هل تناول تفاحة في اليوم مفيد حقّاً لصحتك؟

دائماً ما يُقال إن تناول تفاحة يومياً يُغنيك عن زيارة الطبيب، فهل لهذه الفاكهة البسيطة كل هذا التأثير الإيجابي حقّاً على صحتنا؟

يحب العالم التفاح. إذ يُنتج سنوياً ما يقارب 100 مليون طن منه. ولطالما عُرفت هذه الفاكهة، التي تتوفر بألوان ونكهات متنوعة، بإسهامها في الحفاظ على صحتنا.

تعود أصول العبارة الإنجليزية الشهيرة: “تفاحة واحدة يومياً، تُبقي الطبيب بعيداً”، إلى مثل ويلزي أطول قليلاً كُتب عام 1866: “تناول تفاحة قبل الذهاب إلى السرير وستحرم الطبيب من كسب قوت يومه”.

ولكن هل ثمة حقيقة جوهرية وراء هذه الفكرة الراسخة لدى الناس؟ وهل التفاح صحيٌّ بشكلٍ خاص مقارنةً بالفواكه الأخرى؟

يحتوي التفاح كذلك على الكثير من الألياف، وخاصةً البكتين، ما يقلل من كمية البروتينات الدهنية منخفضة الكثافة (LDL) في الدم، وهي الشكل غير الصحي من الكوليسترول. كما يُقلل البكتين من كمية السكر والدهون التي نمتصها من الطعام، ما يُساعد على استقرار مستويات السكر في الدم.

ويمكن أن يُقلل اتباع نظام غذائي صحي بشكل عام من خطر الإصابة بالسرطان بنسبة تصل إلى 40 في المئة، ويعود الفضل في ذلك بشكل كبير إلى المركبات النشطة بيولوجياً، وهي المواد الكيميائية النباتية، الموجودة بكثرة في التفاح. بل إن بعض الدراسات ربطت بين تناول التفاح وانخفاض خطر الإصابة ببعض أنواع السرطان.

كما أن تناول التفاح بانتظام يرتبط بفوائد صحية متنوعة، ومن المعلوم أنه غني بالمركبات الصحية. ولكن هل التفاح تحديداً أكثر فعالية من غيره من الأطعمة النباتية في “تجنيبنا زيارة الطبيب”؟

وتقول فلافيا غوتسو، الأستاذة المساعدة في علم الأحياء النباتية بجامعة فيرونا في إيطاليا، إن التفاح يحتوي على مركبات شائعة في الفواكه والخضروات الأخرى، بما في ذلك متعددات الفينول المفيدة.

ومتعددات الفينول هي جزيئات قوية مضادة للأكسدة، تساعد على موازنة نسبة مضادات الأكسدة إلى الجذور الحرة في أجسامنا. والجذور الحرة هي جزيئات أكسجين شديدة التفاعل، وقد تُلحق الضرر بالخلايا.

وبالسيطرة على الجذور الحرة، نقلل من خطر الإصابة بأمراض متعددة، بما في ذلك السرطان وأمراض القلب التي قد تنتج عن الالتهابات طويلة الأمد.

ويحتوي التفاح أيضاً على الفلوريدزين، وهو مركب قلّما تجده في الفواكه الأخرى. وكما هو الحال مع البكتين، فإن الفلوريدزين يُقلل على ما يبدو من كمية السكر التي نمتصها من الطعام.

ويُعد التفاح أيضاً مصدراً جيداً للمركبات الفينولية، وهي نوع آخر من المركبات الكيميائية النباتية. وقد وجدت إحدى الدراسات أن سكان الولايات المتحدة يحصلون على حوالي خُمس إجمالي استهلاكهم من الفينول من التفاح. وتشير الأبحاث إلى أن المركبات الفينولية الموجودة في التفاح ترتبط بانخفاض خطر الإصابة بأمراض القلب، والسرطان، والربو، والسكري، والسمنة.

لكن ليس متعددات الفينول القوية ومضادات الأكسدة وحدها ما دفع بعض العلماء إلى التوصية بالتفاح بدلاً من أنواع أخرى من الفواكه. ففي العديد من الدراسات، يوصي العلماء بتناول التفاح بانتظام نظراً لتوفره على نطاق واسع. وهذا يعني أن تناوله بانتظام يُعد أمراً في متناول الكثير من الناس.

من الواضح أن التفاح قادر على تحسين صحتنا. لكن، هل من المبالغة القول إن تناول تفاحة واحدة يومياً سيغنينا عن زيارة الطبيب؟

ووجد الباحثون أن آكلي التفاح كانت فرصهم أكبر في تجنب زيارة الطبيب من غير آكلي التفاح، ومع ذلك، لم تكن تلك النتيجة ذات دلالة إحصائية، وذلك عند الأخذ في الاعتبار أن آكلي التفاح غالباً ما يكونون بمستوى أعلى من التعليم، كما أن احتمالية أن يكونوا مدخنين أقل.

ويقول الباحث الرئيسي ماثيو ديفيس، الأستاذ المساعد في علم الأوبئة في كلية دارتموث جيزيل للطب، في نيو هامبشاير بالولايات المتحدة: “النتيجة الرئيسية، هي أنه لا يوجد ارتباط كبير بين الأشخاص الذين يستهلكون تفاحة واحدة بانتظام يومياً واحتمالية زيارة الطبيب، فهذا أمر معقد”.

لكن الباحثين وجدوا أيضاً أن الأشخاص الذين تناولوا التفاح يومياً كانوا أقل اعتماداً على الأدوية الموصوفة، وهي نتيجة بقيت ذات دلالة إحصائية مهمة حتى بعد الأخذ بعين الاعتبار الاختلافات الاجتماعية والاقتصادية بين المشاركين الذين تناولوا تفاحة واحدة يومياً، وأولئك الذين لم يفعلوا ذلك.

وبناءً على ذلك، يخلص البحث إلى أن المقولة الأكثر ملاءمة قد تكون: “تفاحة واحدة يومياً، تُبقي الصيدلي بعيداً”.

ولكن لدى ديفيس بعض المشاكل مع العبارة المتعلقة بتناول تفاحة يومياً، إذ يقول إنه قد يكون هناك سبب آخر لعدم تمكنه هو وزملاؤه من العثور على صلة بين استهلاك التفاح يومياً وزيارة الطبيب.

ويتابع ديفيس بالقول: “هذا يعني أن التفاح يقلل من احتمالية الإصابة بالأمراض المزمنة”.

لكن ديفيس يؤكد أن التفاح وحده لا يكفي في النهاية للحيلولة دون زيارة الطبيب، وأن الأهم هو اتباع نظام غذائي صحي بشكل عام. ويضيف: “هذا هو القصد من المثل الشعبي المشهور”.

وتتفق الباحثة كولسون في أن العبارة المتعلقة بتناول التفاح يومياً تدلل على تناول الأطعمة النباتية بانتظام. ويُعد التفاح مثالاً جيداً على مثل هذه الأطعمة، فهو يتوفر للناس بسهولة، وبأسعار معقولة، ومدة صلاحيته طويلة.

وتقول: “قبل وجود الثلاجات، كان بالإمكان تخزين التفاح في القبو، فيدوم لفترة طويلة، كما أنه لا يجذب العفن”.

وتوصلت دراسات أخرى إلى فوائد صحية تتعلق بتناول التفاح يومياً، ولكن فقط بين الأشخاص الذين يستهلكون أكثر من تفاحة واحدة يومياً.

ووجد الباحثون أن آكلي التفاح سجّلوا انخفاضاً ملحوظاً سريرياً في مستوى الكوليسترول في نهاية الدراسة. ومع ذلك، فإن إحدى نقاط ضعف هذه الدراسة كانت صغر حجمها؛ إذ إن 40 مشاركاً يمثلون عينة صغيرة نسبياً لا يمكن استخلاص أي استنتاجات مهمة منها.

وتوصلت دراسة أخرى أُجريت على 40 امرأة يعانين من زيادة الوزن، إلى أن تناول ثلاث تفاحات يومياً حفز فقدان الوزن لديهن، وبنتيجة إحصائية ذات دلالة مهمة، وحسّن أيضاً مستويات الغلوكوز في الدم، لكن دون دلالة إحصائية مهمة.

أما بالنسبة لأفضل طريقة لتناول التفاح في سبيل الحصول على الفائدة القصوى، فتنصح الباحثة غوتسو بعدم تقشير التفاح.

وتضيف: “كما أن الأصناف القديمة أفضل من الأصناف الجديدة من التفاح”.

وفي عام 2021، نشرت غوتسو وزملاؤها ورقة بحثية تدرس القيمة الغذائية لصنف من التفاح يُدعى “بوم بروسيا”، وهو صنف قديم من شمال إيطاليا، ووجدت أنه أغنى بمتعددات الفينول من أصناف التفاح الحديثة.

وتقول غوتسو: “حين يختار المزارعون أصنافاً جديدة، فإنهم يبحثون عن سمات أخرى، بما في ذلك الحجم والطعم ومتانة الأشجار”.

وتضيف: “وحين يختارون هذه السمات، بدلاً من محتوى الأصناف من المركبات متعددة الفينول، يصبح ذلك الصنف الذي يختارونه أقل جودة من وجهة نظر صحية”.

وتشير غوتسو إلى أن بعض المركبات متعددة الفينول يمكن أن تنتج طعماً مرّاً، وأن الأصناف الأكثر حلاوة من التفاح ربما تحتوي على نسبة أقل من هذه المركبات.

أما بالنسبة للون، فتقول غوتسو إنه لا يُهم كثيراً. فالمركبات متعددة الفينول التي تُسبب احمرار أو اخضرار قشرة التفاح مفيدة لنا.

 

المصدر: BBC