كم منّا يستطيع أن يجد ما يفعله ممتعا أو مُلهماً؟ أو أن يكون مرتاحاً عندما يقطع الاتصال بوسائل التواصل الاجتماعي ويقضي يومه دون أي تنبيهات من هذا الجهاز أو ذاك التطبيق؟ وهل نستطيع فعلاً أداء مهامنا دفعة واحدة دون تشتت؟ وكم مرة نُجبر أنفسنا على إكمال ما بدأناه ثم نجد لأنفسنا الأعذار برسالة من صديق، أو دعوة للطعام من قريب؟
العديد من الأمور التي نعتقد أنها تساعدنا على التركيز تعمل في الحقيقة بعكس الطريقة التي يعمل بها دماغنا بشكل طبيعي. إذن، ما الذي يمكن أن نتعلمه من علم التركيز لتحقيق إنجاز أكبر خلال اليوم؟ وهل تنجح أي من هذه النصائح؟ نستعرض هنا خمسة طرق لتحسين قدرتنا على التركيز.
الطريقة الأولى: اسمح لذهنك بالشرود
ويقول سيلي: “فكر في شيء لا علاقة له بالمهمة التي تريد إنجازها، مثل حل مشكلة أخرى تدور في خلدك، ثم عد إلى مهمتك الأساسية”.
غالبا ما يُنظر إلى مقاطع الفيديو التي تعرض مواقف مضحكة للقطط على أنها قمة الإلهاء، إلا أن بعض علماء النفس يعتقدون أنها يمكن أن تساعد في الحقيقة على وضعنا في الحالة الذهنية الصحيحة للمضي قدماً في عملنا.
ويعود هذا إلى أن إبقاء التركيز على شيء ما أمر صعب، بغض النظر عن مدى حبك لعملك، ويتطلب قوة إرادة. وحسب دراسة حديثة، فإن إحدى الطرق لتعزيز قوة الإرادة هي الضحك.
ويقول ديفيد تشينغ، باحث في مجال القيادة بجامعة أستراليا الوطنية في كانبيرا: “خلق ثقافة من المرح لدى فريقك سيساعد على تعزيز إنتاجية العمل”. ويضيف تشينغ الذي قاد البحث: “بالطبع، هذا ليس ترخيصاً لمشاهدة مقاطع فيديو عن القطط طوال اليوم، لكن الحصول على فترات راحة في بعض الأحيان ومشاهدة مقاطع فيديو فكاهية يكون مفيداً، خاصة عندما تشعر بالإرهاق”.
الطريقة الثالثة: اجعل الأمر أكثر صعوبة
حتى تتمكن من التركيز بشكل صحيح يتعين عليك أن تتخلص من كل أنواع التشويش الخارجي، أليس كذلك؟ في الواقع، ووفقاً لإحدى نظريات الانتباه المؤثرة، العكس هو الصحيح.
توصلت نيللي لافي، عالمة نفس في كلية لندن الجامعية، إلى ما اطلقت عليه اسم “نظرية التحميل” في عام 1995. وتكمن الفكرة في أن هناك حداً لكمية المعلومات من العالم الخارجي التي يمكن لأدمغتنا معالجتها في أي وقت مرة واحدة، وعند امتلاء جميع أماكن المعالجة في الدماغ، فإن نظام الانتباه في الدماغ يتدخل لاتخاذ قرار بشأن ما يركز عليه تحديداً.
وتشير تجارب لافي إلى أنه قد يكون من الأفضل العمل في محيطات ليست مرتبة وصامتة، بل في محيطات فوضوية ومربكة. وتنجح هذه الطريقة لأنه عند إشغال جميع أماكن الإدراك الحسي، يتعين على الدماغ صب كل طاقاته للتركيز على المهمة الأكثر أهمية بعد غربلة مصادر الإلهاء بكل بساطة.
والأمر المهم هو أن تعطي عقلك ما يكفي لأداء مهامه، حتى لا تعطيه الفرصة للبحث في مكان آخر للتحفيز.
الطريقة الرابعة: توقف عن العمل وخذ استراحة
تشير بعض الدراسات التي أجريت في تسعينيات القرن الماضي إلى أنه نظراً للتغيرات الطبيعية في دورة الانتباه لدينا، لا يمكننا التركيز لأكثر من 90 دقيقة قبل الحاجة إلى استراحة لمدة 15 دقيقة.
فيما توصلت دراسات أخرى إلى أنه حتى الاستراحة القصيرة لمدة بضع ثوان ستكفي، شريطة أن ينفصل الشخص نهائياً عن العمل من الناحية الذهنية خلال تلك الاستراحة.
ومن الجيد أن تقوم ببعض التمرينات الرياضية في فترة استراحتك، لأنها تعيد تشغيل الدماغ، وتجعله في حالة أفضل للتركيز على العمل، خاصة إذا أتبعتها بمشروب يحتوي على الكافايين. وتشير دراسة إلى أن ممارسة التمارين في الهواء الطلق وخاصة وسط الطبيعة، يحسن قدرة الشخص على التركيز.
وإذا كان يبدو أن ذلك يستغرق وقتا طويلا بعض الشيء، فالخبر السار هو أن أخذ جرعة سريعة من الكافيين، مع ممارسة التمرين أو بدونها، يحسن الذاكرة ومدة رد الفعل والانتباه على المدى القصير.
الطريقة الخامسة: لا تعاند نفسك وتجبرها على التركيز
وفقا لدراسات أجراها جو ديغوتيس ومايك إسترمان في مختبر بوسطن للانتباه والتعلم في ماساتشوسيتس، من خلال تجارب تصوير الدماغ، فإن الاستراتيجية الأكثر نجاحا للمحافظة على التركيز هي التركيز لفترة معينة من الوقت ثم أخذ استراحة قصيرة قبل العودة إلى التركيز مجدداً.
فالناس الذين حاولوا البقاء مركزين طوال الوقت ارتكبوا أخطاء أكثر بشكل عام. ولذا، عندما تحتاج إلى التركيز لفترات طويلة، فإن الاستراحة القصيرة من وقت لآخر، تعني تركيزاً لفترة أطول.
وبالمثل، توصلت دراسة أجراها كريستشين أوليفرز من الجامعة الحرة بأمستردام، إلى أن موارد انتباه الناس توسعت أكثر عندما طلب منهم ببساطة التراجع عن العمل والتفكير في شيء آخر بدلا من التركيز بشكل كامل.
قد تكون هذه هي النتيجة الأكثر فائدة التي توصلت إليها جميع البحوث المتعلقة بالتركيز. وكلما عرفنا أكثر عن الدماغ، عرفنا أن الإجهاد هو عدو التركيز بصورة أكثر وضوحا. لذا، خذ الوقت الكافي لفعل كل ما يلزم لتشعر بأنك أكثر هدوءا.