هل قرعت كنيسة نوتردام في كندا أجراسها للتشويش على صلاة المسلمين؟

انتشر مقطع فيديو على منصات التواصل الاجتماعي، خلال الأيام الأخيرة، زعم ناشروه أنه يوثق قرع أجراس كنيسة تاريخية في كندا للتشويش على مجموعة من المسلمين أثناء أدائهم الصلاة قريبا منها.

وادعت حسابات على منصة “إكس”، أن كنيسة نوتردام في مدينة مونتريال شرقي كندا تعمدت دق الأجراس بصوت عال، ردا على تجمع عدد من المسلمين في ساحتها وأدائهم الصلاة، مما أثار موجة واسعة من الجدل على المنصات.

اقرأ أيضا

list of 2 items

  • list 1 of 2تداول واسع لصور حريق بالمتحف المصري الكبير.. ما صحتها؟
  • list 2 of 2فيديو متداول لشاب من غزة يحرق فستان خطيبته الشهيدة.. ما حقيقته؟

end of list

ويُظهر المقطع، الذي لا تتجاوز مدته 15 ثانية، مجموعة ناشطين مؤيدين لفلسطين وهم يؤدون الصلاة أمام الكنيسة، التي تعد من أبرز المعالم الدينية والسياحية في كندا، وصنفت موقعا تاريخيا وطنيا عام 1989، كما تستضيف على مدار العام احتفالات دينية وجنازات رسمية لشخصيات بارزة، إلى جانب عروض موسيقية وضوئية تجذب آلاف الزوار.

وسرعان ما حصد المقطع أكثر من مليوني مشاهدة على منصات التواصل الاجتماعي، وأعيد تداوله على نطاق واسع مصحوبا بخطاب تحريضي ضد المسلمين في كندا.

رواية مضللة

وكانت البداية من حساب على منصة “إكس” يحمل اسم “غزو الإسلام” (Islam Invasion)، الذي يتسم بخطاب صدامي ويعتبر الإسلام تهديدا للغرب، إذ شارك الفيديو (مؤرشف) في الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني مرفقا بعبارات مثل: “المسلمون يتعمدون إهانتنا”، و”يجب أن نرد عليهم ونلقنهم درسا، فالتسامح المفرط سيجعلنا نخسر”.

وتداولت حسابات يمينية متشددة مقطع الفيديو إلى جانب تعليقات مسيئة للمشاركين، إذ أشار أحد المدونين إلى أن “المسلمين يتعمدون إثارة الفوضى أمام الكنائس”، في حين وصف آخر الصلاة في الأماكن العامة بأنها “استفزازية وعلى الأجهزة الأمنية منعها لأنها تشير إلى عدم احترام الآخرين”.

تحريض ضد المسلمين

وتوسع الجدل ليشمل لغات أخرى؛ إذ نشر أوروبيون منشورات تزعم أن “الإسلاميين يسيطرون على ساحات الكنائس في أوروبا ويطلقون التكبيرات، كما يسعون لتدميرها”، معتبرين أن ما يحدث “حرب دينية تدور رحاها في أوروبا بصمت”.

وعلق حساب (Bimbola Royale) على مقطع الفيديو بخطاب مثير للانقسام، قائلة: “لن يصلوا أبدا في شوارع بلدهم، لكنهم يأتون إلى الغرب ليصلوا أمام الكنائس، ومع ذلك، لا يجرؤ أي مسيحي على فعل الشيء نفسه معهم، هذا ليس دينا إنه عدوان وهيمنة”.

وقاد حساب (AZEALIA BANKS) الإسرائيلي على “إكس” هجوما لاذعا بعبارات مسيئة ضد المسلمين في كندا، قائلا: “يجب إرسال هؤلاء جميعا إلى معسكرات الإيغور”.

تحليل بصري

وفي خضم الجدل الدائر، بحث فريق “الجزيرة تحقق” عن أصل المقطع المتداول، وأظهرت خدمة التجول الافتراضي (Street View) في “خرائط غوغل” أن الفيديو التقط فعلا أمام الكاتدرائية المعروفة بأنها “الكنيسة الأم لمونتريال”، وذلك بناء على التحليل البصري للمشاهد ومطابقة المعالم الظاهرة في الفيديو.

إعلان

وعند البحث عبر كلمات مفتاحية مختلفة، رصدنا نسخة سابقة للفيديو نفسه بجودة أعلى نشرها حساب (MarieBoule3) على منصة “إكس” بتاريخ التاسع من يونيو/حزيران 2025، مما يؤكد أن المقطع المتداول التقط قبل نحو 5 أشهر من إعادة نشره.

أما عودة المقطع للانتشار برواية “التشويش على صلاة المسلمين”، فدفعت الفريق إلى التحقق من السياق بشكل أوسع، إذ يُظهر الفيديو مجموعة من المشاركين يرتدون الكوفية الفلسطينية ويحملون أعلام فلسطين ويرتدون قمصانا مؤيدة للقضية، مما يرجح بأن المشهد مرتبط بفعالية تضامنية مع غزة.

ما الحقيقة؟

وبالبحث، تبين أن حساب “مونتريال من أجل فلسطين” (mtl4pal) على إنستغرام كان قد دعا في الثامن من يونيو/حزيران 2025 إلى وقفة تضامنية مع غزة في ساحة “ذا رينغ” (The Ring) وسط مونتريال، وهو التاريخ نفسه الذي التقط فيه المقطع.

View this post on Instagram

وتشير الخرائط إلى أن موقع الساحة يبعد نحو 2.2 كيلومتر فقط عن كاتدرائية نوتردام، أي ما يعادل نحو 20 دقيقة سيرا على الأقدام، مما يرجح أن المصلين تجمعوا أمام الكنيسة كنقطة انطلاق نحو موقع المسيرة أو ضمن نشاط لاحق في اليوم نفسه.

المسافة بين الكنيسة ونقطة انطلاق المسيرة في مدينة مونتريال الكندية (خرائط غوغل)
المسافة بين الكنيسة ونقطة انطلاق المسيرة في مدينة مونتريال الكندية (خرائط غوغل)

 

وأكدت تغريدات أن الفيديو التقط أثناء تظاهرة حصل منظموها آنذاك على إذن من السلطات للصلاة في المكان المفتوح من دون تعطيل أنشطة الآخرين.

نشاط اعتيادي

وتوصل فريق “الجزيرة تحقق” إلى مقاطع فيديو التقطت في يونيو/حزيران 2024، وديسمبر/كانون الأول من العام نفسه، تظهر مشاركة مؤيدين لفلسطين في تجمعات أمام الكنيسة والمشاركة في أداء الصلاة بشكل جماعي، مما يعزز من أن ما جرى نشاط اعتيادي لداعمي القضية الفلسطينية.

ويشير الموقع الرسمي للكاتدرائية إلى أن أبراجها تحتوي على أجراس شهيرة وتقرع آليا بانتظام طوال اليوم كجزء من تقاليد الكنيسة، حيث تقرع الأجراس كل ساعة من التاسعة صباحا حتى السادسة مساء مع إضافة رنة واحدة كل ساعة، وهو الأمر الذي حدث في الفيديو أثناء أداء المسلمين للصلاة، ولم يكن أمرا متعمدا للتشويش عليهم.

الأجراس تُقرع كل ساعة من التاسعة صباحا حتى السادسة مساء مع إضافة رنة واحدة كل ساعة (كاتدرائية نوتردام)
الأجراس تُقرع كل ساعة من التاسعة صباحا حتى السادسة مساء مع إضافة رنة واحدة كل ساعة (كاتدرائية نوتردام)

حظر الصلاة

وأثار رئيس وزراء مقاطعة كيبيك جدلا واسعا، أواخر العام الماضي، بعد اعتزامه حظر الصلاة في الأماكن العامة بمونتريال، وصرّح: بأن “رؤية الناس يصلون في الشارع والحدائق العامة أمر لا نرغب فيه”، في خطوة وصفتها جماعات الحقوق المدنية بأنها “مثيرة للقلق” وتستهدف الأقليات الدينية.

وتشير بيانات التعداد إلى أن المسلمين يقيمون في جميع مقاطعات وأقاليم كندا، وأن نسبة من يعرّفون أنفسهم مسلمين تضاعفت خلال العقدين الماضيين، وارتفعت من 2.0% (حوالي 580 ألف شخص) عام 2001 إلى 4.9% (نحو 1.78 مليون شخص) من إجمالي السكان وفق تعداد 2021.

إعلان

 

المصدر: الجزيرة