هل تستطيع الساعات الذكية التنبؤ بمرض باركنسون ونوبات الصرع؟

تسجل الساعات الذكية بيانات هائلة عن وظائفنا الفسيولوجية، وهي تقنية حديثة يستفيد منها العلماء حاليا على نحو فريد.

يعرف باتريك شويتكر، بصفته كبير أخصائيي التخدير في مستشفى جامعة لوزان، المضاعفات المترتبة على إجراء عملية جراحية طويلة تحت تأثير التخدير العام، إذ قد يؤدي فقدان الدم السريع من مكان إجراء الجراحة إلى إصابة المريض بالصدمة، مما يؤدي إلى انخفاض مفاجئ وخطير في تدفق الدم في أنحاء الجسم.

كما يمكن أن يُصاب المرضى بمشاكل حادة في الرئة بعد ساعات من التخدير القوي، وهي مضاعفات تمثل رُبع حالات الوفيات التي تحدث خلال الأيام الستة الأولى من الجراحة.

وتحدث مثل هذه المشكلات أحياناً بسبب مضاعفات أساسية في وظائف الأعضاء لدى المريض والتي لم يكتشفها الأطباء، والسؤال ماذا لو كان لدى المستشفيات طريقة سريعة ومنخفضة التكلفة لفحص المرضى قبل إجراء الجراحات الحساسة؟

ويصف شويتكر المعلومات بأنها أشبه بـ “توأم رقمي”، ويعتقد أنها يمكن أن تساعد في إنقاذ حياة المرضى.

وتضيف: “يزداد عدد المرضى الذين يرغبون في استخدام ساعاتهم الذكية بغية تسجيل بعض البيانات، ثم طباعة النتائج كي نطّلع عليها، وهذا يمكننا، بعد إجراء المزيد من الفحوص الطبية، من التأكد من هذه المشكلات”.

وتعد أكثر التطبيقات المستخدمة حتى الآن ذات صلة بصحة القلب، ففي أبريل/نيسان من هذا العام، خلصت دراسة إلى أن قياسات نشاط ونبضات القلب التي سجلتها الساعة الذكية، ومنها قراءات النشاط الكهربي للقلب، يمكن أن تحدد بشكل موثوق به ضربات القلب الزائدة لدى الأشخاص الأصحاء الذين تتراوح أعمارهم بين 50 و70 عاما.

كما يمكن أن تمثل هذه القراءات علامة تحذيرية على حالة مرضية أكثر خطورة، تعرف باسم “الرجفان الأذيني”، وهي حالة ينبض فيها القلب بطريقة غير منتظمة أو تتسارع نبضاته خارج نطاق السيطرة فجأة.

وتقول واميل إن هذا المزيج من منصات المعرفة الآلية والبيانات المسجلة بواسطة الساعات الذكية قد يمثل طفرة بالنسبة للمرضى الذين يعانون من أنواع مختلفة من أمراض القلب.

وتضيف: “نستقبل في عيادات أمراض القلب مرضى يشكون من خفقان القلب، كنا في الماضي نستعين بالأشرطة التي يمكن لصقها على صدورهم وتسجيل الخطط الكهربية للقلب على مدار 24 ساعة. وفي كثير من الأحيان، قد لا يعاني المرضى من أعراض خلال تلك الـ 24 ساعة، بيد أن الوضع اختلف مع الساعات الذكية، فعندما يشعر المريض بالأعراض، يستطيع الضغط على زر في ساعته، ليحصل على خطة النشاط الكهربي للقلب ونطّلع عليها”.

وتقول واميل إن تسجيل هذه البيانات يساعد بالفعل في العلاج الوقائي، على نحو يجعل أطباء القلب بمقدورهم وصف أدوية سيولة الدم بالنسبة للمرضى الذين يعانون من علامات تشير إلى عدم انتظام ضربات القلب، من أجل منع حدوث السكتات.

وتلفت إلى أن السبب وراء تراجع أعمار مرضى السكري هو أنهم أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب، لذا “نأمل أن تُستخدم هذه البيانات مستقبلا للكشف المبكر عن وجود مشكلات لتنبيه المريض والطبيب إلى خطر الإصابة بالنوبات القلبية والسكتات في المستقبل”.

“التنبؤ بمشكلات عصبية”

وتعتقد سينثيا ساندور، المشرفة على الدراسة، أنه من الممكن تحديد هذه العلامات في وقت مبكر عن طريق جمع بيانات الحركة وقراءات أخرى للساعة الذكية مثل جودة النوم، والتي من المعروف أنها تتسم بالاضطراب لدى الأشخاص الذين يصابون بالمرض.

وتقول: “بالنسبة لمرض باركنسون، يسبق التشخيص فترة طويلة تظهر خلالها علامات مثل حدوث تغيرات حركية دقيقة وواضحة”، وتضيف أن الدراسة رصدت أن “الميزة الأكثر في عمليات التنبؤ كانت تباطؤ الحركة أثناء النشاط البدني الخفيف، وهو تباطؤ دقيق للغاية بحيث لا يلاحظه الأفراد أنفسهم”.

وتقول: “نأمل أن تساعد أدوات الفحص المبكر، التي تعتمد على بيانات الساعة الذكية، في تحديد الأشخاص مبكراً، مما قد يسمح بنجاح تجارب العلاج الوقائي للأعصاب”.

وتضيف: “نأمل أيضاً أن تساعد الساعات الذكية مستقبلاً المرضى الذين يعانون من حالات مزمنة لأمراض مثل الصرع، وذلك عن طريق تزويدهم بعلامات تحذيرية مبكرة قبل حدوث النوبة، نظراً لأن حوادث السقوط والحوادث الخطيرة الناتجة بسبب النوبات تعد عوامل خطر معروفة بالنسبة للمصابين بالصرع”.

وتقول إيلين ماكغونيغال، من معهد كوينزلاند لعلاج أمراض المخ: “عدم معرفة موعد حدوث نوبات الصرع هو أحد أصعب جوانب التعايش مع هذا المرض، وعلى الرغم من ذلك لا يزال التنبؤ بالنوبات في مرحلة مبكرة”.

وتهتم ماكغونيغال بمعرفة إذا كان النموذج المبدئي لساعة “إمباتيكا” الذكية، المصممة لأغراض الدراسة، يمكن أن تساعد في التنبؤ بنوبات الصرع، إذ تُطبق خوارزميات الذكاء الاصطناعي على مجموعة من تدفقات البيانات، وتشمل هذه التغيرات معدل ضربات القلب ودرجة حرارة الجلد وأنماط حركة الجسم والتغيرات في التوصيل الذبذبات للجلد بسبب التعرق، مما يعكس التغيرات في الجهاز العصبي اللاإرادي للجسم، كما يمكن قياس كل هذا بواسطة الساعة الذكية.

وتقول: “نهدف إلى تحليل البيانات التي تسجلها الساعة قبل حدوث النوبات. إذ يرغب الباحثون والأطباء المتخصصون في علاج الصرع في أن يكون بمقدور المرضى التنبؤ بموعد حدوث النوبات على الأرجح، مما قد يسمح بتخصيص العلاج، بما في ذلك جرعات مختلفة من الأدوية وتحديد الأنشطة اليومية للحد من خطر السقوط والإصابة المرتبطة بتلك النوبات”.

ويقول جيريمي سميلت، استشاري جراحة الصدر بمستشفى سانت جورج التابع لمؤسسة الخدمات الصحية الوطنية: “تساعد التكنولوجيا الحديثة الطب بطرق مختلفة عديدة، إحدى هذه الطرق الكشف المبكر عن المشكلات، التي يمكن أن تنقذ حياة المرضى”.

ويضيف: “كما هو الحال مع جميع التقنيات، لابد من تجربة الساعات الذكية واختبارها، نظرا لأن النتائج غير الحقيقة قد تتسبب في حدوث قلق، قد يدفع الناس إلى الذهاب إلى الطبيب العام وحالتهم لا تستدعي ذلك، بيد أنها مهمة جداً لأولئك الذين يعانون من حالات صحية، كما يمكن أن ترشد أموال الخدمات الصحية نظرا لأنها تكتشف المشكلات مبكراً”.

وفي ظل تطور الساعات الذكية بشكل كبير، وابتكار الشركات المطورة المزيد من الطرق للحصول على بيانات لقياس جسم الإنسان، فإن قائمة تطبيقات الصحة الوقائية المحتملة سوف تزداد.

ويقول كياني: “لدينا قياس للجهد التنفسي، نستطيع أن نحدد متى نواجه صعوبة في التنفس لأن معدل التنفس يزداد ومعدل النبض يزداد، وكل هذا في محاولة للتعويض عن نقص الأكسجين الذي يتعرض له الجسم”.

ويضيف: “المدهش في الأمر أنه خلال الخمسين إلى الستين عاماً الماضية، كان كل ما لدينا في المنزل هو مقياس حرارة يساعدنا في تحديد ما يجب أن نفعله حال الإصابة بمرض. لكننا الآن نحصل على هذه المجموعة الغنية من المعلومات التي يمكن أن تساعد الناس في توفير الرعاية الصحية المناسبة، وتُجنبهم سوء الوضع الذي قد يضطرون بسببه إلى الذهاب إلى قسم الطوارئ في المستشفيات “.

 

المصدر: BBC