطاق اليوم العالمي لمانديلا ليوظّف من أجل “تعزيز الظروف الإنسانية للسجون، وزيادة الوعي بشأن السجناء باعتبارهم جزءاً من المجتمع، وتقدير عمل موظفي السجون باعتباره خدمة اجتماعية ذات أهمية خاصة”.

درس مانديلا القانون بصورة متقطعة لمدة خمسين عاما منذ 1939.

أصبح عضوا في حزب المؤتمر الأفريقي عام 1943 كناشط في البداية، ثم مؤسسا لرابطة الشباب التابعة للحزب، ثم رئيسا للمؤتمر الوطني الأفريقي، وبعد سنوات السجن، استمر رئيسا له.

عام 1952 أجيز للعمل بالمحاماة، وافتتح أول مكتب له في جوهانسبرغ مع شريكه أوليفر تامبو. لم يكن تامبو شريكه في المحاماة فحسب؛ بل اشتركا أيضا في تأسيس حملة لمكافحة التمييز العنصري، وهو النظام الذي ابتكره الحزب الوطني للبيض، والذي قام باضطهاد غالبية السكّان السود.

في عام 1956 وُجهت إليه ولـ155 ناشطا تهمة الخيانة العظمى، ولكن التهم أسقطت عنه بعد أربع سنوات من المحاكمة.

تنامت المقاومة ضد التفرقة العنصرية، خاصة ضد قوانين الهويات الجديدة، التي حددت للسود الأماكن التي يسمح لهم فيها بالإقامة والعمل. وفي ظل حملة مناهضة التمييز العنصري، تزوج مانديلا عام 1958 للمرة الثانية من ويني ماديكيزيلا، التي قادت بعد ذلك حملة المطالبة بتحريره من السجن.

وبدأ مانديلا العمل السري في المؤتمر الأفريقي بعد حظره عام 1960، ثم تزايدت التوترات في البلاد مع تنامي الحملة المناهضة للتمييز العنصري، وتصاعدت بعد ذلك حوادث متفرقة بين عامي 1960 و1969 بعد أن قتلت الشرطة عددا من السود فيما أطلق عليه مجزرة شاربفيل.

شكل هذا الحادث نهاية للمقاومة السلمية؛ إذ بدأ مانديلا – الذي كان يشغل منصب نائب المؤتمر الأفريقي – حملة للتخريب الاقتصادي، فألقي القبض عليه بعد ذلك، ووجهت إليه اتهامات بمحاولة قلب نظام الحكم من خلال التخريب والتحريض على العنف.

ومن قاعة المحاكمة في محكمة ريفونيا، وقف مانديلا على المنصة يشرح معتقداته حول الديمقراطية والحرية والمساواة.

وقال مانديلا: “أعتز بالمفهوم المثالي للديمقراطية وحرية المجتمع؛ حيث يحيا جميع الأشخاص في تناغم وحقوق متساوية، إنها المثالية التي أحلم أن أحيا من أجلها وأطبقها، ولكن إذا ما دعت الحاجة لذلك فإنني مستعد للموت من أجلها أيضا”.

وحكم عليه في شتاء عام 1964 بالسجن مدى الحياة.

وخلال فترة بقاء مانديلا وباقي قادة المؤتمر الأفريقي في السجن أو المنفي، واصل الشباب السود في جنوب أفريقيا حملة مناهضة التمييز العنصري.

وخلال تلك الحملة التي شارك فيها أطفال المدارس، قتل المئات وجرح الآلاف، ولكن في عام 1980 أسس تامبو، وكان في المنفى، حملة لإطلاق سراح مانديلا.

وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد أصدرت عام 1962 قرارا بفرض مقاطعة تجارية ضد نظام جنوب أفريقيا بسبب نظام الفصل العنصري، ثم فُرض عليها حظر جزئي على تصدير الأسلحة عام 1977، كما استبعدت من الفعاليات والمنتديات الدولية وطُردت من بعض هيئات الأمم المتحدة، وعلقت عضويتها في الجمعية العامة سنة 1974.

الأحياء الفقيرة

انفصل مانديلا عن زوجته ويني عام 1992، وبعدها بعام واحد حصل كل من مانديلا والرئيس كلارك على جائزة نوبل للسلام.

كما عمل على بناء صورة دولية جديدة لجنوب أفريقيا، واستطاع إقناع الشركات المتعددة الجنسية بالبقاء والاستثمار في جنوب أفريقيا.

ومنذ انتهاء مدته الرئاسية عام 1999 أصبح مانديلا سفيرا من أرفع طراز لجنوب أفريقيا، أخذ يقود حملات ضد مرض الإيدز، كما ساعد بلاده على استضافة كأس العالم لكرة القدم عام 2010.

ورغم تشخيص إصابته بسرطان البروستاتا عام 2001، إلا أنه اشترك في مفاوضات السلام في كثير من الدول منها الكونغو الديمقراطية، وبوروندي.

في عيد ميلاده الثمانين تزوج مانديلا من جراسا ماتشيل، أرملة رئيس موزمبيق، وعندما بلغ من العمر 85 عاما، قرر الابتعاد عن الحياة العامة ليقضي حياته مع أسرته وأصدقائه، ويحظى بالسكينة. وفي عيد ميلاده الـ89 انضم إلى مجموعة الحكماء، وهي مجموعة تضم شخصيات من قادة العالم، من أجل الاستفادة من خبراتهم وحكمتهم للتعامل مع مشكلات العالم.

وظهر انخراطه في الأعمال الخيرية خلال السنوات التي تلت عام 2005 بعد وفاة ولده الباقي على قيد الحياة ماكجاثو، وأعلن مانديلا عن أن سبب الوفاة كان إصابة ولده بالإيدز، في الوقت الذي كان الحديث عن الإصابة بهذا الفيروس من المحرمات في البلاد.

وقد ساعد هذا الإعلان في أن تتعامل جنوب أفريقيا مع مرض الإيدز كغيره من الأمراض العادية.

ورحل مانديلا عن عالمنا في 5 ديسمبر/ كانون الأول من عام 2013 عن عمر يناهز 95 عاما متأثرا بمرض في الجهاز التنفسي.

مانديلا والقضايا العربية

واستمر تفاعل مانديلا مع القضايا العربية حتى ثورات “الربيع العربي” عام 2011؛ حيث وجه رسالة إلى الثوار طالبهم فيها أن يكونوا متسامحين مع أنصار الأنظمة السابقة لأنه يعتقد أن عدم التسامح يمكن أن يجعل الثورة تُستنزف وتدخل في صراعات داخلية لا طائل لها.

وفيما يخصّ الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، عبّر مانديلا عن مناصرته للزعيم الفلسطيني ياسر عرفات؛ ففي فبراير/ شباط عام 1990، وبعد أيام على إطلاق سراحه من السجن الذي قضى فيه 27 عاما، عانق نلسون مانديلا بحرارة عرفات، وكانت تلك البادرة مثيرة للجدل حينئذ، مثلما يثير دعم جنوب أفريقيا للجانب الفلسطيني الجدل اليوم، لكن مانديلا لم يعبأ بالانتقادات.

وكانت منظمة التحرير الفلسطينية التي تزعمها عرفات داعما مخلصا لكفاح مانديلا ضد حكم الأقلية البيضاء.

وعام 1997، قال الزعيم الراحل، بعد ثلاث سنوات من انتخابه بشكل ديمقراطي رئيسا للبلاد: “حريتنا منقوصة بدون الحرية للفلسطينيين”.

 

المصدر: BBC
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments