في رواية شخصية قوية، يتأمل فيرغال كين حياته مع اضطراب ما بعد الصدمة والاكتئاب وبحثه عن التوازن في الحياة، وما اكتشفه على طول الطريق هو دراسة أعمق للسعادة يمكن تطبيقها على أولئك الذين يعانون من تحديات خطيرة في الصحة العقلية، وأيضاً على أولئك الذين يحتاجون ببساطة إلى دفعة معنوية.
كانت هناك لحظة، منذ ما يقرب من عامين، عندما ضربني التغيير الداخلي بقوة حيث كنت أسير مع أحد أحبائي على الحافة الشرقية لشاطئ كوراغ في أردمور، بمقاطعة واترفورد، وهو مكان دافئ ألجأ إليه منذ أن كنت طفلاً. توقفنا بجانب نهر يتدفق إلى خليج أردمور، كنت أستمع إلى الأصوات المختلفة التي تصدرها المياه، اندفاع النهر السريع، والأمواج المتلاطمة على الشاطئ.
وفجأة سمعت صوت هواء تضربه عشرات الأجنحة، لقد جاء سرب من الأوز يحلق فوق الجرف، راكباً الرياح نحو السماء، شعرت بخفة في داخلي، وامتنان شديد جعلني أضحك بصوت عالٍ.
لقد دخلت المستشفى عدة مرات على مدى عقود من الزمان، منذ أوائل التسعينيات من القرن الماضي، خضت معركة لا هوادة فيها مع الخجل والخوف والغضب والإنكار، وكل هذه الأشياء التي تعبّر عن كل ما هو عكس السعادة.
أضف إلى ذلك التعافي من إدمان الكحول في نهاية التسعينيات من القرن الماضي، وقد قمت بالكثير من الأبحاث حول الليالي “المظلمة للروح”.
عند انهياري في عام 2023، كنت قد تجاوزت نقطة “الأمل في السعادة”، وفي تلك الأيام، كنت سأكتفي بقليل من راحة البال، ففي عام 2019، تركت وظيفتي كمحرر لشؤون أفريقيا في بي بي سي بسبب معاناتي من اضطراب ما بعد الصدمة.
وبعد عامين كتبت كتاباً عن هذا الموضوع، كما أعددت فيلماً وثائقياً تلفزيونياً لبي بي سي، ولكن حتى بعد كل ذلك، تعرضت لانهيار عصبي آخر.
يتحدث البروفيسور بروس هود، من جامعة بريستول، عن ميل البشر إلى “تضخيم الأمور والتركيز على إخفاقاتنا أو أوجه القصور لدينا”. وهو يدير دورات تدريبية لمدة 10 أسابيع في بريستول حول علم السعادة، ويتحدث عن الحاجة إلى إيجاد التوازن لأن “عقولنا منحازة لتفسير الأشياء بشكل سلبي للغاية”، على حد تعبيره.
ولا شك أنّ كل ذلك يتردد صداه في نفسي، ولكن هناك تحذير وهو أن مجال عمل البروفيسور هود هو معالجة مشاعر انخفاض مستوى الرفاهية بشكل عام، وهو واضح في أن التركيز على علم السعادة لن يكون بالضرورة علاجًا لكل شيء لشخص يعاني من حالة مثل اضطراب ما بعد الصدمة.
لقد تم تشخيص حالتي بشكل محدد، ففي عام 2008 أخبرني الأطباء لأول مرة أنني أعاني من اضطراب ما بعد الصدمة بسبب حالات متعددة من الصدمات التي تعرضت لها كمراسل حربي، وبسبب الظروف التي عشتها في طفولتي في منزل دمره إدمان الكحول، لقد كان الاكتئاب والقلق من بين الأسباب الرئيسية لهذه الحالة، ومع إدمان الكحول، لجأت أيضاً إلى الطاقة المثيرة، والصداقات، والشعور بالهدف الذي جاء مع تغطية النزاعات.
وأود أن أؤكد أيضاً أن ما ينجح معي في محاولتي العثور على السعادة قد لا ينجح بالتأكيد مع أي شخص آخر، فهناك حالات صحية نفسية محددة تتطلب علاجات محددة بنفس القدر، وفي حالة اضطراب ما بعد الصدمة، ساعدتني مجموعة من العلاجات بشكل كبير، إلى جانب زمالة الآخرين الذين مروا بتجارب مماثلة.
كما خففت الأدوية من الأعراض الجسدية للقلق واليقظة المفرطة، فقد كان سقوط لوحة أو ارتطام سيارة من الخلف سبباً في تحولي إلى حطام شاحب يرتجف ويتعرق في ثوانٍ، وعلى نحو مماثل، كانت الكوابيس تجعلني أتقلب في نومي.
أنا محظوظ، فقد حظيت بأفضل علاج، وهناك الكثيرون في مجتمعنا لا يحصلون على هذا العلاج. فوفقاً للجمعية الطبية البريطانية، ينتظر أكثر من مليون شخص الحصول على العلاج. ومن المهم أيضاً أن ندرك أن هناك العديد من العوامل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تؤثر على قدرتنا على تجربة السعادة.
فهناك دراسة جارية حول الاستعداد الوراثي للاكتئاب والإدمان، وتقول ذي وورلد ويلبيينغ موفمنت (حركة الرفاهية العالمية)، وهي منظمة خيرية تعمل على تعزيز الرفاهية في مجال الأعمال وصنع القرار السياسي العام، إن واحداً من كل 8 أشخاص في بريطانيا يعيشون تحت ما أسمته خط فقرالسعادة، وهو ما يقاس باستخدام البيانات التي توفرها التقارير السنوية لمكتب الإحصاءات الوطنية، وعلى أساس السؤال على مقياس من 0 إلى 10: “بشكل عام، ما مدى رضاك عن حياتك في الوقت الحاضر؟”.
وبعد أن أعربت عن تحفظاتي، آمل أن تساعد جوانب في تجربتي والأدوات التي مُنحت لي بسخاء، الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب أو اضطرابات ما بعد الصدمة، أو حتى من يعانون من الألم الطبيعي للحياة من وقت لآخر.
سر السعادة… ليس سراً
من تجربتي، فإن سر السعادة هو أنه لا يوجد سر، إنها موجودة بوضوح حولنا بانتظار أن نجدها، لكنها ليست حاضرة دائماً كالحالة الطبيعية اليومية للبشر، تماماً مثل الاكتئاب أو الغضب.
لقد قضيت سنوات على كراسي المعالجين النفسيين، وأحيانًا كنت أنظر من نوافذ أقسام الطب النفسي، على أمل الحصول على العلاج المثالي الذي من شأنه أن يصلح رأسي وروحي المنهكة.
بالنسبة لي، كان الشعور بالوحدة هو السمة المميزة لمشاكل صحتي العقلية حيث تعمقت في نفسي فلم أجد شيئاً أحبه أو أعجب به، فأغلقت الباب.
ولم تأت الإجابة في ومضة من الضوء الساطع، وإذا كان بوسعي أن أختار شيئاً واحداً أحدث أعظم فارق ـ بعد استقرار حالتي بالعلاج ـ فهو العمل، وسوف يظل كذلك دوماً، وليس العمل هو ما دفعني إلى حالة من الإرهاق المستمر تقريباً بينما كنت ألاحق الأخبار والجوائز التي كانت ضرورية لأنانيتي غير المستقرة.
و ملاحظة لجميع الذين يحصلون على تقديرهم من العمل، المدمن على العمل هو الأكثر قبولاً بين جميع المدمنين، في الواقع، يُحتفى به وبإدمانه على العمل، فلماذا ترغب في التغيير عندما يصفق لك الرؤساء والمجتمع؟ العمل هو الإدمان المسموح به بشدة.
في إحدى ليالي المستشفى في عام 2023، بعد أن دخلت بسبب اضطراب ما بعد الصدمة، شاهدت فيلماً وثائقياً تحدث فيه المعالج النفسي الأمريكي، فيل ستوتز، عن 3 حقائق أساسية يجب على الأشخاص الذين يعانون من مشاكل الصحة العقلية قبولها وهي أن الحياة يمكن أن تكون مليئة بالألم، ومليئة بالتغيير، وأن العيش مع هذه الأشياء يحتاج إلى عمل مستمر.
لقد كنت منهكًا من المعاناة، ولكنني كنت أيضاً على استعداد للقيام بكل ما بوسعي من عمل لإيجاد راحة البال، فجاءت السعادة لاحقاً.
العودة إلى الأشياء البسيطة
ماذا فعلت؟ الكثير من الأشياء البسيطة في البداية.
خصصت المزيد من الوقت للصداقة، وللحب، وللأشخاص الذين كانوا الأكثر أهمية بالنسبة لي، استمعت حيث كان من الممكن أن أكتفي بوعظ الآخرين، وعملت بجدية شديدة لكي أسكت عندما أراد شخص ما التعبير عن استيائه، بدلاً من السماح لعادات الدفاع عن النفس التي اكتسبتها في طفولتي بالسيطرة علي.
لقد عرضت مساعدة الآخرين الذين يعانون، إن أولئك الذين يتعافون من الإدمان يعرفون المثل القائل “للحفاظ على ما لديك، عليك أن تعطيه”، وكذلك السعادة.
يقترح الفيلسوف الفنلندي فرانك مارتيلا، من جامعة ألتا، القيام بأمور لطيفة كجزء من الحل.
وتصادف أن فنلندا تحتل المرتبة الأولى في مؤشر السعادة العالمي. ويقول: “تواصل مع الآخرين وتواصل مع نفسك”.