ويمبلدون: قصة ياروسلاف دروبني المصري الوحيد المُتوج في البطولة

يلتقي المصنف الأول عالمياً، الإيطالي يانيك سينر، في نهائي بطولة ويمبلدون للتنس مع الإسباني كارلوس ألكاراز، في تكرار لنهائي بطولة فرنسا المفتوحة التي خسرها الإيطالي بعد صراع دام أكثر من 5 ساعات.

وتُعد بطولة ويمبلدون أعرق بطولة تنس في العالم حيث تأسست عام 1877 وقد فاز بها العشرات من النجوم من أوروبا وأستراليا وأمريكا ومختلف أنحاء المعمورة والسؤال هنا هو هل سبق للاعب عربي الفوز بهذه البطولة العريقة؟

يقول التاريخ إن لاعباً حمل الجنسية المصرية هو ياروسلاف دروبني فاز ببطولة ويمبلدون منذ زمن بعيد وتحديداً في عام 1954 أي منذ ما يزيد عن 70 عاماً، وهو كمصري لم يفز ببطولة ويمبلدون فقط، بل فاز أيضاً ببطولة رولان غاروس في عامي 1951 و1952. فما هي قصته؟

ثم جاء الغزو الألماني لتشيكوسلوفاكيا، وفي بطولة ويمبلدون لعام 1939، وصل دروبني إلى الدور الثالث وكان يُعرّف بأنه من “بوهيميا-مورافيا”.

وقضى سنوات الحرب عاملاً في مصنع في براغ، وعندما انتهت الحرب، واجه أهوالاً أشد، إذ رأى مشاهد انتقامية مروعة ضد جنود ألمان.

زار دروبني موسكو عام 1947، ورأى “ما يكفي لأدرك أنني لا يمكن أن أعيش يوماً واحداً تحت مثل هذا النظام”. ومع ذلك، أصبح حينها شخصية وطنية بارزة في دولة تحولت إلى دولة شيوعية عام 1948. وفاز ببطولة التشيك للتنس بين 1945 و1949، وقاد مع فلاديمير تشيرنيك فريق كأس ديفيز التشيكي الذي فاز في البطولة عامي 1947 و1948.

وفي ذلك الوقت، كان لدى دروبني أقوى وأسرع ضربة إرسال في ويمبلدون، لكن إصابة في الكتف أبطأت من قوة ضربات إرساله.

وفي بطولة الولايات المتحدة، بلغ نصف النهائي عامي 1947 و1948، وربع النهائي عام 1949. وفي فرنسا، وصل إلى النهائي عامي 1946 و1948، وفاز ببطولة الزوجي للرجال (مع لينارت بيرغلين) والزوجي المختلط (مع باتريشيا كانينغ تود) عام 1948، متغلبين على فرانك سيدغمان ودوروثي هارت.

وكان قد حصل في عام 1947 على الميدالية الذهبية مع منتخب بلاده تشيكوسلوفاكيا في بطولة العالم لهوكي الجليد، وفى عام 1948 حصل على الميدالية الفضية في دورة لندن الأوليمبية مع فريق هوكي الجليد أيضاً.

الانشقاق

كان دروبني قد اصطدم بالتغيرات السياسية الكبرى التي طرأت على بلاده بعد نهاية الحرب العالمية الثانية مع سيطرة الشيوعيين على السلطة وعملهم على استغلاله في الدعاية.

وجلب له الانشقاق الفقر والعزلة، وربما كان سيتخلى عن التنس لولا أنه التقى بريتا، زوجته الإنجليزية المستقبلية، في عام 1950. وقد حاول الحصول على جنسية إحدى الدول الغربية، لكنه قوبل بالرفض في أكثر من مرة، بما في ذلك من بريطانيا والولايات المتحدة.

وبدلاَ من التراجع، بلغ قمة النجاح، مدعوماً بعرض الجنسية المصرية الذي قُدّم له في نفس العام.

واستقر هو وريتا في منزل بمقاطعة ساسكس، وتقدّم بطلب للجنسية البريطانية، لكنه قوبل بالرفض مراراً حتى عام 1959، ما يعني أن آخر مشاركة له في ويمبلدون عام 1960، كانت الأولى له كمواطن بريطاني، وخلال سنوات مجده الكبرى، كان يلعب باسم مصر.

في عام 1950 مُنح دروبني الجنسية المصرية، وفي الواقع أن القرار المصري بمنحه الجنسية لم يكن مجرد مجاملة، بل جاء عن اقتناع بأن دروبني يمكنه رفع اسم مصر في محافل الرياضة العالمية.

ومنذ لحظة منحه الجنسية المصرية، أصبح دروبني يمثل مصر في البطولات الكبرى، بما في ذلك بطولة ويمبلدون. وبدأ يرتدي قميصاً يحمل اسم مصر، وتحدث للصحافة بأنه يشعر بأنه مدين لهذا البلد الذي منحه هوية جديدة وحياة جديدة.

وفي عام 1950، بلغ نهائي فرنسا للمرة الثالثة، وبلغ نصف نهائي ويمبلدون كمصنف ثالث. وفي عام 1951، فاز بالبطولة الفرنسية بثلاث مجموعات نظيفة، ثم دخل ويمبلدون كمصنف ثانٍ، لكنه خرج مبكراً. وفي عام 1952، فاز بالبطولة الفرنسية مجدداً، وبلغ نهائي ويمبلدون للمرة الثانية في 3 سنوات، وخسر مرة أخرى أمام سيدغمان، كما حدث في نصف نهائي 1950.

كان لدى باتي ست فرص للفوز، لكنه خسر أمام دروبني.

وامتدت المباراة 4 ساعات و23 دقيقة، وكانت الأطول في تاريخ فردي ويمبلدون حينها، وانتهت بنتيجة: 8-6، 16-18، 3-6، 8-6، 12-10. وبعد هذا الإرهاق، خسر دروبني نصف النهائي أمام كورت نيلسن غير المصنف بثلاث مجموعات نظيفة.

ثم في عام 1954، وبعد 16 عاماً من ظهوره الأول في ويمبلدون، وكان ترتيبه في التصنيف قد تراجع إلى المركز 11، تغلب دروبني على كل من هود وباتي، وفاز بالبطولة أخيراً، متفوقاً على كين روزوول بنتيجة 13-11، 4-6، 6-2، 9-7 في مباراة رائعة كانت الأطول في نهائي ويمبلدون حتى منتصف السبعينيات من القرن الماضي. وكان أول بطل أعسر في فردي الرجال منذ عام 1914.

وكان فوزه بمثابة انتصار شعبي كبير حيث أحب الجمهور البريطاني أسلوبه في اللعب الذي اتسم بالهدوء، والجدية، والروح الرياضية، والإنسانية. وكان يرتدي نظارات داكنة كلما أمكن، ويدرس قرعة البطولة، ويشاهد مباريات خصومه المستقبليين، وينام مبكراً، وقال ذات مرة: “أكره الحفلات”.

مع ذلك، لم يكن مزاجه دائماً مثالياً، فعندما يُمنح نقطة مشكوك فيها كان يشعر بالذنب، وإذا خسر نقطة بقرار غير عادل كان يغضب في صمت وفي كلتا الحالتين كان التركيز مهدداً.

وفي عام 1955، نشر سيرته الذاتية بعنوان بطل في المنفى، لكن مشواره في ويمبلدون بدأ بالانحدار، فقد وصل فقط إلى ربع النهائي، وفي العام التالي، رغم كونه المصنف الخامس، خرج من الدور الأول على يد راماناثان كريشنان.

وقد التقت بطلة التنس البريطانية في الستينيات كريستين ترومان (جاينز) به “حين كان في نهاية مسيرته وكنت أنا في بدايتها، وأعطاني الكثير من النصائح وتمرّنت معه على الملاعب الترابية”. وقد فازت ترومان ببطولات إيطاليا وسويسرا وفرنسا في سن 18، وتنسب جزءاً من نجاحها إلى خبرته في الملاعب الصلبة.

الوفاة والإرث

ورغم أنه كان يشاهد مباريات ويمبلدون أحياناً، عاش حياة هادئة في لندن بعيداً عن الأضواء حتى وفاته في 13 سبتمبر/ أيلول من عام 2001 عن عمر ناهز 80 عاماً.

ولقد شارك دروبني في بطولة ويمبلدون 17 مرة ومثل فيها 4 جنسيات هي تشيكوسلوفاكيا، وبوهيميا وموريفيا (بعد الاحتلال النازي قبل الحرب العالمية الثانية)، ومصر، وبريطانيا.

ولا تزال سيرته حاضرة في أرشيف ويمبلدون، كأول لاعب أيسر يفوز بالبطولة منذ أكثر من 70 عاماً، وكأحد أكثر اللاعبين تأثيراً في عالم التنس خلال حقبة ما بعد الحرب.

ولم يكن دروبني مجرد لاعب تنس، بل كان رياضيًا متعدد المواهب، فقد لعب أيضًا هوكي الجليد مع المنتخب التشيكوسلوفاكي، وشارك في دورة الألعاب الأولمبية الشتوية عام 1948، وهو إنجاز نادر في عصرنا الحديث، حيث يصعب الجمع بين رياضتين مختلفتين على هذا المستوى العالي، وهذه القدرة المتنوعة أكسبته احترامًا كبيرًا في الأوساط الرياضية العالمية.

وخلال حياته الرياضية فاز ياروسلاف دروبنى بالعديد من الألقاب الفردية فى التنس، وكان ضمن أفضل 10 لاعبين في العالم خلال الفترة من 1946 إلى 1955.

 

المصدر: BBC
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments