تعرضت طبيبة أعصاب هندية تدعى روشيكا تاندون، في شهر أغسطس/آب، لعملية احتيال اتخذت شكل إجراءات تحقيق فيدرالية في ارتكاب جريمة خطيرة.
لم تكتشف الطبيبة أن ما يحدث لها هو عملية احتيال معقدة، مجرد شبكة خداع نسجها محتالون تلاعبوا بها واستنزفوا مدخرات حياتها ومدخرات أسرتها.
أجبر المحتالون الطبيبة تاندون، التي تبلغ من العمر 44 عاماً وتعمل في واحد من أكبر مستشفيات الهند، على طلب إجازة من العمل، وتقييد حرياتها اليومية، والخضوع للمراقبة المستمرة وتنفيذ تعليمات من غرباء على الهاتف، تحت ذريعة ما أطلقوا عليه اسم “الاعتقال الرقمي”، بعد أن أقنعوها بأنها قيد تحقيق بتهمة ارتكاب جريمة خطيرة.
شملت عملية احتيال “الاعتقال الرقمي” بعض المحتالين الذين انتحلوا صفة مسؤولي تطبيق القانون من خلال مكالمات الفيديو، وهددوا الضحايا بالاعتقال بتهم وهمية، والضغط عليهم لتحويل مبالغ طائلة من الأموال.
ويقول مسؤولون إنهم تعقبوا ما يزيد على 40 في المئة من عمليات الاحتيال إلى ميانمار وكمبوديا ولاوس.
وقال: “إذا تلقيت مثل هذا الاتصال، لا تخف. واعلم جيدا أن أي جهة تحقيق لا تستجوب إطلاقا بهذه الطريقة من خلال اتصال هاتفي أو اتصال فيديو”.
وتعاني الهند من عدد من الجرائم الإلكترونية، تتنوع من الاستثمار والتداول المزيف إلى عمليات الاحتيال من خلال تطبيقات المواعدة، بيد أن عملية احتيال “الاعتقال الرقمي” تبرز على السطح بشكل خاص نظرا لطبيعتها المعقدة والخبيثة، فهي مخططة بدقة عالية، وتتدخل في كل تفاصيل حياة الضحية.
وقد يكشف المحتالون عن أنفسهم، أحيانا، أثناء اتصالات الفيديو، وفي أحيان أخرى يفضلون عدم الظهور، ويعتمدون فقط على الصوت، وقد تكون الحبكة مقتبسة مباشرة من أحد أفلام بوليوود المثيرة، إلا أنها مخططة بعناية فائقة.
كان محتالون قد اتصلوا، في ذلك اليوم المشؤوم، بالطبيبة تاندون، التي تعيش في لكناو، وتظاهروا بأنهم مسؤولون من هيئة تنظيم الاتصالات في الهند، وزعموا أن رقمها سيجري قطع الاتصال عنه بسبب “22 شكوى” من رسائل تحرش أُرسلت منه.
وبعد لحظات، تولى الأمر رجل ادعي أنه ضابط شرطة كبير، واتهمها باستخدام حساب مصرفي مشترك مع والدتها في عمليات غسيل أموال بهدف الاتجار بالنساء والأطفال.
وحذرها الرجل قائلا: “ستأتي الشرطة في غضون خمس دقائق لاعتقالك، وجميع أقسام الشرطة أُبلغت بذلك”.
وتتذكر تاندون: “كنت غاضبة ومحبطة، ظللت أقول إن هذا لا يمكن أن يكون حقيقيا”.
ثم بدا الضابط وكأنه قد خفف من حدة غضبه، ولكن بحذر، وقال إن جهاز الشرطة الفيدرالي الهندي، المكتب المركزي للتحقيقات، سيتولى الأمر لأنها “قضية تتعلق بأسرار الدولة”.
وأكد أنه سيسعى إلى “التحدث وإقناعهم بعدم وضعك في حجز فعلي، بل في الحجز الرقمي”.
وفي محاولة يائسة للحصول على حريتها، حوّلت كل مدخراتها من ستة حسابات مصرفية مختلفة إلى حسابات خاصة بالمحتالين، معتقدة أنها ستسترد أموالها بعد “التحقيق الحكومي”، ولكن بدلا من ذلك، فقدت كل شيء، وقطع المتصلون الاتصال بمجرد انتهاء عملية التحويل.
وبعد أسبوع من عودتها إلى العمل، دفعها الإرهاق إلى البحث على الإنترنت عن مصطلحات مثل “الاحتجاز الرقمي” و”أساليب التحقيق الجديدة لمكتب التحقيقات المركزي”.
وقالت تاندون إنها اقتربت من مركز الشرطة وهي تشعر بقلق.
وبدأت تشرح: “كنت أتلقى اتصالات غريبة منذ أيام”.
قاطعتها ضابطة، قبل أن تكمل قصتها، وقالت لها بحدة: “هل حولت أي أموال؟”
وفي مركز شرطة آخر، تتذكر تاندون: “في اللحظة التي سمعوا فيها قصتي، بدأوا يضحكون”.
وقال أحد رجال الشرطة: “هذا أمر شائع جدا الآن”.
وفي واقعة أخرى، على بعد أكثر من 500 كيلومتر في دلهي، نجا الكاتب والصحفي نيلانجان موخوبادياي بأعجوبة من عملية احتيال في يوليو/تموز الماضي.
كان قد تحمل 28 ساعة تحت مسمى “الاعتقال الرقمي”، وزعم المحتالون أن حسابه المصرفي المعطل استُخدم في عملية غسيل أموال، وأثار الأمر شكوك موخوبادياي عندما سأله أحد المتصلين لماذا لم يسترد أموال صناديق الاستثمار المشتركة الخاصة به، وهو سؤال لا يطرحه عادة ضابط شرطة على الهاتف.
تحرك موخوبادياي بعيدا عن مكتبه، حيث كان المحتالون يراقبونه، وتحدث لفترة وجيزة مع زوجته، وسرعان ما طلب منها الأصدقاء، الذين انتبهوا إلى رسالته، فصل جهاز المودم الخاص به، مما حرره من قبضتهم.
ولا يزال التقدم المحرز من أجل القبض على هؤلاء المحتالين غير واضح، حيث يشعر العديد من الضحايا بالإحباط بسبب بطء إجراءات التحقيق.
وعلى الرغم من ذلك حققت تاندون بعض النجاح، إذ استطاعت الشرطة القبض على 18 مشتبها بهم، من بينهم امرأة، من جميع أنحاء الهند، واسترداد نحو ثُلث الأموال المسروقة نقدا ومصادرتها في حسابات مصرفية مختلفة، ولم تسترد سوى 1.2 مليون روبية من أصل 25 مليون روبية من أموالها المنهوبة حتى الآن، وهذا هو المبلغ النقدي المسترد.
وقال ضابط التحقيق، ديباك كومار سينغ، إن المحتالين كانوا يديرون عملية احتيال معقدة.
ويعتقد المحققون أن المحتالين كانوا أذكياء، واستخدموا معلومات معينة من وسائل التواصل الاجتماعي لضحاياهم.
ويقول سينغ: “إنهم يتتبعونك ويجمعون معلومات شخصية ويحددون نقاط ضعفك. ثم يضربون بسرعة، باستخدام نهج الضرب والهروب مع الضحايا المحتملين”.
كان المحتالون يعرفون أن موخوبادياي صحفي وكاتب، مؤلف سيرة ذاتية لرئيس الوزراء مودي، وكانوا يعرفون أن تاندون طبيبة وحضرت مؤتمرا في غوا، وكانوا على علم بأرقام الهوية الوطنية “البيومترية” الخاصة بالضحايا.
وعندما سألهم موخوبادياي عما إذا كانوا على علم بأنه كان من بين الصحفيين الذين داهمت شرطة دلهي منزلهم في أكتوبر/تشرين الأول عام 2023 في إطار تحقيق يجري بشأن مصادر تمويل مؤسسة “نيوز كليلك” الإعلامية، استنكروا هذه الخطوة باعتبارها اعتداء على حرية الصحافة، وهي تهمة نفتها الحكومة.