بعد 13 عاماً على اندلاع الثورة السورية، دخلت قوات المعارضة العاصمة دمشق، لتعلن بذلك نهاية نظام الرئيس بشار الأسد.
وفي الواقع أن هذه التطورات لا تمثل إلا الحلقة الأخيرة في ملحمة دمشق التي يرجع تاريخها إلى زمن بعيد. فما هي قصة العاصمة السورية؟
وجاءت أول إشارة مكتوبة مؤكدة إلى المدينة في الألواح الهيروغليفية لتل العمارنة في مصر، حيث تم إدراجها ضمن الأراضي التي غزاها تحتمس الثالث في عام 1490 قبل الميلاد.
ومع غزو الإسكندر الأكبر في عام 333 قبل الميلاد، أصبحت دمشق جزءًا من العالم الهلنستي، وتعايشت الأحياء الآرامية مع مستوطنة يونانية جديدة.
وتوجد آثار لقلعة رومانية في شمال غرب المدينة، وعلى بعد 200 متر إلى الشرق يقع المسجد الكبير في دمشق، الذي بناه الأمويون في نفس موقع كنيسة القديس يوحنا البيزنطية، ومعبد جوبيتر الروماني.
ولا تزال كنيسة حنانيا محفوظة، تخليدًا لذكرى اعتناق شاول الطرسوسي للمسيحية في دمشق، والذي أصبح القديس بولس الرسول، وتقع بالقرب من الطرف الشرقي لشارع مدحت باشا.
ومثل بقية سوريا، أصبحت المدينة مسيحية بحلول القرن الرابع، ومع تقسيم الإمبراطورية الرومانية في عام 395، أصبحت دمشق موقعًا عسكريًا مهمًا للإمبراطورية البيزنطية.
ومع ذلك، أدت الاختلافات العقائدية واللاهوتية والسياسية إلى تقسيم القسطنطينية كما دمرت الحروب الفارسية في القرن السادس، والتي تم خوضها أغلبها على الأراضي السورية، الحياة الاقتصادية للبلاد، ونتيجة لذلك، فتحت دمشق أبوابها للجيوش الإسلامية في عام 635.
على الرغم من أن العرب المسلمين جلبوا معهم عقيدة ناشئة، بنصها المقدس، ووجهات نظر عالمية، وإطار قانوني لا يزال في طور النمو، إلا أنهم لم يفعلوا الكثير لتغيير تخطيط دمشق. وذلك بحسب دائرة المعارف البريطانية.
وفي عام 661، أسس معاوية بن أبي سفيان، أول خليفة أموي، بلاطه في العاصمة السورية.
ولمدة قرن تقريبًا بعد ذلك، عملت المدينة كعاصمة لإمبراطورية متوسعة تمتد من ما يُعرف الآن بإسبانيا إلى حدود الصين الحالية، وهي الأوسع نطاقًا من أي إمبراطورية تم تحقيقها في التاريخ الإسلامي.
ويُعد الأثر الرئيسي المتبقي من هذه الفترة هو المسجد الكبير في دمشق، الذي بناه الخليفة الأموي الوليد بين عامي 706 و715، وعلى الرغم من تعرضه للتلف والحرق والإصلاح عدة مرات، إلا أنه لا يزال أحد عجائب العمارة الإسلامية.
وبعد سقوط الأمويين في عام 750، نقل الخليفة العباسي عاصمة الخلافة إلى بغداد.
وتراجعت دمشق إلى وضع مدينة إقليمية، خاضعة للعقوبات من قبل السلالة الجديدة بسبب ثوراتها العديدة ونهب المباني الأموية وتفكيك تحصينات المدينة.
وفرضت الحروب الصليبية تهديداً خطيراً على المدينة في نهاية القرن الحادي عشر، ورغم أن دمشق تمكنت من الإفلات من الاحتلال المباشر، إلا أنها تحملت العديد من الهجمات والحصار.
وخلال هذه الفترة، أعيد بناء أسوار المدينة ببوابات معززة، وتم تأسيس قلعة في الزاوية الشمالية الغربية من المدينة.
وبحلول القرن الثاني عشر، تم تقسيم المدينة إلى مجتمعات منفصلة، حيث تم تجهيز كل حي بوسائل الراحة الخاصة به، بما في ذلك المسجد والحمام والفرن العام وإمدادات المياه المستقلة والأسواق الصغيرة، وظل المسجد الكبير والسوق المركزي من رموز وحدة المدينة.
ذكرت دائرة المعارف البريطانية أن عصرا جديدا بدأ عندما استولى نور الدين بن زنكي، وهو أمير تركي، على المدينة في عام 1154 وجعلها مرة أخرى عاصمة لمملكة قوية وقاعدة لحملاته العسكرية ضد الصليبيين.
وانتعشت المدينة، وتعززت تحصيناتها، وأقيمت المباني الدينية والمدنية، وتم تقديم أشكال جديدة من العمارة، ونشأت أحياء جديدة للمهاجرين.
وعلى الرغم من بعض النكسات العسكرية والاقتصادية، استمرت المدينة في الازدهار في عهد صلاح الدين وخلفائه الأيوبيين، الذين حكموا هناك حتى عام 1260.
وتطورت دمشق إلى مركز ديني وتعليمي رئيسي، حيث تنافس الأمراء على بناء المدارس الدينية. وكانت الرعاية الأيوبية تتركز حول المسجد الكبير وفي الحي الكردي على سفوح جبل قاسيون، حيث انتقل العديد من الأكراد، نظرًا لقرابتهم العرقية مع الأيوبيين، للخدمة في الجيش.
وتعرضت دمشق وأجزاء كبيرة من سوريا للغزو المغولي المدمر عام 1260، وانهار الوضع الاقتصادي فيها، ولكن نجح المماليك، الذين تولوا الحكم في مصر، في هزيمة المغول في موقعة عين جالوت في سبتمبر/ أيلول من عام 1260.
وتعافى الاقتصاد بسرعة بعد انسحاب المغول، وكان مزدهرًا بحلول بداية القرن الرابع عشر، واستمرت المدينة في التوسع إذ نما حي جنوبي جديد على طول الطريق المؤدي إلى حوران (سلة القمح في دمشق)، وفلسطين، ومصر، حيث تم تداول معظم صادرات المدينة من المواد الغذائية والسلع الفاخرة.
حروب وكوارث
لأكثر من 150 عامًا، كانت دمشق قاعدة للحروب بين المسلمين والصليبيين، وقد دُفن 4 من أشهر قادة المسلمين وهم نور الدين بن زنكي، وصلاح الدين، والعادل (شقيق صلاح الدين)، والسلطان المملوكي بيبرس في محيط المسجد الكبير.
وتتحد مقابرهم، التي تتميز بقباب كبيرة نسبيًا وبوابات مقوسة عالية مع المدارس الدينية حيث تعد المقابر من أبرز المباني في العصور الوسطى في المدينة، وقد تم ترميمها جميعًا خلال التسعينيات من القرن الماضي.
وكانت الكارثة الثانية نهب المدينة في عام 1401 على يد تيمورلنك، مصحوبًا بسياسته في ترحيل الحرفيين المهرة إلى عاصمته في سمرقند (في أوزبكستان الحالية).
وإلى جانب الإدارة التي وُصفت بالجشعة للمماليك في وقت لاحق، أدت هذه الكوارث إلى اقتصاد ضعيف انعكس سلبًا على شكل وبنية المدينة، وعلى الرغم من زيادة المساحة المبنية في القرن الخامس عشر، إلا أن التوسع كان يرجع في الغالب إلى الهجرة من المناطق الريفية الفقيرة.
وبالإضافة إلى ذلك، كانت المنطقة الحضرية الممتدة تخفي عددًا لا يحصى من قطع الأراضي المهجورة، والتي أطلق عليها اسم “الخربة” (غير مأهولة) في وثائق الوقف، حيث كانت الأنقاض بمثابة شهادة على الاقتصاد المفلس عشية الغزو العثماني من قبل السلطان سليم الأول في عام 1516.
الفترة العثمانية
في فترة الخلافة العثمانية، فقدت دمشق مكانتها السياسية، لكنها احتفظت بأهميتها التجارية.
وقد سهّل دمج الشرق الأوسط والبلقان في إمبراطورية واحدة التجارة الداخلية، لكن صعود التفوق الأوروبي في التجارة الدولية قلل من دور المدن السورية كمستودعات نهائية في التجارة البرية، وكان الحافز الرئيسي للأنشطة الاقتصادية في دمشق خلال الفترة العثمانية هو موسم الحج.