منذ أكثر من 4 عقود، ترافق العقوبات الاقتصادية الإيرانيين في حياتهم اليومية، لكن وطأتها تبدو أكثر وضوحا على جيل وُلد ونشأ داخل هذا الطوق.
فالشباب الذين فتحوا أعينهم على اقتصاد مغلق يجدون أنفسهم بين واقع يحد الطموح، ورغبة في اختراق سقف الفرص الضيقة نحو مستقبل مختلف.
وفي تقرير مراسل الجزيرة عمر هواش، تتجلى حكايات هذا الجيل الذي لا يعرف إيران أخرى خارج زمن العقوبات؛ شباب يبحث بعضهم عن الهجرة، في حين يختار آخرون البقاء وتطويع الظروف لصالح مشاريع صغيرة أو مسارات مهنية غير مألوفة.
داخل ورشتها الصغيرة، تقلّب الشابة مريم مظاهري الطين بين يديها محاولةً أن تصنع منه حياة، فخريجة إدارة الأعمال البالغة من العمر 26 عاما كانت تطمح لإدارة مشروع أكبر.
لكن العقوبات الأميركية والأوروبية والدولية دفعتها إلى طرق أبواب المهن اليدوية، وبين العمل والتخطيط للهجرة تتأرجح خياراتها.
تقول مريم إن دخولها عالم الفخار لم يكن سهلا، لكنها أتقنت الحرفة بعد أشهر طويلة، مشيرة إلى أن انفتاح بلادها على الخارج كان ليغير مسارها بالكامل، ورغم محدودية فرص الهجرة، فلا تزال تبحث عن قبول في إحدى دول الخليج، أملا في بداية مختلفة.
التكيف مع الواقع
في المقابل، يختار شباب آخرون التكيف مع الواقع بدل مغادرته، ومنهم رسول رضائي، خريج الفلسفة والمنطق، الذي وجد نفسه بعيدا عن تخصصه، ليغوص في عالم العملات الرقمية.
فغياب الشركات الأجنبية عن السوق الإيرانية دفعه إلى التواصل مع العالم عبر أسواق افتراضية لا تشملها الحدود المباشرة للعقوبات.
ويرى رسول أن هذا المجال، رغم مخاطره وخسائره، منح الشباب منفذا اقتصاديا جديدا في ظل تراجع فرص العمل التقليدية، مما يدفعهم إلى الدخول في السوق الموازية أو الأنشطة غير النمطية بحثا عن مصدر دخل ثابت.
وحسب خبراء، لم تغير العقوبات فقط خيارات العمل، بل أعادت تشكيل طموحات جيل كامل، حيث يؤكد الخبير الاجتماعي تقي آزاد أرمكي أن الحكومة حاولت التقليل من تأثير الحصار، غير أن الواقع كشف عن صدمات سياسية واقتصادية واجتماعية عميقة.
ومع ذلك، وجد المجتمع طرقه الخاصة للتعامل مع الضغوط، كل وفق قدرته وابتكاره، حسب الخبير أرمكي.
هذا الجيل ليس أبناء ثورة 1979 ولا صناع قرارها، لكنه الأكثر تأثرا بتداعياتها وامتداداتها، فهم شباب يحملون إرث العقوبات في تفاصيل حياتهم، وتوكل إليهم مهمة صياغة مستقبل اقتصاد يحده الإغلاق ويشكله الصمود.
وبين اليأس والتكيف، ينحت هؤلاء الشباب لأنفسهم مسارات جديدة، مدفوعين بحلم جماعي يتكرر في أحاديثهم، أن يستيقظوا يوما ليجدوا وطنهم خارج دائرة الحصار، وداخل عالم أوسع يمنح طموحاتهم مساحة أكبر لتنمو.
المصدر: الجزيرة