زنجبار: قصة آخر سلطنة “عربية” في أفريقيا

في 19 ديسمبر/ كانون الأول من عام 1963 استقلت سلطنة زنجبار عن التاج البريطاني بعد 73 عاما من الاحتلال، وبعد شهر واحد فقط – أي في يناير/كانون الثاني – من عام 1964 أطاحت الأغلبية الأفريقية بحكم النخبة العربية في ثورة يسارية دموية. فما هي قصة هذه السلطنة؟

الموقع والسكان

تقع جزيرة زنجبار وسط مياه المحيط الهندي، وتبلغ مساحتها 2500 كيلومترا مربعا، وتتبع تنزانيا مع تمتعها بحكم ذاتي كبير. وجاء اسم الجزيرة من الكلمتين الفارسيتين “زانغي بار” وتعنيان “ساحل الزنوج”، وسيطر عليها على مر الزمان البرتغاليون، والبريطانيون، والعُمانيون وغيرهم من الشعوب.

ثم جاء البرتغاليون في القرن السادس عشر وغزوا جميع الموانئ البحرية على الساحل الشرقي لأفريقيا، بما في ذلك مومباسا، وكذلك الجزر مثل زنجبار وأجزاء من الساحل العربي، بما في ذلك العاصمة العمانية مسقط.

الإمبراطورية العُمانية

وطرد العمانيون البرتغاليين من مسقط في عام 1650، وأرسلوا أساطيل لمهاجمة القواعد البرتغالية في سواحل الهند وأفريقيا، وبدأ العمانيون في تشكيل أسطولهم البحري العسكري الضخم معتمدين على الأسطول البرتغالي الذي سيطروا عليه.

وقد نجحت البحرية التابعة لعُمان في طرد البرتغاليين من سواحل شرق أفريقيا باستثناء موزمبيق، حيث سيطر العمانيون على مومباسا في كينيا في عام 1661 وباتت زنجبار تحت سيطرة العُمانيين بالكامل عام 1696.

كما هاجم العمانيون القوات البرتغالية في مومباي في الهند عبر المحيط الهندي في عامي 1661 و1662، وألحقوا أضرارا جسيمة بالأسطول البرتغالي.

وهكذا تشكلت الإمبراطورية العُمانية، عندما انطلقت الأساطيل العمانية لتطارد الأساطيل البرتغالية وفرضت الحماية على الموانئ المحيطة ببحر العرب لتمتد الإمبراطورية من كوادر شرقا (تقع جنوب باكستان اليوم) حتى ماجنكا جنوبا ( تقع في جزيرة مدغشقر).

لكن عصفت حرب أهلية بالبلاد بسبب نزاعات على خلافة الإمام في أوائل القرن الثامن عشر، ووقعت عُمان فريسة لاحتلال فارسي في عام 1737، حتى تمت مبايعة أحمد بن سعيد، حاكم صُحار، إماما في عام 1744، الذي نجح في طرد الفرس وأسس أسرة آل بوسعيد التي لا تزال تحكم عمان حتى اليوم.

وقد استغل الوالي المزروعي، والي عُمان على شرق أفريقيا، انشغال الإمام أحمد بن سعيد في محاربة الفرس فاستقل بمُلك مومباسا وملحقاتها بما فيها زنجبار، وامتنع عن دفع الضريبة المفروضة.

وفي ظل حكم سعيد بن سلطان، حفيد أحمد بن سعيد، استعادت عُمان السيطرة على زنجبار في عام 1828 ليصبح لقبه سلطان عمان وزنجبار، ونقل عاصمته إلى زنجبار في عام 1832.

أدى التوسع السريع لتجارة الرقيق في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر، بسبب الطلب على عمال المزارع في أمريكا الشمالية والجنوبية، إلى جعل زنجبار محورية لطرق تجارة الرقيق والعاج.

وكما كانت زنجبار نفسها تمتلك موارد كبيرة من جوز الهند والقرنفل والمواد الغذائية.

غير أنه وبعد وفاة سعيد عام 1856، تقاتل ابناه ماجد وثويني على خلافته، وهو ما أدى إلى انقسام الإمبراطورية إلى قسمين: القسم الآسيوي تحت حكم ثويني بن سعيد، الذي كان ينوب عن والده في حكم عمان منذ عام 1833.

وفي أواخر القرن التاسع عشر، وسعت بريطانيا نفوذها ليشمل شرق أفريقيا بشكل عام وزنجبار بشكل خاص.

وفي حين قام السلطان ماجد بن سعيد بتوسيع ممتلكات زنجبار الإقليمية ما أدى إلى ارتفاع أهميتها التجارية العالمية في النصف الأول من القرن التاسع عشر، اضطر خلفه برغش بن سعيد (حكم من 1870 إلى 1888)، إلى الانحناء للقوى الأوروبية وتقسيم الأرض بين البريطانيين والألمان، وسار السلاطين اللاحقون على نهجه.

وعندما أصبحت زنجبار محمية بريطانية، حددت بريطانيا هدفين رئيسيين عملت على تحقيقهما وهما: إلغاء العبودية، واستعادة الاقتصاد التجاري للجزيرة لعافيته.

وقد أثارت السياسة الاقتصادية للقنصل العام غيرالد بورتال غضب التجار الزنجباريين، وقاوم السلطان علي بن سعيد توجيهات بريطانيا حتى وفاته عام 1893، وعندما حان الوقت لاختيار خليفته أرادت بريطانيا أن يكون السلطان القادم أكثر خضوعا لسلطاتها وتوجيهاتها.

ومن بين العديد من المطالبين بالعرش دعم البريطانيون حمد بن ثورين، إلا أن الأمير خالد بن برغش تحدى ذلك واحتل قصر السلطنة، وبرر ذلك بأنه الابن الوحيد للراحل برغش، وتم تجاهله بعد وفاة والده.

وقد تمكنت السلطات البريطانية من إقناع خالد بالتنحي، مما جعل حمد بن ثورين السلطان بلا منازع.

وعلى الرغم من رضوخ السلطان حمد في البداية، إلا أنه بحلول عام 1896، زاد امتعاضه من البريطانيين، وذهب إلى حد إنشاء قوة عسكرية قوامها ألف رجل موالية له فقط.

وتوفي حمد بن ثورين في 25 أغسطس/آب من ذلك العام، ما أثار صراعا آخر على العرش، إذ أراد الدبلوماسي البريطاني رفيع المستوى آرثر هاردينغ أن يتولى حمود بن محمد العرش معتقدا أنه سيكون سلطانا مرنا ولن يعارض التوجه البريطاني الساعي لإلغاء العبودية.

أقصر حرب

على عكس محاولته الأولى للاستيلاء على العرش، أحاط خالد هذه المرة القصر بحوالي 3 آلاف من جنود السلطان وأنصاره، وكانوا مدعومين ببطارية مدفعية صغيرة واليخت الملكي المسلح غلاسغو.

وردا على ذلك، جمع باسل كيف، قوة قوامها 400 من الموالين الزنجباريين وفرقة من مشاة البحرية البريطانية، وتقدر بعض المصادر حجم قوة الموالين بحوالي 900 مقاتل، بالإضافة إلى 5 سفن تابعة للبحرية البريطانية.

ومع انتهاء المهلة أصدر روسون أوامره للسفن الحربية إتش ام إس روكون وإتش ام اس فيلوميل وثروش وسبارو وسان جورج بفتح النار على القصر الذي سرعان ما اشتعلت فيه النيران.

وبعد 40 دقيقة توقف البريطانيون عن إطلاق النار بعد أن أسقط القصف 500 شخص من جنود خالد بن برغش بين قتيل وجريح، فيما أصيب بحار بريطاني واحد فقط بجروح خطيرة.

وسيطر المشاة البريطانيون والزنجباريون الموالون لهم على الجزيرة، فيما استسلمت قوات السلطان خالد بن برغش الذي هرب من القصر ولجأ إلى القنصلية الألمانية.

وبحلول عصر ذلك اليوم نفسه، عُين حمود بن محمد سلطانا على زنجبار.

ووافق السلطان حمود على الفور على جميع الشروط البريطانية، وقبل بالمطالب البريطانية المتعلقة بإلغاء العبودية.

وسمح الألمان لخالد بن برغش بالعيش في المنفى في البر الرئيسي في دار السلام، حيث مكث حتى اعتقله البريطانيون خلال الحرب العالمية الأولى، وتوفي خالد في مومباسا عام 1927.

 

المصدر: BBC
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments