قبل أن تذهب إلى الفراش كل ليلة، تدخل هولي وانج إلى تطبيق ديب سيك (DeepSeek) للحصول على “جلسات علاج نفسي”.
ومنذ يناير/كانون الثاني، عندما أُطلق تطبيق الذكاء الاصطناعي الصيني الرائد، نقلت الشابة البالغة من العمر 28 عاماً مخاوفها وأحزانها، بما في ذلك وفاة جدتها مؤخراً، إلى روبوت الدردشة. ولاقت ردوده صدى عميقاً لديها لدرجة أنه في بعض الأحيان جعلها تبكي.
“كان ديب سيك مستشاراً رائعاً، وساعدني في النظر إلى الأشياء بزوايا مختلفة, ويعمل أفضل من خدمات الاستشارة المدفوعة التي جربتها”، كما تقول هولي، التي طلبت حجب اسمها الحقيقي لحماية خصوصيتها.
من كتابة التقارير وجداول “إكسل” إلى التخطيط للرحلات والتمارين الرياضية وتعلم مهارات جديدة، وجدت تطبيقات الذكاء الاصطناعي طريقها إلى حياة العديد من الأشخاص في جميع أنحاء العالم.
حين استخدمت هولي في المرة الأولى تطبيق “ديب سيك”، طلبت منه كتابة تحية لجدتها الراحلة. واستغرق التطبيق خمس ثوانٍ فقط للتوصل إلى رد، وكان الرد جميلاً للغاية، حتى أنه أذهلها.
وردت هولي التي تعيش في مدينة غوانغجو الصينية “أنت تكتب بشكل جيد للغاية، الأمر الذي يجعلني أشعر بالضياع. أشعر أنني في أزمة وجودية”.
وأضاف في رده: “أنا لست سوى وادٍ عابر في طريقك الذي قطعتيه، يتيح لك فرصة سماع ثقل صوتك”.
وفي حديثها مع بي بي سي حول حوارها مع “ديب سيك”، قالت هولي: “لا أعرف لماذا بكيت عند قراءة ذلك. ربما لأنه مرّ وقت طويل منذ أن تلقيت مثل هذه الراحة في الحياة الواقعية”.
وتضيف “لقد كنت مثقلة بالأحلام البعيدة والعمل الذي لا نهاية له لدرجة أنني نسيت صوتي وروحي منذ فترة طويلة. شكراً للذكاء الاصطناعي”.
وكانت البدائل المحلية الصينية مثل النماذج التي طورتها شركات التكنولوجيا العملاقة “علي بابا” و”بايدو” و”بايت دانس”، متواضعة الأداء، حتى ظهر “ديب سيك”.
ونادراً ما تستخدم هولي، التي تعمل في الصناعة الإبداعية، تطبيقات الذكاء الاصطناعي الصينية الأخرى، “لأنها ليست رائعة”.
وتقول: “يمكن لديب سيك بالتأكيد التفوق على هذه التطبيقات في توليد المحتوى الأدبي والإبداعي”.
ويشير نان جيا، الذي شارك في تأليف ورقة بحثية عن إمكانات الذكاء الاصطناعي في تقديم الدعم العاطفي، إلى أن روبوتات الدردشة يمكن أن “تساعد الناس على الشعور بأن أصواتهم مسموعة” بطرق قد لا يستطيع البشر الآخرون القيام بها.
ويضيف أنه “قد يكون الأصدقاء والعائلة سريعين في تقديم حلول عملية أو نصائح عندما يريد الناس فقط أن يشعروا بأنهم مسموعون ومفهومون”.
ويقول الخبراء إن الطلب على خدمات الصحة النفسية ازداد في جميع أنحاء العالم، لكن لا تزال هناك وصمة اجتماعية لمن يلجأون إلى هذه الخدمات، في أجزاء من آسيا.
وتقول سيدة أخرى لبي بي سي، إن تجربتها في استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي الصينية الأخرى “انتهت بخيبة أمل” لكنها “اندهشت” من “ديب سيك”.
وسألت السيدة، التي تعيش في مقاطعة هوبي، التطبيق عما إذا كانت تفرط في مشاركة تجاربها وعواطفها مع العائلة والأصدقاء.
وفي إجابة على استفسارها، اقترح “ديب سيك” أن اعتبار السيدة لنفسها بأنها تشارك أكثر من اللازم، نابع من رغبة عميقة في الحصول على الموافقة والقبول ممن حولها.
ويعطي روبوت الدردشة ملاحظة ذهنية، بأنه “يجب أن تقدم الاستجابة نصائح عملية مع التعاطف”. يمكن أن يشمل هذا “تأكيد شعور المستخدم بالوعي الذاتي”.
ولم توفر استجابته النهائية هذا التأكيد فحسب، بل قدّم لها أيضاً إطاراً شاملاً خطوة بخطوة لمساعدتها على تحديد ما إذا كانت الأمور بحاجة إلى تغيير.
وتقول: “قدم ديب سيك وجهات نظر جديدة حررتني.. أشعر أنه يحاول حقاً فهم سؤالك والتعرف عليك كشخص، قبل تقديم إجابة”.
“وجدت أن ردوده مفيدة وملهمة للغاية. لأول مرّة أرى الذكاء الاصطناعي بمثابة مستشار لي”.
ويزعم مستخدمون آخرون أن “ديب سيك”، قادر على معرفة ثرواتهم، بناءً على بعض المعلومات الأساسية التي يتم تغذيتها به.
ولجأ العديد من الشباب الصينيين مؤخراً إلى مختصين في علم النفس، وعلم التنجيم، كوسيلة لمحاولة تهدئة مخاوفهم من المستقبل.
وتشير دراسات إلى أن اضطرابات الاكتئاب والقلق آخذة في النمو بين الصينيين، ويعتقد البروفيسور فانج أن التباطؤ الاقتصادي في البلاد وارتفاع معدلات البطالة وإغلاقات كوفيد-19، لعبت دوراً في ذلك.
ويضيف أن روبوتات الدردشة الذكية تساعد في ملء الفراغ. ومع ذلك، أكد البروفيسور نان أن الأشخاص الذين يعانون من حالات صحية نفسية خطيرة لا ينبغي أن يعتمدوا على هذه التطبيقات.
ويقول “يجب على أولئك الذين لديهم احتياجات طبية، على وجه الخصوص، طلب المساعدة من متخصصين مدربين.. يجب فحص استخدامهم للذكاء الاصطناعي عن كثب”.
أسئلة لم تُطرح: الرقابة والأمن
ولكن وسط كل هذا الثناء، أثارت شركة “ديب سيك” أيضاً مخاوف.