مياه الشرب: هل تقوم بتنظيف زجاجة المياه الخاصة بك بالقدر الكافي؟

هل تعلم أنه في كل مرة تشرب فيها من زجاجة المياه الخاصة بك، فإنك تترك بداخلها بكتيريا قد تتكاثر بالملايين على مدار اليوم؟ إليك بعض نصائح العلماء للتعامل مع هذه المشكلة.

لطالما تساءل كارل بهنكي، الخبير في سلامة الغذاء بجامعة بوردو في إنديانا بالولايات المتحدة، عن مدى نظافة زجاجة المياه القابلة لإعادة الاستخدام، لذا عندما أدخل بعض المناديل الورقية إلى داخل زجاجته ومسح بها الجدران، فوجئ بنتيجة صادمة.

يقول بهنكي: “كانت المناشف بيضاء اللون إلى أن أخرجتها و أدركت أن الإحساس اللزج الذي شعرت به داخل الزجاجة كان نتيجة تراكم بكتيري”.

وبعد هذا الاكتشاف الصادم، قرر إعداد دراسة علمية، وسأل مع فريقه البحثي بعض المارة، في أحد ممرات جامعة بوردو، إذا كانوا على استعداد لإعارتهم زجاجات المياه الخاصة بهم للمشاركة في دراسته، بهدف تقييم مدى نظافتها.

وعلى الرغم من أهمية المياه للحفاظ على ترطيب الجسم، لكن الاستخدام المتكرر لزجاجات المياه وحملها في كل مكان قد ينطوي على مخاطر صحية، فهل ينبغي لنا الاستغناء عنها، أم أن هذه المخاطر يمكن التغلب عليها؟

على الرغم من أن شرب الماء من الصنابير يكون آمناً في العادة، فإن الأمر لا يخلو تماماً من وجود حياة ميكروبية، لذا فإن ترك الماء داخل الزجاجة لعدة أيام يعزز نمو البكتيريا، بحسب ما أوضحته بريمروز فريستون، أستاذة علم الأحياء الدقيقة بجامعة ليستر في المملكة المتحدة.

وتقول فريستون إن البكتيريا المسببة للعدوى تنشط عند درجة حرارة نحو 37 درجة مئوية، إلا أنها قادرة أيضاً على التكاثر في درجة حرارة الغرفة، التي تبلغ نحو 20 درجة مئوية.

وأظهرت دراسة أجريت في سنغافورة، قام فيها العلماء بغلي المياه أجل القضاء على البكتيريا، أن تلك المياه تكاثرت فيها البكتيريا بسرعة داخل زجاجات أثناء استخدامها على مدار اليوم.

وخلص الباحثون إلى أن الزجاجات التي يستخدمها البالغون ارتفع فيها متوسط عدد البكتيريا من 75 ألف لكل مليلتر في منتصف الصباح، إلى مليون ومليوني بكتيريا لكل مليلتر خلال 24 ساعة.

وأوضحت فريستون أن الاحتفاظ بالزجاجة داخل الثلاجة بين كل شربة ماء يمكن أن يقلل وتيرة النمو البكتيري، بيد أنه لا يضمن القضاء عليها تماماً.

وعلى الرغم من أن بعض النشاط البكتيري في زجاجة المياه يعود إلى مصدر المياه ذاته، فإن التلوث الأكبر يكون بسبب المستخدم نفسه، فعندما تحمل زجاجتك، سواء إلى مقر العمل، أو النادي، أو حتى تتركها في المنزل، فإن سطحها الخارجي يلتقط عدداً لا يُستهان به من الميكروبات.

وحذّرت من أن إهمال غسل اليدين بانتظام قد يجعل زجاجات المياه مأوى لبكتيريا خطيرة مثل البكتريا الإشريكية القولونية، الأمر الذي يشكل تهديداً لصحة المستخدم.

وقالت فريستون: “قد تنتقل البكتيريا المرتبطة بفضلات البراز، مثل البكتريا الإشريكية القولونية، من اليدين إلى الشفاه في حال عدم الالتزام بممارسات النظافة الجيدة بعد استخدام دورة المياه”.

كما يؤدي تبادل زجاجات المياه مع الآخرين إلى انتقال فيروسات أو التقاطها، إذ يمكن أن تنتشر أمراض مثل عدوى نوروفيروس بسهولة بهذه الطريقة.

وقالت فريستون إن الإنسان يحمل في فمه عادة ما بين 500 و600 نوع مختلف من البكتيريا، مضيفة أن “(البكتريا) التي قد لا تسبب الأمراض بالنسبة لك، قد تشكل خطراً على آخرين، ومن الممكن أن تحمل عدوى دون أن تكون على علم بذلك، نظراً لكفاءة جهاز المناعة لديك في حمايتك”.

وأوضحت: “كل ما هو غير الماء يُعدّ بيئة خصبة لنمو البكتيريا والفطريات، ولا سيما المشروبات البروتينية”.

فإذا تركت الحليب في كوب لبضع ساعات، فقد تلاحظ أنه ينتج غشاء رقيقاً على سطح الكوب عند سكبه، وتقول فريستون إن هذا الغشاء يعد بيئة خصبة لنمو البكتيريا.

كيف تؤثر هذه البكتيريا علينا؟

نحن محاطون بالبكتيريا في كل مكان، في التربة وفي الهواء وعلى أجسادنا، لكن يجدر بنا أن نتذكر أن معظم هذه البكتيريا غير ضارة، بل منها ما يكون نافعاً.

ويؤدي تلوث المياه ببكتيريا الإشريكية القولونية إلى الإصابة بالإسهال والقيء، لكن ذلك لا يحدث في جميع الحالات، فهذه البكتيريا تمثل مجموعة واسعة تعيش بشكل طبيعي في البيئة، كما أنها تعد من بين الكائنات الدقيقة الشائعة في أمعاء الإنسان، لكنها تصبح خطيرة عندما تكتسب خصائص مرضية تجعلها قادرة على التسبب بالأمراض.

وعلى الرغم من أن معظم الميكروبات لا تشكل خطراً على الإنسان، إلا أن من يعانون من المناعة الضعيفة هم الفئة الأكثر عرضة للإصابة بالعدوى، بحسب فريستون.

وتؤثر بعض المضادات الحيوية على توازن البكتيريا النافعة في الأمعاء، ما يؤدي إلي جعل الأفراد أكثر هشاشة أمام الأمراض.

وأظهرت دراسة على زجاجة مياه مستخدمة، أن هذه الزجاجات قد تكون موطناً لسلالات بكتيرية مقاومة للمضادات الحيوية، وكان من بين نتائج الدراسة وجود بكتيريا تعرف اصطلاحاً باسم Klebsiella grimontii، وهي قادرة على بناء أغشية حيوية فوق الأسطح المعقمة.

وعلى الرغم من أن هذه البكتريا جزء من تركيب الجهاز الهضمي، إلا أنها قد تتحول إلى مصدر معاناة شديد، خصوصاً لمن يتناولون مضادات حيوية، إذ قد تتسبب في حدوث نوبات إسهال حادة.

وفي حالة تكاثر الفطريات في زجاجتك، فقد يسبب ذلك مضاعفات لمن يعانون من الحساسية.

وجدير بالذكر أنه لا توجد أدلة دامغة في الدراسات العلمية تربط بين زجاجات المياه القابلة لإعادة الاستخدام وظهور أمراض خطيرة، بيد أن ذلك لا ينفي احتمال حدوثها، إذ يكون من الصعب جداً تحديد مصدر العدوى بدقة.

يقول بهنكي عن تنظيف زجاجة المياه الخاصة به: “كنت أحياناً أغسلها بالماء الساخن، ولم أكن أبذل أي جهد إضافي لتنظيفها”.

وبعد أن كشفت تجربته التي استخدم فيها المناشف الورقية عن اتساخ زجاجة المياه، واصل هو وفريقه دراستهم لرصد عادات الناس في استخدام الزجاجات بشكل أكثر تفصيلاً.

وخلص بهنكي إلى أن ما يربو على نصف المشاركين في الدراسة، البالغ عددهم 90 شخصا، أفادوا بأنهم يتشاركون زجاجات المياه الخاصة بهم مع آخرين، بينما قال 15 في المئة منهم بأنهم لا ينظفون زجاجاتهم إطلاقا، وكما هو متوقع، كان لشطف الزجاجات أو غسلها تأثير على مستوى التلوث، إلا أن بهنكي اكتشف أن عدد مرات التنظيف أو الطريقة المستخدمة لم يكن لهما تأثير كبير على درجة التلوث داخل الزجاجات.

وأشارت نتائج الدراسة إلى أن أولئك الذين استخدموا فرشاة في تنظيف زجاجاتهم أو استعانوا بغسّالة الصحون، كانوا الأقل عرضة لنمو البكتيريا داخلها، ويرى بهنكي وفريقه أن الاستعانة بغسّالة صحون مع تفعيل دورة التعقيم قد يكون الحل الأمثل لضمان زجاجة نظيفة خالية من الملوثات.

وعلى الرغم من ذلك خلصت الدراسة إلى أن هذه النتائج قد لا تعكس الواقع بدقة، نظرا لأن الباحثين ربما اعتمدوا على شهادات المشاركين، الذين تحدثوا عن سلوكياتهم في تنظيف الزجاجات، الأمر الذي دفعهم على الأرجح إلى تكييف إجاباتهم لتبدو أكثر قبولاً من الناحية الاجتماعية.

كما أظهرت الدراسة أن الزجاجات التي استُخدمت في حفظ الشاي أو القهوة أو العصير كانت الأشد تلوثا مقارنة بالزجاجات التي لا يُحفظ فيها سوى الماء.

ويمثل تنظيف زجاجات المياه بانتظام وبطريقة صحيحة السبيل الوحيد لضمان عدم الإصابة بالبكتيريا الضارة أثناء شرب المياه. وحتى لو كان الماء داخل الزجاجة معقماً، تشير فريستون إلى أن لعاب الإنسان قد يدخل إلى الزجاجة، مصحوباً بكميات ضئيلة من العناصر الغذائية، مما يتيح بيئة ملائمة لنمو البكتيريا.

وتحذّر فريستون من أن الاكتفاء بشطف الزجاجة بالماء البارد ليس كافياً، فهذه الطريقة لا تنجح في إزالة الأغشية الحيوية، تلك الطبقة اللزجة من البكتيريا التي تستوطن السطح الداخلي للزجاجة، وتوفر بيئة خصبة لنموها وانتشارها.

 

المصدر: BBC