يجمع بين بعض أعراض زهايمر وباركنسون، ما هو مرض أجسام ليوي؟

عاش فؤاد ست سنوات مع تشخيص خاطئ لطبيب ظن أنه مصاب بمرض الزهايمر.

عند سفر طبيبه المعالج خارج البلاد، قصد فؤاد طبيباً آخر أخضعه لفحوصات جديدة، كشفت عن إصابته بمرض يدعى مرض أجسام ليوي Body of Levy dementia .

تشمل أعراض هذا المرض ارتجاف أعضاء الجسد، واختلال التوازن، وفقدان الذاكرة، ما قد يؤدي إلى تشخيصه خطأً على أنه الزهايمر أو باركنسون.

شاع اسم هذا المرض عالميًا بعد الإعلان عن إصابة الممثل الأمريكي الشهير روبن ويليامز به. لكن ويليامز أقدم على الانتحار نتيجة الاكتئاب، دون أن يعلم بإصابته بمرض “أجسام ليوي”. وكان تشخيص أطبائه قبل وفاته أنه مصاب ببداية مرض باركنسون.

عام 1912، لاحظ طبيب الأعصاب الألماني فريتز هاينريش ليوي (1885 – 1950) وجود شوائب عصبية في أدمغة من يعانون من الشلل التشنجي أو الرعاشي (مثل مرض باركنسون). هذه الشوائب هي عبارة عن تجمعات غير طبيعية من البروتين تتراكم وتتطور داخل الخلايا العصبية.

أعراض مرض أجسام ليوي

“في إحدى المرات، لم يتمكن من تذكر كيفية توقيع اسمه على الأوراق في المصرف”.

وأضافت ليال قائلة إنه كان أحياناً يسقط أرضاً بشكل مفاجئ أثناء سيره. وبعد أن لاحظت العائلة أكثر من مرة أنه ينطق بصعوبة، قصدت طبيب أعصاب طلبا للمشورة.

يقول طبيب الأعصاب المحاضر في جامعة البلمند في لبنان، البروفسور سهيل جبيلي في لقاء مع بي بي سي عربي، إنّ أجسام ليوي تنتشر في خلايا أعصاب الجسم قبل أن تتراكم وتؤثر في أعصاب الدماغ.

والدليل بالنسبة لجبيلي هو أنّ أولى أعراض مرض أجسام ليوي هي فقدان حاسة الشمّ. ويشير جبيلي إلى أنّ معظم فاقدي حاسة الشمّ لا يدركون إلا بعد إجراء فحوصات.

ويذكر جبيلي عارضاً ثالثاً قبل الانتقال إلى ضرب خلايا الدماغ، وهو إصابة الأعصاب المسؤولة عن ضغط الدم، فيسقط الشخص أرضاً عند محاولته الوقوف.

“هذه هي الأسباب التي تدفعني عند التشخيص إلى العودة مع المريض عشر سنوات إلى الوراء”.

يتابع جبيلي قائلاً إنّ هناك أعراضاً أخرى تظهر مع تطوّر المرض مثل ارتجاف الأعضاء والتشنّج والهذيان.

ويوضح أنّ الهلوسة التي ترافق مرض أجسام ليوي “غريبة، ولا تزعج المريض”. ويشير إلى أنّه في حالة الهلوسة أو الهذيان يكون المريض متفرجاً وكأنه شاهد على أشياء تحدث أمامه، أمّا في حالة الزهايمر، يشعر المريض أنه معني أو منخرط في ما يراه أو يتهيأ له.

تغيّر السلوك أو الشخصية هو من أعراض ليوي أيضاً. وقد يغضب المريض أو يصاب بالاكتئاب أو يميل إلى الانعزال أو يتحول إلى شخص مفرط النشاط.

ويقول طبيب الأعصاب المختص السعودي هيثم الطيّب، العضو في الجمعية السعودية الخيرية لمرض الزهايمر في اتصال مع بي بي سي إنّ مرض أجسام ليوي يُصنف من ضمن الأمراض الضمورية العصبية التي تصيب الإنسان في مرحلة متأخرة من العمر، أي بعد سن الستين.

ويضيف قائلاً إنها من الأمراض البطيئة، لكن أعراضها تتدهور وتتزايد وتؤدي مع الوقت إلى فقدان الإنسان كامل إدراكه وكامل حركته، “ويتحول إلى معتمد على ذويه بشكل تام، ويصبح فريسة للالتهابات”.

التشخيص الخاطئ

وأشارت ليال إلى أن الدواء ترك أثراً سلبياً على عمّها، إذ فقد القدرة على السير والكلام، إلى أن خضع بعد سنوات لكشف آخر مع الدكتور سهيل الجبيلي.

أولاً، أخضعه جبيلي لكشف تخطيط للدماغ ليجد أنه لا أثر لمرض الصرع، فأوصى بإيقاف الدواء تدريجياً. وبعد ملاحظة تحسن حالة فؤاد واستعادة القدرة على السير والنطق، قال الدكتور جبيلي إنه بالتأكيد لا يعاني من الزهايمر، وشخّص بعد عدة اختبارات أن فؤاد يعاني من مرض أجسام ليوي.

ويؤكد سهيل جبيلي أن تشخيص “مرض أجسام ليوي” لم يكن محدداً وكان يُصنف على أنه باركنسون. والسبب في ذلك هو أن تجمع البروتين في خلايا الدماغ العصبية هو نفسه المسؤول عن باركنسون ومرض أجسام ليوي، لكن توزيعها في الدماغ يختلف. ففي حالة الإصابة بالباركنسون، تنتشر هذه البروتينات في الموقع المسؤول عن حركة الجسم في الدماغ، بينما في حالة مرض أجسام ليوي، تنتشر البروتينات في كافة أنحاء الدماغ.

ويشير الطبيب السعودي الدكتور هيثم الطيّب إلى أنه “من الخصائص العرضية لمرض أجسام ليوي وجود أعراض باركنسونية” (أي مشتقة من مرض باركنسون). ويؤكد أن مرض أجسام ليوي مختلف، لكن هناك تشابهًا في الأعراض الحركية بين الاثنين. ويضيف الطيّب بالقول: “التشابه يتعدى الأعراض، ويشمل نوعية البروتينات المترسبة”.

ويقول إنه في حال مرض أجسام ليوي تظهر الأعراض الإدراكية قبل الأعراض الحركية، أما في حالة الإصابة بباركنسون يحدث العكس. “لذلك يصعب علينا أحيانًا تحديد أي الأعراض ظهرت أولاً، لأن هذه الأمراض بطيئة في ظهورها، وبالتالي قد يأتينا مريض بعد فترة من ظهور الأعراض ويعاني الجانبين منها، دون أن نتمكن من تحديد أيهما بدأ قبل الآخر”.

ويشير الدكتور هيثم إلى أن حالات التشخيص الخاطئة لا حصر لها، وجزء من أسبابها قلة المختصين في تشخيص هذا النوع من الأمراض. “لا يتعدى عددنا مثلاً في السعودية 15 طبيبًا مختصًا”.

ويقول الدكتور جبيلي إنه بسبب صعوبة التشخيص ووجوب العودة مع المريض إلى أعراض ظهرت منذ خمس سنوات على الأقل، “قد يتساهل المجتمع الطبي مع مسألة التشخيص ويذهب سريعًا نحو تحديد المريض على أنه زهايمر أو باركنسون”. لكنّ تطور المرض يدفع إلى التشكيك بتشخيص الزهايمر أو الباركنسون، بحسب جبيلي.

يتابع جبيلي بالقول: “إن طبيب الأعصاب يُستدعى عادة حين تنتقل أجسام ليوي إلى الدماغ. كنا نعتقد سابقًا أنه (المرض) الزهايمر أو نوع مشابه، لكن لم يتم التشخيص إطلاقًا للأمور التي ليس لها علاقة بالدماغ، وهي مهمة جدًا”.

ما هي آليات التشخيص الطبي لمرض أجسام ليوي؟

يقول الدكتور هيثم إن هناك فحوصات سريرية في البداية يجريها مختصون يستطيعون التفريق بين الأمراض الضمورية وبين أنواع أمراض الباركنسون.

“هناك بعض الاختبارات مثل اختبار الأشعة البوزيترونية Pet scan وتحديداً اختبار يتضمن نوع من الأشعة النووية Dat scan وهي ذات حساسية عالية للكشف عن التغيرات المرضية التي تحدث في نسيج الدماغ لمرضى أجسام ليوي”.

أسباب تتعلق بأسلوب حياتنا

يلفت جبيلي إلى أن جميع الأمراض العصبية التنكسية مثل الألزهايمر، باركنسون، وأجسام ليوي تنتج عن تراكم مواد ناتجة عن أسلوب حياتنا اليومي، مثل تناول اللحوم والمنتجات الكيميائية، خاصة مع التطور والابتعاد عن الطبيعة، مما حول حياتنا إلى حياة صناعية مليئة بالمواد الكيميائية. وهذا يؤدي إلى تراكم مواد نطلق عليها اسم “مواد سامة”، لا يستطيع الجسم التخلص منها إذا كانت مستمرة وبأعداد كبيرة. ويضيف جبيلي أن حالات الاكتئاب واليأس قد تكون عوامل محفزة، لكنها ليست السبب الرئيسي.

هل يوجد علاج؟

ليس لمرض “أجسام ليوي” علاج نهائي، لكنّ دكتور جبيلي يلفت إلى أنّ هناك دواء يستخدم في مرض الزهايمر يساعد المريض ” على التحسن قليلاً أو الحفاظ على استقرار وضعه”.

“أولاً يجب طمأنة المريض والأهل بأنه لا يعاني من الزهايمر، وأنه يستطيع متابعة القيام بأعماله في المرحلة الأولى بشكل طبيعي. لأن مرض “أجسام ليوي” بطيء وأعراضه خاصة تلك المرتبطة بفقدان الذاكرة، مختلفة تماماَ عن الزهايمر.

في مرحلة لاحقة لن يستطيع القيام بأعماله وعلى المريض والعائلة التأقلم مع الوضع الجديد.

 

المصدر: BBC
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments