الضوضاء: كيف يضر عالمنا الصاخب بصحتنا بشكل خطير؟

نحن مُحاطون بقاتلٍ غير مرئي. شائعٌ لدرجة أننا لا نكاد نلاحظه وهو يُقصّر أعمارنا. يسبب النوبات القلبية ومرض السكري من النوع الثاني، والدراسات تربطه الآن بالخرف. ماذا تعتقد أنه يمكن أن يكون؟

الجواب هو الضوضاء، والتأثير على جسم الإنسان يتجاوز بكثير الإضرار بالسمع.

تقول البروفيسورة شارلوت كلارك، من جامعة سانت جورج في لندن: “إنها أزمة صحة عامة، يتعرض لها عدد هائل من الناس في حياتهم اليومية”.

إنها مجرد أزمة لا نتحدث عنها.

تقول البروفيسورة كلارك، بينما تجهّزالأصوات لأسمعها: “هناك أدلة قوية على أن ضوضاء المرور تؤثر على صحة القلب”.

تلتقط الأذن الصوت وينتقل إلى الدماغ، وتقوم منطقة واحدة -اللوزة الدماغية – بالتقييم العاطفي.

هذا جزء من استجابة الجسم “القتال أو الهروب”، والتي تطورت لمساعدتنا على الاستجابة بسرعة للأصوات، كصوت حيوان مفترس يصطدم بالشجيرات.

كل هذا جيد في حالات الطوارئ، لكنه مع مرور الوقت يبدأ بالتسبب في أضرار.

تقول البروفيسورة كلارك: “إذا تعرضتَ للضوضاء لعدة سنوات، وكان جسمك يتفاعل معها باستمرار، فهذا يزيد من خطر إصابتك بأعراض مثل النوبات القلبية، وارتفاع ضغط الدم، والسكتة الدماغية، وداء السكري من النوع الثاني”.

بصورة خفية، يحدث هذا حتى أثناء نومنا السريع. قد تعتقد أنك تتكيف مع الضوضاء. اعتقدت أنني فعلت ذلك عندما كنت أعيش بالقرب من المطار. لكنّ علم الأحياء يروي قصة مختلفة.

الضوضاء صوت غير مرغوب فيه. النقل – حركة المرور والقطارات والطائرات – مصدر رئيسي، وكذلك أصوات قضاء وقت ممتع. الحفلة العظيمة لشخص ما هي ضوضاء لا تطاق لشخص آخر.

قابلتُ كوكو في شقتها في الطابق الرابع بمنطقة فيلا دي غراسيا التاريخية في برشلونة، إسبانيا.

هناك كيس ليمون طازج مُعلق على بابها أهداه لها أحد الجيران، وثلاجتها تحتوي على تورتيلا طهتها جارتها، وهي تُقدم لي كعكات فاخرة من صنع جارتها الثالثة التي تتدرب على صناعة المعجنات.

“صاخب للغاية… صاخب على مدار الساعة”، أخبرتني. هناك حديقة كلاب لأصحابها يتنزهون مع كلابهم التي “تنبح في الثانية، الثالثة، الرابعة، الخامسة صباحاً”، والفناء مساحة عامة تُستخدم في كل شيء، من حفلات أعياد ميلاد الأطفال إلى الحفلات الموسيقية التي تستمر طوال اليوم وتُختتم بالألعاب النارية.

تُخرج هاتفها وتُشغل تسجيلات الموسيقى الصاخبة بصوت عالٍ لدرجة اهتزاز زجاج نوافذها.

كان من المفترض أن يكون منزلها ملاذاً من ضغوط العمل، لكنّ الضوضاء “تُسبب لي الإحباط، أشعر برغبة في البكاء”.

وفي برشلونة، هناك قرابة 300 نوبة قلبية و30 حالة وفاة سنوياً بسبب ضوضاء المرور فقط، وفقاً للباحثة الدكتورة ماريا فوراستر، التي راجعت الأدلة المتعلقة بالضوضاء لمنظمة الصحة العالمية.

في جميع أنحاء أوروبا، يرتبط الضجيج بـ12 ألف حالة وفاة مبكرة سنوياً، بالإضافة إلى ملايين حالات اضطرابات النوم الشديدة، بالإضافة إلى أن إزعاج الضوضاء خطير وقد يؤثر على الصحة النفسية.

يمكننا الدردشة بسهولة رغم الضوضاء دون رفع أصواتنا، لكن هذا المستوى غير صحي أصلاً.

أخبرتني أن المستوى الضروري لصحة القلب هو 53 ديسيبل، وكلما ارتفع، زادت المخاطر الصحية.

تقول الدكتورة فورستر: “هذا المستوى 53 يعني أننا بحاجة إلى بيئة هادئة نوعاً ما”.

وهذا فقط خلال النهار، إذ نحتاج إلى مستويات أقل للنوم. وتقول: “في الليل، نحتاج إلى الهدوء”.

مع أن الأمر لا يقتصر على مستوى الصوت فحسب، فإن مدى إزعاج الصوت ومدى تحكمك فيه يؤثران على استجابتنا العاطفية للضوضاء.

وتضيف: “اعتدنا على فهم أن المواد الكيميائية يمكن أن تؤثر على الصحة وأنها سامة، لكن ليس من السهل فهم أن عاملاً فيزيائياً، مثل الضوضاء، يؤثر على صحتنا بما يتجاوز سمعنا”.

قد يكون الحفل الصاخب هو المتعة التي تجعل الحياة تستحق العيش، بينما يكون ضجيج الآخرين غير محتمل.

صوت حركة المرور له التأثير الأكبر على الصحة نظراً لتعرض الكثيرين له. لكن حركة المرور هي أيضاً صوت الذهاب إلى العمل، والتسوق، وتوصيل الأطفال إلى المدرسة، وإن معالجة الضوضاء تعني مطالبة الناس بعيش حياتهم بشكل مختلف، وهو ما يخلق بدوره مشاكل.

أخذتني الدكتورة ناتالي مولر، من معهد برشلونة للصحة العالمية، في نزهة حول مركز المدينة.

لكنّ هناك شيء مختلف في هذا الشارع – كان طريقاً مزدحماً، لكن مُنحت المساحة للمشاة والمقاهي والحدائق.

أستطيع أن أتخيل شبح تقاطع طرق قديم من خلال شكل أحواض الزهور. لا تزال المركبات تمر هنا، ولكن ببطء.

تذكروا، في وقت سابق من المختبر، وجدنا أن بعض الأصوات يمكن أن تُهدئ الجسم.

تقول الدكتورة مولر: “ليس صامتاً تماماً، لكنه إدراك مختلف للصوت والضوضاء”.

كانت الخطة الأولية إنشاء أكثر من 500 منطقة كهذه، تُسمى “أحياء سكنية فائقة” – وهي مناطق صديقة للمشاة تُنشأ بتجميع عدة أحياء سكنية معاً.

أجرت الدكتورة مولر البحث مُتوقعة انخفاضاً في الضوضاء في المدينة بنسبة 5-10%، مما سيمنع حوالي “150 حالة وفاة مبكرة” بسبب الضوضاء سنوياً. وهذا “مجرد غيض من فيض” من الفوائد الصحية.

 

المصدر: BBC
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments